أعادت منافسات يورو 2016 النجم الكبير ميشيل بلاتيني إلى الواجهة من جديد، بعد فترة من الأخبار السيئة التي طاولته، نتيجة تورطه في أعمال فساد ترتبط بالاتحاد الدولي لكرة القدم ورئيسه السابق بلاتر. وتحدث جميع المتابعين عن الرجل الفرنسي خلال الفترة الماضية، لأنه كان أحد العقول المدبرة التي جعلت البطولة الأوروبية تقام بـ 24 فريقاً عوضاً عن 16، ليقل المستوى الفني كثيراً، ويزيد عدد المباريات المملة خلال المجموعات ومراحل خروج المغلوب.
الأرقام تحكم
لا يتعلق الأمر فقط بعدد فرق النسخة الأوروبية، بل دخل بلاتيني أجواء الإعلام بعد سباق الهدافين بين غريزمان ورونالدو، ووصول فرنسا والبرتغال إلى المباراة النهائية، لتتحكم لغة الأرقام في المشهد الكروي العام، وتدخل لعبة الإحصاءات على الخط، من خلال حصولها على نصيب الأسد في تقييم نجوم البطولة.
صاحب السجل الأفضل رقميا يتحول إلى مرشح فوق العادة في مسابقة البالون دور، هكذا جرت العادة في السنوات الأخيرة. وخلال البطولة الحالية، سجل رونالدو 3 أهداف في 6 مباريات، ليصل إلى مجموع 9 أهداف في كامل مشاركاته باليورو، حيث سبق له اللعب في نسخ 2004، 2008، و2012، ويمتلك كريستيانو فرصة كبيرة لكسر هذا الرقم في النهائي، خلال المباراة رقم 21 له بتاريخ المسابقة.
أما غريزمان فأصبح الهداف الرابع في تاريخ البطولة برصيد 6 أهداف، خلف كل من بلاتيني، ورونالدو، وشيرار. ووصل لاعب الأتليتي إلى هذا الرقم خلال النسخة الحالية من عمر اليورو، ولا يزال يملك الفرصة - نظريا على الأقل - لمعادلة رقم بلاتيني، إن سجّل الهاتريك في النهائي، لتتحول هذه المقارنات الرقمية إلى شهادة شكر وتقدير للأسطورة ميشيل بلاتيني، الرجل الذي سجل 9 أهداف كاملة في بطولة يورو 84.
زمن الثمانينيات
قدمت الفيفا دراسة فنية سنة 1982 تقول بأن الفرق التي تمتاز بخط وسط قوي بدنياً تتمتع بفرصة أكبر للفوز مقابل خصومها، وخلال مباراة نصف نهائي مونديال 1982 بين ألمانيا الغربية وفرنسا، تم تطبيق هذه القاعدة بامتياز طوال اللقاء، وبدأ مدربو الفرق في زيادة التدريبات البدنية لأفراد فرقهم، خصوصاً لاعبي الوسط.
وفي مونديال 1986، قدّم بيلاردو وفرانز بيكنباور خطة 3-5-2 بشكل عملي حقيقي، ووصل منتخبا الأرجنتين وألمانيا إلى نهائي الكأس ثم نهائي بطولة 1990. وبدأ الصراع يأخذ شكلاً أكبر وأقوى على صعيد منطقة الوسط، وأصبح كل فريق يحاول كسب النزال البدني وتوفير أكبر مساحة لتحرك صناع اللعب في الأمام.
وبالتالي وصفت حقبة الثمانينيات في اللعبة بأنها دفاعية بعض الشيء، تميل أكثر إلى الصراع البدني في المنتصف، لكن مع بزوغ نجم ملوك الرقم 10 كدييغو مارادونا في أميركا اللاتينية، وميشيل بلاتيني بالقارة العجوز، لذلك من الصعب جداً القول إن السبب وراء تسجيل بلاتيني هذا الرقم الكبير في بطولة واحدة يعود إلى الدفاع الهش، لأن تلك الفترة عرفت بقوة مدافعيها، كلاوديو جنتيلي جزار إيطاليا خير مثال.
وتؤكد الدراسات أن بطولة يورو 84 شهدت معدلاً تهديفياً يصل إلى 2.73 هدف في المباراة الواحدة، معدل أضعف من يورو 2000، وكأس العالم 82، كذلك يقترب بشدة من معدل مونديال 94، أي أن معدل أهداف نسخة بلاتيني وفرنسا لم يُنذر أبداً بأنه السبب الرئيسي وراء عبقرية الرقم 10.
عبقرية الإنجاز
في صفحة بطولة يورو 84 على موقع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، يتحدث محرر "يويفا" عن إنجاز فرنسا بشيء من الفخر، مع حضور طاغٍ للنجم ميشيل بلاتيني، اللاعب الذي سجل في مرمى منتخبات الدنمارك، وبلجيكا، ويوغسلافيا، والبرتغال، وإسبانيا في النهائي، لينجح في هز الشباك خلال كافة مباريات فرنسا باليورو.
أصيب ميشيل في مونديال 82 وشارك تحت وطأة الألم في 86، تبقى يورو 94 هي البطولة الوحيدة التي لعبها بلاتيني بكامل عافيته، لينفجر من خلالها تحت قيادة المدرب الفذ ميشيل هيلغادو، الرجل الذي آمن بالكرة الهجومية، وقدم منتخباً مثالياً يجمع بين اللمحة الجمالية والجانب التكتيكي المحكم في آنٍ واحد، إنه أحد أعظم الأجيال التي لم تفز بكأس العالم.
وصل بلاتيني إلى هذا الرقم الإعجازي من الأهداف نتيجة قوة منتخب فرنسا من الناحية الجماعية، فالمدرب خلق توليفة رباعية جديدة وقتها، هي أول أشكال الجوهرة "الدياموند"، عن طريق تمركز لاعب وسط أمام الدفاع، أمامه ثنائي مائل للطرف، مع صانع لعب في المركز 10 خلف الثنائي الهجومي المتقدم، 4-4-2 الهجومية.
فيرنانديز في الخلف، وغيريس وتيغانا على الأطراف، وأمامهم ميشيل بلاتيني في عمق الوسط الهجومي، رفقة الثنائي برونو بيلوني ولاكومب، هجوم متنوع ومتحرك يخلق الفراغ للقادمين من الخلف، ووسط منتج ومبتكر يمرر أكبر قدر ممكن من الفرص، إنها الخلطة التي وصلت بفرنسا إلى اللقب، وانتزعت المجد بين أقدام نجمها الكبير.