لجنة صياغة اتفاق سد النهضة: مشاكل مرحّلة وتهرب إثيوبي

21 اغسطس 2020
بلغت الأعمال الإنشائية في السدّ 75% (فرانس برس)
+ الخط -

بينما أعلنت إثيوبيا بلوغ حجم الأعمال الإنشائية بسد النهضة نسبة 75 في المائة من سد النهضة، بدأت أمس الخميس، الاتصالات التنفيذية بين الأعضاء الممثلين لكل من مصر والسودان وإثيوبيا، بواقع عضو فني وآخر قانوني من كل دولة، لإعداد مشروع اتفاقي ملزم بين الدول الثلاث حول قواعد الملء والتشغيل، وذلك لتسليمه إلى رئاسة الاتحاد الأفريقي في موعد أقصاه 28 أغسطس/آب الحالي. وأفادت مصادر مصرية مطلعة "العربي الجديد"، بأن الأعضاء الفنيين الثلاثة باشروا دراسة الصياغات المقترحة من كل دولة، في ظل خلافات شاسعة بين المقترحات المصرية والسودانية والشواغل الإثيوبية. وبينما تصر دولتا المصب على أن ينص الاتفاق صراحة على الحدين الأدنى والأقصى لكميات المياه التي سيتم حجزها من خلال تشغيل السد، وكذلك ما سيتم تمريره في أوقات الجفاف والجفاف الممتد، تريد إثيوبيا إحالة تلك الأرقام إلى اتفاقية تشغيل منفصلة مستندة إلى تفسيرها الخاص والحرفي لاتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015. وأضافت المصادر أن إثيوبيا تتهرب من تضمين الاتفاق أي أرقام خاصة بحجم الملء والتدفق، بما في ذلك ما يخص كميات المياه التي ستتدفق بشكل يومي من السد إلى السودان وحدود مراعاة السلامة الإنشائية للسدود السودانية الصغيرة قياساً بسد النهضة، وعلى رأسها سد الروصيرص. وعرضت الخرطوم أن يكون التغيير في حدود 250 مليون متر مكعب، وأيدتها مصر في ذلك، لكن إثيوبيا تراجعت عن مقترحها السابق بأن يكون التغيير في حدود 350 مليون متر مكعب، وعرضت 300 مليون فقط، لكن السودانيين يرون أن هذا التراجع لن يضمن السلامة لاسيما في موجات ارتفاع منسوب الفيضان وزيادة الكميات.

إثيوبيا تتهرب من تضمين الاتفاق أي أرقام خاصة بحجم الملء والتدفق

وأوضحت المصادر أن دراسة الصياغات المختلفة لن تتطرق في الأيام المقبلة إلى الخلافات الرقمية الأساسية بين الدول الثلاث، والتي على رأسها حجم التدفق العام في فترات الجفاف والجفاف الممتد، والذي تقترح مصر أن يكون 37 مليار متر مكعب كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا وهو 32 مليارا وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. وكشفت المصادر أن وزراء المياه اتفقوا على ترك هذه المسألة لدراسة فنية وسيادية بالتوازي مع إعداد صياغة الاتفاق، باعتبارها المسألة الأكثر حساسية، لكن يبقى من مسؤولية لجنة الصياغة التوصل لآلية محكمة للتنسيق، إذ تصر إثيوبيا على قصرها على "الإبلاغ" في مواعيد معينة، لكن مصر والسودان يريدان أن يكون لهما دور رئيس في تحديد الكميات المتدفقة إذا طرأت ظروف مناخية غير متوقعة. وفيما تطالب مصر بالربط الكامل بين سد النهضة وسد الروصيرص والسد العالي لإبقاء المناسيب المائية معقولة فيها جميعاً، يطالب السودان بالربط فقط لمنع حدوث ضرر أو خطر جسيم، لكن إثيوبيا تجادل بأن هذه المسألة غير ضرورية وستعرقل عملية الملء الثاني للسد العام المقبل.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ومع استمرار حجب إثيوبيا لبرنامج الملء المستمر والدائم للسد، تصر أيضا على حجب خطتها للاستخدامات الخاصة بالمياه سواء كانت مخصصة لإنتاج الطاقة أو الزراعة أو غيرها، وهو أمر يخرج أيضاً عن صلاحيات لجنة الصياغة. ومن المتوقع أن يطرح على الجلسة القادمة لوزراء المياه والخارجية، ليتم تضمينه في وثيقة تكميلية للاتفاق، يحاول السودان ومصر حالياً ضمان صدورها برعاية الاتحاد الأفريقي، لكن إثيوبيا تعارضها بشدة. وتزيد الخلافات اتساعاً على المستوى القانوني الذي تتطابق فيه الرؤى المصرية والسودانية، وتتعدد فيه محاولات إثيوبيا للتهرب، فبعد الاتفاق على أن يكون الاتفاق ملزماً، تجادل أديس أبابا في لجنة الصياغة بأن الإلزام يقتصر فقط على اللجوء الإلزامي لفض المنازعات، من دون أن ترتب أي مسؤوليات عليها حال عدم الالتزام، وهو قصد يخالف تماماً ما ترمي إليه دولتا المصب.

وتتضمن المواضيع القانونية المختلف عليها، عدم التوافق الكامل على مدى إلزامية الاتفاقية التي سيتم توقيعها، وثانيها عدم التوافق على آلية فض المنازعات التي ستنشأ مستقبلاً حول تشغيل السد والملء، وثالثها رغبة إثيوبيا في تحويل الاتفاقية إلى اتفاق للمحاصصة في مياه النيل وإلغاء اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، ورابعها وأحدثها رغبة إثيوبيا في انتزاع موافقة مصر والسودان على إقامتها مشاريع مائية أخرى على مجرى النيل الأزرق وتطبيق القواعد الاسترشادية الخاصة بسد النهضة عليها، الأمر الذي ترفضه مصر نهائياً. وتسعى إثيوبيا إلى اقتران اتفاق الملء والتشغيل باتفاق جديد ينظم محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق، وبصورة "عادلة"، على حد قولها، تتعامل واقعياً مع استفادة مصر من كميات أكبر بكثير من حصتها المنصوص عليها، واستفادة السودان المتوقعة من كميات إضافية أيضاً حال البدء في ملء سد النهضة وتفعيل مصفوفات التدفق في حالتي الفيضان والشح المائي.

تسعى إثيوبيا إلى اقتران اتفاق الملء والتشغيل باتفاق جديد ينظم محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق

وسبق أن كشف مصدر إثيوبي لـ"العربي الجديد" مطلع الشهر الماضي أن رئيس الوزراء أبي أحمد تلقى نصائح قانونية أوصت باتباع سياسة النفس الطويل في التفاوض، مع استمرار الاعتراض على أمر آخر إلى جانب الإلزام، وهو ذكر أي لجنة أو هيئة دولية دائمة أو تشكل خصيصاً بغرض فض النزاع القانوني بين إثيوبيا ومصر والسودان، وفي النهاية يتم اقتراح اللجوء إلى منظمة دولية (الخيار الأول للإثيوبيين هو بالطبع الاتحاد الأفريقي) لتسوية الخلافات سياسياً وليس قانونياً. وذكر المصدر أن النصائح تتضمن أيضاً الامتناع عن الموافقة على أي بند يتضمن تحكيما قانونياً، والتركيز فقط على أن تكون التسوية سياسية. وسبق أن أبلغ أبي أحمد عدداً من قيادات حزبه ووزرائه خلال اجتماع الشهر الماضي لعرض الموقف التفاوضي بأن أي اتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة هو "استرشادي فقط وليس ملزماً" طالما استمرت مصر والسودان في تمسكهما باتفاق المحاصصة الموقع عام 1959، باعتبار أنه من المستحيل الوفاء بذلك التقسيم المائي في حالة الأخذ بأي مصفوفة من أي طرف تتعلق بتنظيم تدفق المياه من السد. وحتى الآن، تستفيد مصر من فوائض الحصص أو بواقي الفيضان ورغم أهميتها، فإن إثيوبيا والسودان يبالغان في تقدير كميتها ويعتبران أن مصر تستفيد منها بشكل كبير، وكانا يقولان خلال مفاوضات واشنطن إن مصر يصلها حالياً أكثر من 80 مليار متر مكعب، أي أكثر من الحصة المنصوص عليها في اتفاقية 1959 مع السودان بواقع 30 ملياراً. وتجادل إثيوبيا بأن ملء بحيرة سد النهضة سيخفض الحصة المصرية (الفعلية) إلى رقم يتراوح بين 52 و55 مليار متر مكعب، شاملة بواقي الفيضان، مقابل ارتفاع نصيب الخرطوم الفعلي إلى ما يتراوح بين 18 و20 مليار متر مكعب، بدلاً من 8 مليارات كان منصوصاً عليها في اتفاقية 1959.