لبنان والوزيرات الستّ

25 يناير 2020

وزيرات العمل والعدل والدفاع والشباب والإعلام والمهجّرين (22/1/2020/الأناضول)

+ الخط -
لم نكن نحتاج إلى إثبات جديد للتأكيد على حاجتنا إلى الكثير بعد في ما يتعلق بالتعاطي مع الموضوع الجندري، وهو ما بدا واضحاً في تأليف الحكومة اللبنانية أخيراً برئاسة حسّان دياب. ففي تشكيلة من 20 وزيراً، تمّ تعيين ست وزيرات، في خطوةٍ هي الأولى من نوعها في تاريخ الحكومات اللبنانية. طبعاً، من الناحية المنطقية، الأمر يبشر بمستقبل أكثر إشراقاً لناحية تعزيز المساواة وفقاً للكفاءة، لا الأبوية والذكورية، غير أن طريقة التعاطي السلبية مع الوزيرات الستّ أظهرت أن الطريق لا يزال شاقّاً. في الواقع، هناك ألف سببٍ للاعتراض على حكومة دياب، بدءاً من كونها لم تلبِّ مطالب الشارع الذي أراد حكومة اختصاصيين، بل تمّ تشكيل حكومة تابعة لقوى 8 آذار (حزب الله، التيار الوطني الحر، حركة أمل). كما أن بعض الوزراء "شكروا" قادة الأحزاب والتيارات التي اختارتهم، وهو مدخلٌ أساسي للانتقاد. بالإضافة إلى ذلك، بدا الوزراء ميّالين إلى اعتماد مبدأ الاستدانة من الخارج لإنقاذ الوضع المادّي المتردّي، وهذه نقطةٌ سلبيةٌ أيضاً يمكن الولوج منها لمواجهتهم. 
أما وأن يختار بعضهم انتقاد الوزيرات انطلاقاً من نمطيةٍ تحتاج إلى الانقلاب عليها لأسباب ذاتية، قبل أن تكون اجتماعية، فهو أمرٌ يفترض أن نكون قد تجاوزناه، قياساً على حصولنا على كمٍّ هائل من المعلومات من جهة، والتشارك مع مختلف ثقافات المجتمعات من جهة أخرى في العقود الماضية، غير أن ذلك ربما مرتبط أكثر بالذهنية التي تتحكّم بنا، فهناك من يعتقد أن المنطق "الصحيح" هو بالتعاطي السلبي مع النساء وإسقاط الأحكام عليهن وفقاً لموروثات ذكورية، من دون أن يتجه إلى بناء معارضة أو موالاة بحسب أدائهن الحكومي في الحالة الوزارية. وطبعاً، لا يمكن حتى الانتقاد على قاعدة "أترضاها لأمك أو لأختك؟"، لأن المقارنة هنا تأتي في سياق ذكوري أيضاً، والتعاطي من علٍ، بينما تبدو البديهيات أكثر بساطة: كل إنسان في الدنيا مساوٍ لك، مهما كان جنسه وعرقه ودينه وقوميته.
أساساً، تحتاج بعض الذهنيات اللبنانية إلى إعادة نظر. لا يمكن الجمع بين اعتناق الأفكار الحديثة كـ"ترند" عالمي أو مجتمعي والاستمرار في نهج التعاطي السلبي مع النساء. كل شيء يبدأ من الذات. والذهنية التي لا تبادر إلى إصلاح ذاتها في موضوع إنساني سيُصعب عليها معالجة سلبياتها في مسائل أخرى، سواء بالتفكير المنهجي والواقعي أو في سياق التعامل اليومي. كل شيء يحتاج إلى لحظة تأمل قبل القيام بأي خطوة: هل يمكن إطلاق نكتةٍ على شخص من دون تعريضه للتنمّر؟ هل رمي نفاياتنا من السيارة على الطريق أمر سليم؟ هل ضرب الأولاد أمر طبيعي؟ هل الزوجة هي عاملة في المنزل لخدمة الرجل أمّ مساوية له؟ هل يصحّ انتقاد شخص من دون الاستماع لوجهة نظره؟ وغيرها من الأسئلة التي لا تحتاج لوقت كثير، بل فقط للتأمّل.
يقول عالم الاجتماع البلجيكي ـ الفرنسي، كلود ليفي شتراوس، إن "التفكير المتوحش يعتبر منطقياً بالمعنى نفسه وبالطريقة نفسها التي نحن عليها"، وإن "الثقافات لا تكون مبدعة ولا خلاقة عندما تنعزل كثيراً وتتقوقع على ذاتها. ولكن ينبغي أن تنعزل قليلاً كي تستطيع أن تهضم وتتمثل بما تستعيره من الخارج". ويرى أنّ اليابان تحقّق هذا الشرط، لأنها "تستوعب الكثير من الخارج وترفض الكثير أيضاً. اليابان هي أكبر بلد مترجم في العالم. ولكنها لا تهضم إلا ما يتناسب مع طبيعتها". وبصورة أكثر تبسيطاً، على كل متمسكٍ بنمطيةٍ جامدة، إدراك أنها ستنتهي يوماً ما، وعليه التفاعل مع التطور كي لا يجرفه. في لبنان، تتحقق البداية في تغيير التعاطي السلبي مع الوزيرات الجديدات، فقط لأنهن نساء، والتركيز على ما سيفعلن، مع باقي الوزراء، إذا بقيت الحكومة.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".