12 نوفمبر 2024
لبنان دولة فاشلة
عدم نجاح رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، حتى الآن في تشكيل حكومة جديدة في لبنان، بعد مضي أكثر من ستة أسابيع على تكليفه بالمهمة، بمثابة واحدٍ من بين مؤشرات كثيرة أخرى، تدل على الفشل المزمن الذي يعانيه أداء الدولة اللبنانية، بجميع مؤسساتها، في إدارة شؤونها ورعاية حياة مواطنيها.
تتوزع أسباب التأخير في عملية التأليف بين معوقاتٍ تعود إلى صراع القوى السياسية اللبنانية على حصصها في التمثيل الحكومي، ومعوقات خارجية تعود إلى صراع النفوذ في لبنان بين المحور الذي تتزعمه السعودية والمحور الشيعي الذي تتزعمه إيران، على هوية الحكومة اللبنانية الجديدة وتوجهاتها. وتختلف في لبنان روايات أسباب تعطيل التأليف باختلاف الجهة السياسية، التي تحمّل كل واحدة منها الطرف الآخر مسؤولية التعطيل، بينما تلعب وسائل الإعلام اللبنانية، سيما المرئية منها، دور المحرّض ضد جهة أخرى، أو المدافع عن جهة أخرى، بحسب مصادر تمويلها، ما يزيد في بلبلة الرأي العام.
ثمّة أمر مؤكد، يجمع عليه كل الأطراف، أن لبنان يمر في أزمة اقتصادية خانقة، وأن التأخير في تأليف حكومة يفاقمها، ويضاعف شعور المواطن اللبناني العادي بأنه يعيش في بلد مأزوم، تحكمه زعامة سياسية فاشلة.
يشعر المواطن اللبناني الذي كما كتب عنه الزميل عقل العويط يعيش "عيشة كلاب ويموت ميتة الكلاب، في جمهورية المواطنين- الكلاب"، بخيبة أمل كبيرة، بعد أن تبدّدت جميع الآمال التي عقدها على أن الانتخابات النيابية أخيرا، بغض النظر عن الرابح والخاسر فيها، يمكن أن تشكل انطلاقة جديدة للعهد، برئاسة ميشال عون. ويبدو أنه كلما طالت مدة تشكيل الحكومة، وتزايدت العقبات أمامها، اتضح أكثر فأكثر أن الدولة اللبنانية، بتركيبتها الطائفية، والصراعات
بين مختلف أطرافها على السيطرة على مراكز القوة ونظام المحاصصة والمحسوبيات والفساد المستشري وثقافة المال، كل ذلك يجعلها عاجزةً عن أداء وظيفتها في إدارة شؤون الناس، وعن طرح سياسة اقتصادية إنقاذية، كي لا نتحدث عن موضوعاتٍ أكثر تعقيداً وخلافية، مثل الاستراتيجيا الدفاعية والسياسة الخارجية للبلد.
صحيح أن الوضع الإجمالي في لبنان قد يبدو أفضل مما هو عليه مثلا في سورية المجاورة التي تخرج مدماة من حرب أهلية مدمرة، لكن لبنان دفع هو أيضاَ ثمن هذه الحرب، لا سيما الثمن الاقتصادي، من خلال وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في أراضيه، وانعكاسات ذلك على اقتصاده الهشّ، وبناه التحتية المنهكة، وسوق العمل فيه.
يعيش المواطن اللبناني يومياً كابوس غلاء المعيشة الفاحش، وتقلص فرص العمل أمام الشباب. أغلقت مؤسسات صحافية وتربوية ابوابها وسرّحت موظفيها، وتعاني شركات ومؤسسات كثيرة من التعثر المالي، وتلاقي صعوبة في تسديد رواتب موظفيها. يعاني السوق العقاري من جمود كبير، ويجري الحديث همساً عن احتمال انهياره، جراء قرار الدولة وقف تقديم القروض السكنية للمواطنين. ويذكر الخبيران ناصر الصعيدي ويوسف خليل أن الديْن العام اللبناني تخطّى نسبة 157% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن لبنان في المرتبة الثالثة بين الدول الأكثر مديونية في العالم بعد اليابان واليونان. وتستنفد خدمة الدين العام فيه 50% من مجموع الإيرادات، ما يجعل الميزانية غير قادرة على تحمل مزيد من الأعباء. ونحو 65% من ميزانية المصارف ديون على الدولة ومصرف لبنان الذي تقدّر ديونه للمصارف بما يقارب 65 مليار دولار.
ربما لهذا السبب، أكثر حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، من إطلالاته الإعلامية ليطمئن الناس، خصوصا لناحية ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية، وليبدد المخاوف من إمكانية انهيار السوق العقاري. لكن ذلك كله لا يعدو أن يكون من قبيل المهدئات المؤقتة التي لا تبدّد مخاوف اللبنانيين وقلقهم، عندما ينظرون إلى واقع حياتهم اليومية، وإلى تعقد مسار تأليف الحكومة.
يبدو اليوم أكثر فأكثر أن التركيبة السياسية في لبنان القائمة على التقاسم والمحاصصة الطائفية، وتفتقر إلى رؤية سياسية اجتماعية اقتصادية شاملة، لم تعد تتلاءم مع مشكلات الحياة السياسية المعاصرة، وما تفرضه من تحديات اقتصادية واجتماعية. ومن المبالغة القول إن الإسراع في تشكل الحكومة اللبنانية سيقدم حلولاً للمشكلات التي ورد ذكرها، لكنه على الأقل يخفّف قليلاً من الإحساس بالاختناق.
الثمن الأكبر للأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان يدفعه اليوم شبان لبنان وشاباته. وفي وسع هؤلاء إذا نجحوا في التحرّر من انتماءاتهم الطائفية إيجاد دينامية جديدة لتغيير الوضع، يمكن أن تشكل بداية مسار طويل ومؤلم، للخروج من الاخفاق المزمن الذي تعانيه الدولة اللبنانية.
تتوزع أسباب التأخير في عملية التأليف بين معوقاتٍ تعود إلى صراع القوى السياسية اللبنانية على حصصها في التمثيل الحكومي، ومعوقات خارجية تعود إلى صراع النفوذ في لبنان بين المحور الذي تتزعمه السعودية والمحور الشيعي الذي تتزعمه إيران، على هوية الحكومة اللبنانية الجديدة وتوجهاتها. وتختلف في لبنان روايات أسباب تعطيل التأليف باختلاف الجهة السياسية، التي تحمّل كل واحدة منها الطرف الآخر مسؤولية التعطيل، بينما تلعب وسائل الإعلام اللبنانية، سيما المرئية منها، دور المحرّض ضد جهة أخرى، أو المدافع عن جهة أخرى، بحسب مصادر تمويلها، ما يزيد في بلبلة الرأي العام.
ثمّة أمر مؤكد، يجمع عليه كل الأطراف، أن لبنان يمر في أزمة اقتصادية خانقة، وأن التأخير في تأليف حكومة يفاقمها، ويضاعف شعور المواطن اللبناني العادي بأنه يعيش في بلد مأزوم، تحكمه زعامة سياسية فاشلة.
يشعر المواطن اللبناني الذي كما كتب عنه الزميل عقل العويط يعيش "عيشة كلاب ويموت ميتة الكلاب، في جمهورية المواطنين- الكلاب"، بخيبة أمل كبيرة، بعد أن تبدّدت جميع الآمال التي عقدها على أن الانتخابات النيابية أخيرا، بغض النظر عن الرابح والخاسر فيها، يمكن أن تشكل انطلاقة جديدة للعهد، برئاسة ميشال عون. ويبدو أنه كلما طالت مدة تشكيل الحكومة، وتزايدت العقبات أمامها، اتضح أكثر فأكثر أن الدولة اللبنانية، بتركيبتها الطائفية، والصراعات
صحيح أن الوضع الإجمالي في لبنان قد يبدو أفضل مما هو عليه مثلا في سورية المجاورة التي تخرج مدماة من حرب أهلية مدمرة، لكن لبنان دفع هو أيضاَ ثمن هذه الحرب، لا سيما الثمن الاقتصادي، من خلال وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في أراضيه، وانعكاسات ذلك على اقتصاده الهشّ، وبناه التحتية المنهكة، وسوق العمل فيه.
يعيش المواطن اللبناني يومياً كابوس غلاء المعيشة الفاحش، وتقلص فرص العمل أمام الشباب. أغلقت مؤسسات صحافية وتربوية ابوابها وسرّحت موظفيها، وتعاني شركات ومؤسسات كثيرة من التعثر المالي، وتلاقي صعوبة في تسديد رواتب موظفيها. يعاني السوق العقاري من جمود كبير، ويجري الحديث همساً عن احتمال انهياره، جراء قرار الدولة وقف تقديم القروض السكنية للمواطنين. ويذكر الخبيران ناصر الصعيدي ويوسف خليل أن الديْن العام اللبناني تخطّى نسبة 157% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن لبنان في المرتبة الثالثة بين الدول الأكثر مديونية في العالم بعد اليابان واليونان. وتستنفد خدمة الدين العام فيه 50% من مجموع الإيرادات، ما يجعل الميزانية غير قادرة على تحمل مزيد من الأعباء. ونحو 65% من ميزانية المصارف ديون على الدولة ومصرف لبنان الذي تقدّر ديونه للمصارف بما يقارب 65 مليار دولار.
ربما لهذا السبب، أكثر حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، من إطلالاته الإعلامية ليطمئن الناس، خصوصا لناحية ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية، وليبدد المخاوف من إمكانية انهيار السوق العقاري. لكن ذلك كله لا يعدو أن يكون من قبيل المهدئات المؤقتة التي لا تبدّد مخاوف اللبنانيين وقلقهم، عندما ينظرون إلى واقع حياتهم اليومية، وإلى تعقد مسار تأليف الحكومة.
يبدو اليوم أكثر فأكثر أن التركيبة السياسية في لبنان القائمة على التقاسم والمحاصصة الطائفية، وتفتقر إلى رؤية سياسية اجتماعية اقتصادية شاملة، لم تعد تتلاءم مع مشكلات الحياة السياسية المعاصرة، وما تفرضه من تحديات اقتصادية واجتماعية. ومن المبالغة القول إن الإسراع في تشكل الحكومة اللبنانية سيقدم حلولاً للمشكلات التي ورد ذكرها، لكنه على الأقل يخفّف قليلاً من الإحساس بالاختناق.
الثمن الأكبر للأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان يدفعه اليوم شبان لبنان وشاباته. وفي وسع هؤلاء إذا نجحوا في التحرّر من انتماءاتهم الطائفية إيجاد دينامية جديدة لتغيير الوضع، يمكن أن تشكل بداية مسار طويل ومؤلم، للخروج من الاخفاق المزمن الذي تعانيه الدولة اللبنانية.
دلالات
مقالات أخرى
20 أكتوبر 2024
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024