لبنان.. مصالحة اللدودين

06 يونيو 2015

عون وجعحع في لقاء ثنائي (2يونيو/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
انشغل اللبنانيون بحدثٍ "تاريخي" يوم الثلاثاء، بلقاء الزعيمين المسيحيين الأقوى في البلاد، رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، ورئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع. كانت المرة الثانية التي يزور فيها جعجع مقرّ عون في منطقة الرابية، شرقي لبنان. كانت الأولى في عام 2005، بعد انسحاب الاحتلال السوري من لبنان، وعودة عون من المنفى، وخروج جعجع من السجن. كان لقاء الثلاثاء مرتقباً بحكم الحوار الذي بدأ بين الفريقين، في الخريف الماضي، لكن توقيته "فاجأ" الجميع، بمن فيهم عون نفسه، الذي لم يكن يتوقع حضور جعجع. اللقاء "التاريخي" بين الثنائي، من المفترض أن يطوي، هذه المرة، ملفاً طويلاً من ماضٍ قاسٍ من الحروب بينهما، دمّرت حضور المسيحيين في النظام الطائفي اللبناني. 

من الصعب التغاضي عن نحو 29 عاماً من التباعد بين الطرفين، فقط "لأجل الوحدة المسيحية واستمرار ما تبقّى من مسيحيين في لبنان والشرق الأوسط"، وفق أدبياتهما المستجدّة. في الواقع، لم يعبأ الرجلين أساساً بـ "حقوق المسيحيين"، حين تصادما مرات عدة، قبل حربهما الطاحنة في 1990، في آخر سني الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990). لم يكترثا، حين صنعا الحقد في قلوب أنصارهما الذين تقاتلوا لأتفه الأسباب في الحرب، ونقلوا معاركهم، بشكل صامت، إلى أيام السلم، سواء في الاشتباكات الطلابية، أو في المراقص الليلية. وحدث أن ابتعد إخوة عن بعضهم، فقط لانتماء أحدهم إلى عون والآخر إلى جعجع. حدث أن اشتبك الجيران لخلافات على موقف سيارات، فقط لأن بعضهم من قواعد عون والآخر تابع لجعجع. حدث أن رفض أصحاب الحوانيت الصغيرة بيع بضائع إلى زبائن لا يوافقونهم الرأي سياسياً. حدث في بقعة صغيرة من لبنان، أيضاً، أن تُرك آلاف المقاتلين ممّن بقوا على قيد الحياة، من حرب عون ـ جعجع، من دون عمل واهتمام وطبابة. مُقعدون ويموتون ببطءٍ. حالهم حال المدنيين الذين سقطوا ضحية حربهما، فضلاً عن الجرحى والأيتام والأرامل الذين باتوا في مهبّ الريح. لا عون سأل عنهم، ولا جعجع، و"المجتمع المسيحي" و"حقوق المسيحيين" لم تلحظهم.
ثم، حين تجد نفسك متسائلاً عما يحصل، ولماذا تأخر هذا الاجتماع، أو بالأحرى لماذا اشتبك عون وجعجع أساساً؟ يُحيلك الجميع إلى الخلاف السياسي، لأن عون حليف أساسي لحزب الله وقوى 8 مارس/آذار، وجعجع متمترس في خندق قوى 14 مارس/آذار. مع العلم أن خياراتهما السياسية أيام الحرب اللبنانية، يوم استولدا رقصتهما الدموية، كانت واحدة: كان الاثنان ضد الاحتلال السوري للبلاد، لكن عون كان قائداً للجيش (السلاح الشرعي)، وجعجع قائداً للقوات اللبنانية (المليشيا المسيحية اليمينية).
لم تكن حربهما أبعد من صراع على السلطة، شاء أنصارهما تقبّل ذلك أم لا، مهما توسّعوا في أوهام "الحقوق" و"الأمجاد". الحقائق أكبر من إخفائها، لكن المشكلة أكبر من كل شيء. المشكلة تكمن في الذهنية اللبنانية التي اعتادت القفز على الدماء ومصالح لبنان المستقبل، باسم "غيرة الدين". وإذا لم تطاول المحاسبة المسؤولين عن مقتل بشر، "من الطبيعي" حينها ألا تطاول من أوصل لبنان إلى العجز المالي والديون القاتلة.
دولة "عفا الله عما مضى" ليست دولةً يُبنى فيها مستقبل لأحد، لكننا أبدينا تمسكنا بها أكثر من مرة، في تلخيصٍ لروحيتنا المستمدة من جحيم الحروب وكتب التاريخ الشعرية والمنشورات الحزبية ـ الطائفية. وكما لم يُسمح لأحد أن ينادي بضرورة تنظيم خلافات عون وجعجع في السابق، يحصل، اليوم، أن يُمنع كل من يتكلّم عن المحاسبة والنقد الذاتي.
كله لا يهمّ. المهمّ الصورة وإرضاء هؤلاء الذين يعيشون على قشور التقاء زعيمين، لم يأبها يوماً لهم، ولن يأبها. فعلاها في السابق مرات، ولا أحد يعلم ما إذا كانا سيكررانها في المستقبل.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".