بعد ساعات من تخفيض مؤسسة التصنيف الائتماني "موديز" تصنيف لبنان، أشيعت في البلاد موجة من التفاؤل بقرب تأليف الحكومة. لكن سرعان ما تراجعت هذه الموجة، مع أنها نجحت في حصر تداعيات ما خرجت به "موديز"، ليبقى السؤال: هل فعلاً موعد تشكيل الحكومة اقترب؟ أم الغاية الأساسية من إشاعة أجواء التفاؤل كانت تكمن في لجم التداعيات الاقتصادية المحتملة لتخفيض تصنيف لبنان مالياً؟ خصوصاً أنه أتى بسبب تأخر التأليف الحكومي، وهو ما أشارت إليه المؤسسة بوضوح. وفي معلومات "العربي الجديد"، فقد نزل تخفيض "موديز" للبنان كالصاعقة على المسؤولين اللبنانيين، وهو ما استدعى سلسلة من الاتصالات الرفيعة المستوى بين القيادات اللبنانية، خلصت إلى نتيجة وحيدة، وهي ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة نظراً إلى الأخطار الاقتصادية والأمنية المحدقة، لكن لم يكن شيء يشير إلى أن الحكومة ستبصر النور.
وتولى سريعاً رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، مهمة لجم أي تداعيات لتقرير "موديز"، فخرج بتصريح يؤكد فيه أن الحكومة ستولد خلال أيام، وهو صاحب مقولة "لا تقول فول حتى يصير بالمكيول" التي لطالما رددها خلال الأشهر الماضية عند سؤاله عن تأليف الحكومة. وحتى خلال المراحل التي شهدت تفاؤلاً بقرب التأليف، كان بري يبقي على حذره رافضاً تأكيد قرب الفرج الحكومي، أو نفيه. وكان لافتاً ما خرج به بري، قبل أن يلحق به سريعاً رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، بإشاعة أجواء ايجابية مشابهة، ساهمت في تفعيلها زيارة رئيس "التيار الوطني الحر" ووزير الخارجية جبران باسيل إلى الحريري، وما تلاها من تسريبات لم تؤكد حصول أي خرق في صيغة حل العِقد الحكومية، لكنها أبقت على تأكيد الإيجابية وقرب التأليف.
وفي معلومات "العربي الجديد" أن الهدف من موجة التفاؤل هذه كان واضحاً، ويكمن في لجم تداعيات تقرير "موديز"، من دون أن تؤكد أو تنفي ما إذا كانت هذه التصريحات والأجواء المشاعة منسقة بين القيادات اللبنانية. لكنها تذكر في المقابل أن وزارة المالية هي من حصة حركة "أمل"، ويشغلها الوزير علي حسن خليل، وربما لهذا تخلى بري عن سياسة الحذر في التفاؤل، لمصلحة ترجيح كفة التأليف، حتى لو لم تكن الأجواء كذلك حقاً، في محاولة لامتصاص تداعيات التقرير. عملياً ما طرح خلال الساعات الماضية، لم يرقَ إلى مستوى الجديد النوعي في حل أزمة توزير شخصية محسوبة على النواب الستة السنة الحلفاء لـ"حزب الله"، خصوصاً أن طرح تخلي "التيار الوطني الحر" عن مقعد من حصته لصالح النواب الستة، المنضوين في "اللقاء التشاوري"، كان قدم سابقاً مراراً، ولم يحصل اتفاق عليه مع استمرار رفض "التيار" العوني لذلك، إضافة إلى محاولة إعادة توزيع الحقائب بين القوى الأساسية في محاولة لإرضاء "التيار" لعله يتخلى عن المقعد الوزاري الـ11 (من أصل 30 وزارة).
وتؤكد مصادر مطلعة على مسار التأليف أن أحداً لم يتراجع قيد أنملة عن موقفه الحكومي، وأن موجة التفاؤل لم تستند إلى واقع رئيسي، خصوصاً أن بري عاد سريعاً إلى مربع التشاؤم، فيما الحريري غادر إلى فرنسا، على الرغم من لقاءاته الحكومية هناك مع باسيل ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، التي أكدت له أن الخرق الحكومي خلال الأسبوع المقبل يبدو مستحيلاً. ويبدو الوضع الحالي الاقتصادي غير قابل للاستمرار على ما هو عليه، لهذا جاء تصريح الحريري الأخير الذي أكد فيه أنه "في الاسبوع المقبل سأحسم قراري بشأن الحكومة"، تاركاً الكثير من علامات الاستفهام حول نوايا الحريري في حال فشلت مساعيه، بينها تلويحه في اجتماعات مغلقة بخيار الاعتذار عن استمرار العمل على تأليف الحكومة، بما أنه يرفض تحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي خصوصاً. لكن الأكيد وفق مصادر "العربي الجديد" أن الحريري أراد التحذير في محاولة لهزّ الساحة السياسية، ودفع الجميع إلى تقديم تنازلات لتأليف الحكومة. ومن بين الخيارات لدى الحريري، وفق ما تقول المصادر الانتقال إلى خطة تفعيل الحكومة، متماهياً مع تلويح بري بعقد جلسات تشريعية لإقرار العديد من مشاريع واقتراحات القوانين الملّحة، وتحديداً من أجل إقرار الموازنة العامة. لكن تحول دون ذلك معارضة الرئاسة التي ترى أن الأولوية لتشكيل حكومة تكون مسؤوليتها إقرار الموازنة العامة.