لطيف خان مهمند.. فقد يده وما زال يصنع الطوب

12 يونيو 2015
لا يشعر بأنه أقل شأناً من الآخرين (العربي الجديد)
+ الخط -

كان شاباً ممتلئاً بالحياة قبل أن يتمكّن منه السرطان، ويؤدّي إلى فقدانه يده اليمنى قبل خمسة أعوام. لكن ذلك لم يمنع لطيف خان مهمند من العمل في مصنع للطوب في إحدى ضواحي العاصمة الباكستانية إسلام آباد، ويزاول كل أنواع العمل التي قد يعجز عنها الأصحاء.

في الصباح الباكر، يستيقظ لطيف ويصلي الفجر قبل أن يترك بيته متوجهاً إلى مصنع الطوب القريب من منزله. يبدأ العمل أولاً بجمع الطين وإعداده لتصنيع تلك الحجارة. عند الثامنة صباحاً ينتهي من هذه العملية الشاقة، ليستعدّ إلى ما هو أصعب منها، أي صناعة الطوب. بعد ذلك، يصل والده ألف خان - في العقد الثامن من عمره - إلى حقل العمل حاملاً معه إبريق الشاي وخبزاً محلياً يُعرف ببراته. يغسل الشاب يديه بالمياه نفسها التي يستخدمها في صناعة الطين، ويجلس بجوار والده لتناول الفطور. "هكذا أبدأ نهاري في كل يوم، لأكسب ما بين 500 و700 روبية باكستانية (4.90 - 6.88 دولارات أميركية). لكن ما يريحني كثيراً هو وجود والدي إلى جانبي. أنا فقدت والدتي قبل ستة أعوام، وبعد عام بترت يدي. لكنني أنسى كل محني عندما أرى والدي الحنون".

بعد تناول الفطور، يعود الأب إلى المنزل. ويبدأ لطيف عمليّة تصنيع الطوب تحت الشمس الحارقة، من دون أن تتاح له حتى المياه الباردة. عند الظهر، حين يكتمل العدد المطلوب، يستريح قليلاً. ومن جديد، يحضر الوالد مع طعام الغداء هذه المرّة.

عند الثالثة من بعد الظهر، ينطلق في مهمة جديدة، فينقل الطوب من الحقول إلى الفرن. والغريب أن هذا الشاب وبيده الوحيدة، يقود الشاحنة بعدما يملأها بالطوب مع العمال الآخرين. لا يتذمّر مما يفعل، وبالنسبة إلى ربّ عمله ياور خان، هو أفضل عامل لديه. وهو يعبّر عن إعجابه به، إذ يقوم بكل أنواع الأعمال الشاقة على الرغم من يده المبتورة.

اقرأ أيضاً: عبد المحسن.. البقال الصغير يُعيل عائلته

على الرغم من فقدانه يده، لا يشعر الشاب قط بأنه أقل شأناً من الآخرين. هو يعدّ ذلك قدر الله. "كنت إنساناً معافى لا أشكو من أي خطب. لكن فجأة وبقضاء الله وقدره، أصابني مرض غريب في يدي". قال الأطباء إنه سرطان ولا بدّ من بتر اليد. لكن والده ما زال يصر ّعلى أن ذلك بسبب العين. "أياً كان السبب، الأطباء قطعوا يدي. بقيت لأيام بعد العملية أعيش حالة غريبة. لكنني أدركت أن أسرتي ستضيع إذا ما ضعفت همتي، فليس لوالدي وأخواتي الثلاث أي سند".

لا يرضى لطيف بأي مساعدة. "لماذا يعاونني أحد؟ أنا لست ضعيفاً ولا محتاجاً. لذا لا أطلب من غير الله أي نوع من المساعدة. والله يساعدني دوماً. أنا أصلي الخمس وأقرأ القرآن. كذلك أخواتي ووالدي يدعون لي دائماً بالخير والبركة. بالتالي لن أحتاج أحداً".

صاحب المصنع والعاملون فيه جميعهم يشجّعون الشاب ويحترمونه لأن همته عالية ولا يقبل الهزيمة. بالنسبة إليهم، أمثاله عاجزون عن العمل ويتسوّلون في الأسواق، أما هو فيعمل ليعيل أسرته الفقيرة. كذلك، يجدون أنه شاب متديّن.

عند المغرب يحمل الشاب رداءه على كتفه ويتوجه نحو المنزل. في طريقه، يشتري بعض الأغراض ومنها قطعة ثلج يبرّد بها المياه، وبعض الفواكه لوالده وأخواته، بالإضافة إلى حاجيات منزلية أخرى. كذلك، يعطي والده يومياً 200 روبية (1.96 دولاراً)، ليستفيد منها عند الحاجة.

لا يشتكي لطيف من تعامل صاحب المصنع والموظفين معه، لكنه مستاء كغيره بسبب سوء أحوال العاملين في باكستان. على الرغم من كل أشكال الأعمال الشاقة، إلا أن ما يكسبه يومياً غير كاف، نظراً لما تحتاجه أسرته في ظل غلاء الأسعار. ولطيف يحاول ادخار شيئاً من المال لزواجه وزواج أخواته.

هو يسعى أولاً إلى تزويج أخواته قبل أن يبدأ بالبحث عن شريكة حياته. تزويج أخواته أمر شاق بالنسبة إليه، بسبب عرف التجهيز التقليدي السائد في باكستان. يتوجّب على أسرة العروس تجهيز بيت العريس، وتقديم كل الحاجيات. وهو ما يقلق الشاب ووالده، لأن ما يكسبه بالكاد يكفي قوت أسرته.

يأمل لطيف أن تهتم الحكومة الباكستانية والمؤسسات التي تعنى بأحوال أمثاله، بالعاملين. هو يرى أن معظم أصاحب مصانع الطوب يستغلون سوء أوضاعهم، وخصوصاً أوضاع الأطفال. "مئات الأطفال يعملون في هذه المصانع بأجرة أقل من الرجال، ولساعات طويلة". كذلك يأمل أن يتعامل جميع أصاحب مصانع الطوب مع الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، بالطريقة نفسها التي يتعامل معه بها ربّ عمله.

لكن آمال لطيف وأحلامه لا تتوقّف هنا. هو يحلم بأن يتمكن يوماً من العودة إلى قريته متشني في مقاطعة مهمند القبلية، بعد استتباب الأمن فيها، لكي يعيش من جديد في المنزل حيث كانت تسكن والدته.

اقرأ أيضاً: عبد الرحمن الذي تحوّل عامل فندق
دلالات
المساهمون