لم يعد وزراء ومسؤولون لبنانيون يجدون أيّ رادع نفسي أو إنساني لطلب وقف مساعدة اللاجئين السوريين. لا يثنيهم فقر اللاجئين، ولا خسائرهم النفسية والبشرية والأمنية، عن التقدّم باقتراحات مماثلة. آخر هذه الاقتراحات وردت على لسان وزير الخارجية جبران باسيل، خلال اجتماعه بأحد السفراء الأوروبيين. طلب باسيل، بحسب ما قال مصدر دبلوماسي لـ"العربي الجديد"، "وقف أي دعم للأمم المتحدة في لبنان حتى تتوقف الهيئات الدولية عن مساعدة اللاجئين".
يأتي هذا الطلب في إطار خطة "فائقة الذكاء" من قبل جهات لبنانية رسمية، تعتقد أن وقف دعم النازحين وغوثهم، يساهم في تدني موجة اللجوء السوري، ويساعد على مغادرة اللاجئين الحاليين الأراضي اللبنانية، فتنخفض بذلك أعداد اللاجئين تدريجياً، وتخفّ أعباء هذه الملف وضغوطه على الدولة والناس.
جاء طرح باسيل، الرسمي وغير المعلن بعد، ليكلّل سلسلة قرارات وإجراءات اتّخذتها الدولة اللبنانية للضغط على اللاجئين. بدأت القصة مع منع الأمن العام اللبناني دخول اللاجئين الفلسطينيين من سورية، مروراً بمنع الجهاز نفسه اللاجئين من العودة إلى لبنان قبل قضاء شهر كامل على الأراضي السورية بغض النظر عن المخاطر الأمنية، وصولاً إلى قرار وزير الداخلية نهاد المشنوق، القاضي بفقدان أي سوريّ يدخل الأراضي السورية، صفته كـ"لاجئ"، اعتباراً من الأول من يونيو/ حزيران الحالي، إضافة إلى عشرات ملفات الترحيل والتضييق على مختلف المعابر الحدودية بين البلدين، وممارسة شتّى أنواع الضغوط خلال تقدّم اللاجئين بطلبات تجديد إقامتهم في لبنان.
ولم تعد هذه الممارسات أو المواقف، صادرة عن طرف سياسي واحد يتناول الملف من زاوية عنصرية أو طائفية. باتت معظم الكتل السياسية مشارِكة في هذه القرارات وموافقة عليها. وإن لم تسجّل موافقة فعلية عليها، فهي تكون ضمنية، نتيجة الصمت أو الامتناع عن معارضتها في مجلس الوزراء أو خارجه بما فيه إعلامياً. وإذا كان "التيار الوطني الحرّ"، بزعامة النائب ميشال عون، أول طرف فتح العين العنصرية على هذا الملف من خلال مؤتمرات صحافية ومواد إعلامية، يبدو أنّ الأفرقاء الآخرين من 8 آذار و14 آذار انضمّوا إليه، باعتبار أنّ وزير الداخلية، نهاد المشنوق، عضو في كتلة "المستقبل". أما المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، فمحسوب على "حزب الله". يبدو أنّ الجميع أصبحوا موافقين على سياسة إنهاء ملف اللجوء من سورية، وهو ما يزكّي الحرب الشعبية على اللاجئين، المتمثلة برفع المجالس البلدية لافتات منع تجوّلهم ليلاً أو التضييق الأمني عليهم.
تعدّى الأمر حدّ "الكره" أو "الحقد" الشعبي المناطقي ضد السوريين، وتخطّى أيضاً خطّ القرارات الأمنية، وبات مدرجاً على جدول أعمال السياسيين، أو أنه بدأ يتّضح مصدر تلك النقمة الشعبية والتشديدات الأمنية، لجهة وجود قرار لبناني رسمي يقضي بإنهاء ملف اللجوء، خصوصاً مع ما يترافق من معلومات، منذ ثلاثة أسابيع، تؤكد نية الحكومة اللبنانية وضع "خطة" واضحة لمعالجة هذا الملف وتداعياته، ليوضح ما سُرِّب على لسان باسيل، معالم هذه الخطة. ومن الأفكار التي طُرحت على طاولة النقاش، إقفال الحدود لفترة أسبوعين.
كل هذا يحصل تحت أنظار مندوبي الأمم المتحدة ومسؤولي المفوضية الخاصة باللاجئين في بيروت. لا بل إنّ هؤلاء دعموا قرار وزير الداخلية لما يساعد في خفض التكاليف المالية على المفوضية. ليبقى التعويل فقط على مدى استجابة الدول الداعمة لطلب باسيل، والحكومة اللبنانية، في وقف الدعم والتمويل، حتى يحاصر اللاجئون أكثر، ويدفعوا إلى الخيار بين أمرين: العودة إلى أرض الموت أو البقاء على الحياة في أرض لا قدرة لهم على الحياة فيها.