لبنان: فراغ رئاسي يهدّد بشلّ المؤسسات

25 مايو 2014
سليمان مغادراً القصر الجمهوري (دالاتي ونهرا)
+ الخط -
حصل ما كان متوقعاً. حلّ الفراغ في موقع الرئاسة الأولى في لبنان. تكرّرت تجربة العام 2007، عندما فشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود الممددة لثلاث سنوات أصلاً. هكذا، يُثبت النظام السياسي اللبناني أنه يعيش أزمة سياسيّة حقيقيّة. فشل انتخاب الرئيس مرتين متتاليتين. وليس صدفة أن هاتين التجربتين، حصلتا بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005.

انتهت ولاية ميشال سليمان. وانتقل إلى بلدته عمشيت، شمال بيروت، ليعود مواطناً لبنانياً عادياً. يوم الإثنين، يستيقظ اللبنانيون من سكرتهم. منهم من يحتفل "بتخلّصه" من سليمان بعدما أطلق حملة "فلّ" على خلفيّة مواقف سليمان من سلاح حزب الله، وخصوصاً عندما اعتبر أن معادلة "الشعب، الجيش والمقاومة" باتت معادلة خشبية. إذاً، يحتفل فريق 8 آذار برحيل سليمان، في الوقت الذي يغيب نواب هذا الفريق عن جلسات البرلمان لانتخاب رئيس جديد، حتى يتم التوافق على مرشح يرضيهم، ويُفضل أن يكون ميشال عون.

في المقابل، يستيقظ جمهور 14 آذار من احتفاليته المؤيّدة لسليمان. يرى مناصرو هذا الفريق أن الأخير طبّق الديمقراطية ورحل من دون دماء. يستفزون الفريق الآخر، بالإشارة إلى أن عون، مرشّح 8 آذار، "هرب عام 1990 من قصر بعبدا تحت ضربات الجيش السوري بثياب النوم إلى السفارة الفرنسيّة". كما يستفزون 8 آذار، بالحديث عن الرئيس بشار الأسد الذي دمر بلاده وقتل شعبه في سبيل التمسّك بالكرسي.

غداً، سيستيقظ هذا الجمهور من سكرته، ليكتشف أن فريقه السياسي فشل للمرة الثانيّة في إيصال رئيس للجمهوريّة. وأن الفراغ الرئاسي يسيطر مجدداً على البلاد. كهذا، يضرب مشروع الدولة التي يُعلن 14 آذار أنها مشروعه.

لكن ما الذي يعنيه هذا الفراغ على المستوى التنفيذي؟ في لبنان، يوقّع رئيس الجمهوريّة كلّ المراسيم التي تصدر عن الحكومة، إلى جانب توقيع رئيس الحكومة والوزير المختص ووزير المالية العامة. كذلك يوقّع رئيس الجمهوريّة كافة القوانين التي تصدر عن مجلس النواب. وفي حال شغور موقع الرئاسة نص الدستور اللبناني في المادة 62 منه على: "في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء".

دستورياً، لا يجب أن يؤدي الفراغ في الرئاسة الأولى إلى تعطيل أي من المؤسسات اللبنانيّة. فنص المادة المذكور، يُحيل كلّ السلطات إلى مجلس الوزراء. لكن على مجلس الوزراء بكامل أعضائه أن يوقع مكان رئيس الجمهوريّة. بالتالي، فإن استمرارية عمل المؤسسات التي يكفلها الدستور، تحتاج إلى إجماع سياسي، وهو ما يعني تجميد كل الأمور الخلافية من أقلها أهمية إلى أكثرها.

أمّا سياسياً، لا يبدو أن الأمور ستسير على ما هي عليه. لا يُعلن الفريقان السياسيان حالياً موقفاً جازماً. كلاهما لا يزال في طور دراسة موقفه. فالنائب آلان عون، وهو عضو تكتل التغيير والإصلاح، يُشير إلى أن رئيس التكتل النائب ميشال عون سيُعلن موقف التكتل يوم الإثنين.

لكن عون يلفت إلى أن لا نية لتعطيل شامل للمؤسسات، ولا نية لاستمرار الوضع وكأن شيئاً لم يحصل. يستعمل عون عبارة "الضروري والاستثنائي"، في إشارة إلى أن فريقه السياسي سيشارك في الجلسات الحكومية والبرلمانية في الأمور الأساسيّة فقط. موقف عون هذا، سيُمثّل موقف فريق 8 آذار.

في المقابل، يبدو أن فريق 14 آذار قد حسم موقفه لجهة عدم المشاركة في أي جلسة تشريعيّة لمجلس النواب وحصر المشاركة في جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة. إذ أعلم نواب 14 آذار يوم السبت في بيان لهم أن "شغور الموقع الدستوري الأول يُعد حدثا جللا لا يمكن استمراره وتجاوزه واعتباره كأن شيئاً لم يكن، ويعتبرون أن المهمة الأساسية الأولى والوحيدة للمجلس النيابي في الظروف الراهنة تبقى حصراً انتخاب رئيس جديد للبلاد". لكن ما مدى تأثير هذا الأمر على جلسات الحكومة؟ يقول النائب في كتلة المستقبل عمّار حوري لـ "العربي الجديد" أن 14 آذار لا تزال في طور دراسة الموقف، لكنه تخوّف من تعطيل فريق 8 آذار للحكومة.

استمر الفراغ في الرئاسة الأولى نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 حتى مايو / أيار 2008، أي نحو ستة أشهر. لم ينتهِ الفراغ إلا بعد حرب أهليّة مصغرة سيطرت خلالها عناصر حزب الله وميليشيات 8 آذار على بيروت ومناطق أخرى، ما أدى إلى تدخل إقليمي، أثمر اتفاق الدوحة الذي انتخب على أساسه رئيس الجمهوريّة. تجربة 2007 ــ 2008 لا تبشر بالخير. كذلك تجربة الفراغ بين عامي 1988 ــ 1989، التي انتهت باتفاق الطائف بعد حرب التحرير. كيف سينتهي الفراغ هذه المرة؟ لا يوجد إجابة حتى الآن.
دلالات