لعنة جوتمان

01 يناير 2015
قرر أخيرًا أن ينتظر موسما آخر (Getty)
+ الخط -

لم يكن أحد يتوقع ما حدث لنادي بنفيكا البرتغالي، بعد تولي المجري بيلا جوتمان مسؤولية تدريب الفريق. المدير الفني الجديد لم يفز فقط بالدوري البرتغالي، بل استطاع كسر هيمنة ريال مدريد على البطولة الأوروبية. ففي عام 1961 انتصر بنفيكا على نادي برشلونة الإسباني في ملعب وانكدورف برن بنتيجة 3-2 وتوج لأول مرة في تاريخه بطلًا لأوروبا.

ارتدى جوتمان ملابسه الأنيقة وذهب إلى الاحتفالية التي يقيمها نادي بنفيكا للاحتفال بفوزه ببطولة أوروبا، ذهب رافعًا رأسه كملك مُنتصر، فإنجازه كان تاريخيًا. دارت الأفكار في رأس المجري وهو في طريقه إلى مقر النادي، أخذ يفكر في حجم الهدية التي ستقدم له بعد هذا الإنجاز. في الواقع هو لم يكن يطمح إلى أكثر من زيادة في راتبه، ولكن كل تلك الأفكار ذهبت مع الريح بمجرد وصوله إلى مقر النادي. خرج جوتمان من الاحتفال بخُفي حُنين، فلم يتلقَ أي شيء سوى التصفيق.

"حققت البطولة الأوروبية ولم أنل سوى التصفيق"، قالها جوتمان لنفسه وهو يشعر بخيبة الأمل عائدة معه إلى المنزل. أخذت الأفكار تتصارع في رأسه، إلى أن انتصرت واحدة منها، قرر أخيرًا أن ينتظر موسما آخر، فمن الممكن أن تكون إنجازاته غير كافية للإدارة لمنحه راتبا أكبر، قرر أن يعتبر هو نفسه إنجازه، شيئًا عاديًا، وأن إنجازه القادم سيفوق الحالي بمراحل.

في العام التالي، وقف جوتمان أمام التاريخ يروّضهُ، وصل إلى المباراة النهائية أمام بطل أوروبا خمس مرات حينها، المباراة النهائية بين بنفيكا وريال مدريد على أرض الاستاد الأولمبي، أمستردام. يومها ذهب جوتمان إلى ملعب المباراة بثقة في النفس، ولكن ثقة يشوبها بعض الخوف، شعر بخوف طفل يذهب إلى مدرسة لأول مرة. الوضع لم يكن سهلًا على الإطلاق، إنجازه الجديد على وشك أن يتحقق. كان يمكن للجميع توقع فوز بنفيكا، ولكن ما لم يكن متوقعا أن يفوز على الفريق الملكى بنتيجة 5-3!! صرخ جوتمان يومها في داخله صرخة لم يسمعها سواه، صرخة أسد مُنتصر، صرخة قائد عسكري عظيم حقق كل ما يمكن من انتصارات، ولا ينقصه الآن سوى جمع الغنائم.

أُعيد المشهد من جديد، ديجافو! المجري يرتدي ملابسه الأنيقة، وهو متأكد أنه سيلقى هذه المرة التقدير والهدية المناسبة لخدماته لبنفيكا، ولكن في الواقع لم يكن في انتظاره سوى التصفيق أيضًا هذه المرة.

عاد وعلى وجهه نظرات تعدت خيبة الأمل بمراحل، وقرر أن يطلب بنفسه زيادة راتبه. استيقظ في صباح اليوم التالي، وأخذ طريقه إلى رئيس النادي. برغم البركان الذي كان يغلي داخل جوتمان، إلا أنه طلب من السكرتير بكل هدوء طلبه "صباح الخير، أريد مقابلة رئيس مجلس الإدارة" وما هي إلا دقائق ودخل جوتمان إلى "الرئيس".

الرئيس: "أهلًا بملك أوروبا وزعيمها"، شعر جوتمان بأن الجو العام مُلائم لطلب زيادة راتبه، فرد مبتسمًا: أهلًا بك سيدي. الرئيس: ما هو شعورك بعد البطولة الأوروبية الثانية على التوالي؟ جوتمان: شعور رائع، لكن هناك شيء يعكر صفوه.

الرئيس: ماذا! ما هو؟ جوتمان: أريد تعديل راتبي، أريد زيادة في الراتب، أعتقد أنني أستحق أكثر من هذا المبلغ. دخل أحدهم ليضع لجوتمان قهوته، وفي تلك الأثناء قال الرئيس: وما هي الزيادة التي تراها مناسبة؟ نظر جوتمان لمن يضع القهوة أمامه، وهمس في أذن الرئيس بالمبلغ المطلوب.

فجأة وقف الرئيس قائلًا: أنت مبالغ يا جوتمان، هذا المبلغ كبير للغاية، ولا أعتقد أن أحدهم يستحقه، في الواقع أنا لن أعطيك هذا المبلغ.

جوتمان: لا أحد يستحقه، أنا من بنيت هذا الفريق، أنا من صنعت منه بطل أوروبا بالتدريب والتخطيط والمجهود، وليس بجلوسي على كرسي مُريح في مكتب فخم.

زادت حدة النقاش وتحول إلى شجار، الجميع يقف خلف الباب الموصد يسترقون السمع، يحاولون معرفة ما يحدث في الغرفة بين جوتمان والرئيس، ولكن ما هي إلا ثوان وكان كل شيء يحدث على مرأى ومسمع من الجميع. جوتمان فتح باب غرفة الرئيس وهو في حالة غضب عارمة، وقف على الباب قبل خروجه وقالها بصوت عال "أنا مُستقيل، من اليوم ستعرفون قيمة جوتمان، لن يفوز بنفيكا ببطولة أوروبية واحدة، ولو بعد مائة عام". قالها وهو يشير بيده كما لو كان ساحرًا يلقي تعويذته على المكان. صدى الصوت لم يظهر إلا في كلمات جوتمان الأخيرة، وكأن القدر يريد ترديد الجملة مرة أخرى على مسامع الجميع.

رغم أن الجملة خرجت لحظة غضب جوتمان بعفوية، إلا أن وقعها كان سيئا جدًا على الجميع، شعروا كما لو كانت روحهم قبضت لثوان معدودة. أربعة مدربين تولوا تدريب بنفيكا بعد جوتمان في الفترة من 1962 إلى 1965، وفشل الجميع في التتويج الأوروبي. يبدو أن جملة جوتمان هي لعنة ألقاها على بنفيكا. بدأ الجميع يتحدث عن الأمر، حتى وصلت قصة اللعنة إلى مسامع الرئيس، ولم يجد هو نفسه بُدا إلا أن يصدقها. أرسل الرئيس إلى جوتمان مرة أخرى يتأسف له ويطلب منه العودة إلى تدريب الفريق، وكان رسوله في ذلك الأسطورة البرتغالية إيزيبيو الذي أقنع جوتمان بالعودة.

عاد جوتمان للفريق وهو يحمل شيئا بداخله ضد الرئيس والإدارة، أي نعم فاز ببطولة الدوري ووصل إلى نهائي البطولة الأوروبية. وفي هذا النهائي تكالبت شباك اللعنة أمام أعين وأفكار جوتمان نفسه، شعر وكأن رأسه توقفت عن التفكير وكذلك لاعبوه، لقد فات الأوان. لعنة جوتمان أصبحت حقيقة واضحة للجميع، تعويذته قالها من كل قلبه، لذلك هو نفسه لن يستطيع إبطال مفعولها، يٌقال إن الجميع تجرع من كأس لعنة جوتمان، حتى جوتمان نفسه. وعندما توفي جوتمان قيل إنه عاد وهو غير راض بذلك في داخله، لذلك لم تُكسر اللعنة. تعاقب المدربون على بنفيكا، البعض من المصدقين باللعنة والبعض يراها مجرد قصة أسطورية فلكلورية. زار أحدهم قبر جوتمان وطلب منه أن يسمح له بالفوز ببطولة أوروبية، ولكن حتى رماد جوتمان رفض ذلك.

منذ لعنة جوتمان وحتى عام 2014، خسر بنفيكا 8 نهائيات أوروبية، رغم محاولات بنفيكا وإدارته على كسب ود روح جوتمان، إلا أن جوتمان رفض كل تلك المحاولات، حتى بناء تمثال له على مدخل نادي بنفيكا لم يكن كافيًا لكسر العقدة. الأسطورة تقول إن جوتمان رفض كل القرابين التي قدمتها بنفيكا من أجل كسر العُقدة، وإنه لم يقبل سوى وساطة إزيبيو، وحتى تلك الوساطة قبلها على مضض!

*مصر

المساهمون