لبنان: وزارة الصحة عنوان الحملة الأميركية ضد حزب الله

03 فبراير 2019
جبق لا ينتمي لـ"حزب الله" بالمعنى التنظيمي (حسين بيضون)
+ الخط -
لم تنفع كل النصائح التي أسديت لـ"حزب الله" في ثنيه عن المطالبة والحصول لاحقاً على وزارة الصحة اللبنانية في الحكومة الجديدة التي ولدت يوم الخميس. فعلى مدار الأشهر التسع من عمر عملية تأليف الحكومة، وقف كثر من المقربين الحلفاء ومن الخصوم، عند طلب "حزب الله" هذا، معربين عن مخاوف جدية من أن يؤثر توليه وزارة الصحة على هذا القطاع في لبنان، نتيجة الموقف الأميركي المعارض لذلك، والذي أُبلغ مراراً لبيروت. وقد طرح بعض الوسطاء في مرحلة التأليف على الحزب وزارات خدماتية أخرى، مثل وزارة الصناعة، بحيث لا تكون على تماس مباشر مع المجتمع الدولي، ولا تستفزه، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، وجاء هذا الطرح بموافقة مباشرة من رئيس الحكومة سعد الحريري. لكن "حزب الله" ردّ بحزم: "إمّا الصحة أو لا حكومة". وصلت الرسالة سريعاً للحريري والعاملين على خطّ التأليف الحكومي، فكان لا مناص من إعطاء الحزب ما يريد، على الرغم من أنّه أعطى تطمينات واضحة لجهة اختيار شخصية غير حزبية، هي جميل جبق، وعدم استخدام الوزارة في سياق يستفز الولايات المتحدة ويورّط الدولة اللبنانية.

وفي السياق، تسرد مصادر مطلعة على عملية التأليف لـ"العربي الجديد"، هذه المرحلة التي انتهت تقريباً بين شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول الماضيين، بتسليم الجميع بما يريده "حزب الله"، والارتكان إلى تطميناته التي أوصلها مباشرة أو ضمنياً إلى الحريري وإلى رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد أن تبلّغا بوضوح التحفظات الأميركية على هذا الأمر، والتي وصلت إلى حدّ يشبه التهديد.

ردّ من يعنيهم الأمر على الرسائل الأميركية، بما يقال عادة في الداخل اللبناني، بأنّ "حزب الله" مكوّن لبناني، ولا يمكن وضع فيتو داخلي عليه أو على وزارات يمكن أن يتولاها"، داعين إلى الفصل بين "حزب الله" كحزب ومكون لبناني، وبين "حزب الله" الذي تعتبره واشنطن مليشيا إيرانية في المنطقة. ولكن لم ينفع شرح المسؤولين اللبنانيين هذا مع الإدارة الأميركية، التي ردّت بأنّ هذه الخطوة سيكون لها تأثيرها، وأن وزارة الصحة ستكون تحت المراقبة الأميركية، خصوصاً من قبل وزارة الخزانة الأميركية، منعاً لأي خطوات التفافية على العقوبات المفروضة على "حزب الله" وكذلك على إيران، وكذلك منعاً لأي استغلال قد يقوم به الحزب للوزارة لخدمة أجندته السياسية، على الرغم من تكتم الإدارة الأميركية على الخطوات التي من الممكن أن تتخذها.

وفي سيرة الوزير جميل جبق بعض مما يؤهله، نظرياً، لتولّي هذه الحقيبة، فهو طبيب منذ أكثر من 30 عاماً. كما أنه عملياً لا يعتبر منتمياً لـ"حزب الله" بالمعنى التنظيمي، مع أنه سياسياً محسوب بالكامل على الحزب، وكان الطبيب الشخصي للأمين العام، حسن نصرالله، وهو ما اعتبره البعض في لبنان تخلياً من قبل الحزب عن ضمانات قدمها سابقاً بخصوص اختيار شخصية غير حزبية للمنصب، وسط مخاوف جدية من إلصاق هذه الصفة به دولياً.

وفي ردّ على الهواجس الموجودة في هذا السياق، يردّد بعض المقربين من "حزب الله" الإشارة إلى أنّ صفة "طبيب نصر الله" هذه "لا تسجّل ضد جبق، خصوصاً أنّ أي طبيب قبل تخرجه يقسم قسم أبوقراط المهني، ولا يمكن انتقاد أي طبيب بسبب من يداوي، فهذا انتهاك واضح وصريح للقسم ولشرف مهنة الطب". ما تلا إعلان الحكومة كان كافياً للإشارة إلى أنّ الإدارة الأميركية تنظر بتوجّس لخبر تسليم "حزب الله" وزارة الصحة، خصوصاً مع المواقف الأميركية (السفارة في لبنان، والخارجية الأميركية، والخزانة الأميركية)، التي سارعت إلى الإعلان عن الترحيب بالتأليف الحكومي، من دون إغفال الإشارة بتوجّس لخطوة تسلّم "حزب الله" لحقيبة الصحة. وعلى الرغم من كشف الإدارة الأميركية أن وزير الخارجية مايك بومبيو، يتطلّع إلى زيارة لبنان، إلا أنّ الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، روبرت بلادينو، كان واضحاً في بيانه عندما دعا الحكومة الجديدة إلى "ضمان ألا توفّر موارد هذه الوزارات وخدماتها دعماً لحزب الله". وهو ما يعدّ المؤشر الأول على اعتبار الإدارة الأميركية أنّ المسؤولية تقع على لبنان – الدولة، بعد أن سبقه تحذير من استغلال تولي وزارة الصحة، لتحويل الأموال إلى المؤسسات التابعة للحزب.

ولعلّ التحذير الأخير قد يكون الأوضح، خصوصاً أنّه جاء على لسان مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، مارشال بيلينغسلي، الذي جال في لبنان قبل أيام، وأبلغ من التقاهم بالمحاذير الأميركية من خطوة تسليم "حزب الله" وزارة الصحة. ورفض بيلينغسلي التكهّن بردة فعل بلاده أو ما يمكن أن تفعله الإدارة الأميركية في حال "استغل الحزب الوزارة في سياق أنشطة تمويلية"، بعد أن لمّح إلى اعتقاد يبدو راسخاً أميركياً، بأنّ الحزب سيحاول استغلال أي وزارة ستُعطى إليه لتمويل نفسه، أو تمويل أي نشاط آخر يدعم أجندته.

ويتمحور القلق اللبناني حول المساعدات التي تتلقاها وزارة الصحة من جهات دولية، والتي تنقسم إلى قسمين: الأول مساعدات للبنان يأتي 80 في المائة منها من دول الاتحاد الأوروبي، والثاني مساعدات مرتبطة باللاجئين السوريين. وعليه، تقول مصادر "العربي الجديد"، إنّ اتصالات تجري بين الإدارة الأميركية والحلفاء في أوروبا للتنسيق حول مراقبة هذه المساعدات، على الرغم من أنّ أي قرار لوقفها لا يزال مستبعداً، من دون أن تسقط المصادر الإشارة إلى أن أي قرار أميركي في هذا الخصوص لن يكون بعيداً عن التنسيق الكامل مع دول الاتحاد الأوروبي.

إلى ذلك، يرتبط اختيار جبق أيضاً بوصفه شخصية من منطقة البقاع (شرق لبنان)، التي شارك عدد كبير من أبنائها في الحرب السورية، إلى حدّ أنه يمكن القول إنها كانت خزاناً بشرياً لمقاتلي الحزب. وهو ما أوجد نقمة ضدّ الأخير، برزت بوضوح خلال الانتخابات النيابية التي أجريت في مايو/أيار الماضي، ودخول نصرالله على خط المعركة في قضاء بعلبك – الهرمل، لحثّ السكان هناك على المشاركة والتصويت لصالح "حزب الله"، وسط اتهامات يوجهها أبناء هذه المنطقة للحزب بالتقصير والإهمال.

وفي هذا السرد، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ وزارة الصحة تعتبر إحدى أهم الوزارات الخدماتية الأساسية، التي ينتفع منها المواطن اللبناني مباشرة. كما تعتبر مع وزارات الدفاع، التربية، الطاقة، والداخلية، الأكثر استحواذاً على الأموال من موازنة الدولة. وهو ما تبرزه المصادر في سياق حديثها عن أزمة الحزب في البقاع شعبياً، والنقمة المتزايدة ضده.

إلى ذلك، ومن بين ما يتحدّث عنه مسؤولون في لبنان، هو إمكانية فتح السوق اللبنانية أمام الأدوية الإيرانية والسورية في ظلّ وزارة جبق. وهي الأدوية التي لا تلقى رواجاً في الأسواق العالمية. إضافة إلى تذكيرها بتصريح سابق منذ أشهر لمسؤول إيراني في وزارة الصحة، أكّد خلاله أنّ بلاده تتطلع إلى تسجيل أدوية إيرانية في السوق اللبنانية ومن بينها أدوية السرطان، وهو ما يمكن استغلاله أيضاً عبر إعادة تصدير هذه المنتجات عبر لبنان للتخلّص من العقوبات المفروضة على طهران. الأكيد اليوم مع هذه الحكومة الجديدة، أنّ "حزب الله" بات مشاركاً بقوة في مجلس الوزراء، وهو ما سيكون محطّ نظر لمقياس نجاحه أو فشله، وكيفية إدارته للشأن العام بعد أن حيّد نفسه لسنوات طويلة، مكتفياً بدور المراقب برلمانياً، وحكومياً في وزارات هامشية.
المساهمون