مرّت ثلاثة أعوام ونصف العام على توقيف الوزير اللبناني السابق، ميشال سماحة، بعد نقله متفجرات من سورية إلى لبنان، لتنفيذ تفجيرات في عدد من المناطق. تخللها إصدار المحكمة العسكرية الدائمة حكما بالمؤبد على سماحة قبل تخفيضه إلى ستة ثم أربعة أعوام ونصف العام بعد الأخذ بالأسباب التخفيفية، ثم إعادة محاكمته أمام محكمة التمييز العسكري. ويواجه سماحة استحقاقين اثنين خلال الفترة المُقبلة؛ الأول تأجيل جلسة استجوابه التي كانت مقررة في العاشر من الشهر الحالي إلى 17 منه، بعد تكرار فريق الدفاع طلب الاستمهال، والثاني انتهاء محكوميته في الحكم الأول في 23 من الشهر الجاري. مع العلم أن السنة السجنية في لبنان تمتد لتسعة أشهر فقط.
اقرأ أيضاً: لبنان: القضاء العسكري أمام محكمة الرأي العام
وكانت المحكمة العسكرية قد دانت سماحة بـ"محاولة القيام بأعمال إرهابية والانتماء إلى مجموعة مسلحة"، وقررت تجريده من حقوقه المدنية في ممارسة حق الترشح للانتخابات أو المشاركة في التصويت، كما منعته من تبوء أي منصب رسمي أو حكومي في المستقبل.
معركة قانونية
وتخللت جلسات إعادة محاكمة سماحة أمام محكمة التمييز العسكرية تجاذبات حادة بين فريق الدفاع وقاضي التمييز العسكري، طاني لطوف، وصلت إلى حد طلب محامي سماحة، صخر الهاشم، من موكله عدم الردّ على استجواب القاضي. وهي التجاذبات المتوقع استمرارها في جلسة الاستجواب المقبلة بسبب إصرار الدفاع على التهمل في الاستجواب حتى الاطلاع على كافة التسجيلات الصوتية والمرئية التي أوقف سماحة بالاستناد إليها، مقابل إصرار القاضي على السير في مجريات المحاكمة دون إبطاء.
وأثارت محاكمة سماحة، بكل تفاصيلها، ضجة في الساحة اللبنانية، كون توقيف مستشار رئيس النظام السوري بشار الأسد، شكّل رابطاً مباشراً بين محاولات الاغتيال والاغتيالات التي طاولت مسؤولين أمنيين وسياسيين وعسكريين مرتبطين بقوى تحالف "الرابع عشر من آذار" والنظام السوري. كما أثار ورود اسم رئيس مكتب الأمن القومي السوري، اللواء علي المملوك، والمدير العام السابق للأمن العام، المقرّب من النائب سليمان فرنجية، جميل السيد، شهية الإعلام اللبناني للكشف عن هوية المخبر السرّي الذي دسّه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، ونجح في إقناع سماحة بأنه سينفذ التفجيرات.
مخبر أم محرّض صوري؟
يعتبر محامي سماحة، صخر الهاشم، أن مُوكله وقع ضحية "جهد أمني واستخباراتي محلي وإقليمي ودولي لتحقيق هدف سياسي" يتمثل في النيل من حلفاء سورية في لبنان. ويشير في حديث لـ"العربي الجديد" إلى استمرار التدخلات السياسية في الملف "من خلال فصل ملف علي المملوك عن ملف سماحة في بدعة قضائية أملتها إرادة الدولة اللبنانية، بسبب ما يمثله علي المملوك في الفترة الأخيرة، لجميع أجهزة الاستخبارات في العالم، بعكس ما كان سابقاً خلال فترة ارتكاب الجرم واستحالة محاكمته في لبنان".
كما يرفض الهاشم الدعوة التي وجهها وزير العدل الحالي، والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي، أشرف ريفي، لإعادة الاستماع إلى جميل السيد، الذي أثبتت التحقيقات وجوده في سيارة سماحة خلال نقل المتفجرات من سورية الى لبنان، "دون معرفته بطبيعة الحمولة"، بحسب الهاشم.
ويضيف الهاشم أن "الجهد الإعلامي الذي واكب القضية خدم الدفاع من خلال تأمين مجموعة أدلة تُثبت براءة سماحة من تُهمة الإعداد لتفجيرات، وهي أدلة لم تكن لتصلنا لولا هذا الجهد". ووصل الأمر، في هذا السياق، إلى حدّ طلب الدفاع ضم حلقة تلفزيونية تخللتها مقابلة مع الوزير ريفي، يتحدث فيها عن علاقته القديمة بميلاد الكفوري، إلى ملف القضية.
ويؤكد الهاشم براءة موكله من "الإعداد لتنفيذ عمليات إرهابية"، ويرى أن "موكله نقل المتفجرات دون نية جرمية بل بتحريض من الكفوري". ويطرح في معرض دفاعه عن سماحة مقارنة بسيطة بين الأحكام التي أصدرتها المحكمة العسكرية بحق قادة المحاور في مدينة طرابلس قبل شهر، وبين الحكم الذي أصدرته المحكمة بحق مُوكله، ليقول إن "الوزير حُكم بالمؤبد قبل التخفيض في حين لم تتجاوز أحكام قادة المحاور ثلاث سنوات، علماً أن المواد الجرمية هي نفسها في الملفين".
تبدّل الظرف السياسي
ويقول الهاشم إن الظرف السياسي الذي واكب توقيف سماحة تغير اليوم، "وبالتالي لا ينبغي أن يقضي موكلي أي مدة إضافية في السجن بعد انقضاء محكوميته". غير أن مصادر حقوقية مُتابعة لملفات المحكمة العسكرية تؤكد أن مدة التوقيف الاحتياطي في "المحكمة العسكرية" مفتوحة، "ووكلاء سماحة لن يتمكنوا من تقديم طلب إخلاء سبيل، طالما أن الموقوف يخضع لإعادة محاكمة تتضمن استجوابه والاستماع لمرافعة الدفاع قبل إصدار حكم". وهي إجراءات قد تستغرق أشهرا بالنظر إلى رفض فريق الدفاع عن سماحة استجواب الأخير قبل الاطلاع على "داتا الاتصالات" وتحليل مضمونها، بعد اطلاعهم على التسجيلات السرّية بين سماحة والكفوري والتي أدت لتوقيفه. وقد تخلل جلسات سماحة أمام قاضي التمييز العسكري مشادات عديدة بين المحامي الهاشم والقاضي طاني لطوف بسبب طلبات التأجيل والاستمهال المُتكررة.
كما يُلاحظ متابعو ملف الموقوفين الإسلاميين (بينهم نساء وأطفال) الذين أطلقتهم السلطات اللبنانية في إطار صفقة التبادل مع "جبهة النصرة"، أن تأجيل المحاكمات في المحكمة العسكرية قد يطول لأشهر بانتظار نضوج التسويات السياسية.
اقرأ أيضاً: بالفيديو: الأسد طلب من سماحة تنفيذ تفجيرات في لبنان