لبنان: حماسة عنصريّة ضدّ السوريين تكشف الوقائع زيفها

29 يونيو 2016
انتشار كثيف للقوى الأمنية اللبنانية في القاع ومحيطها(فرانس برس)
+ الخط -
ليس واضحاً ما إذا كان إعلان وزير الداخليّة اللبناني، نهاد المشنوق، أن الانتحاريين الذين استهدفوا بلدة القاع الحدوديّة أتوا من الداخل السوري وليس من مخيمات اللجوء، سيمتصّ بعضاً من الحماسة "العنصريّة" التي سيطرت على كثير من الأدبيات السياسيّة والإعلاميّة والشعبية في لبنان.

فبعد أقلّ من ساعةٍ على الموجة الثانيّة من الهجمات الانتحاريّة التي طاولت بلدة القاع، أصدر محافظ بعلبك ــ الهرمل، بشير خضر، قراراً بمنع تجوّل اللاجئين السوريين في القاع ومشاريع القاع ورأس بعلبك، لمدة لم يُحددها. وطالب خضر أن لا يتحدث أحدٌ معه بحقوق الإنسان، لأن القضية تطاول الأمن القومي اللبناني.

في السياق عينه، أعلن وزير العمل، سجعان قزي، قبل الجلسة الحكوميّة أن الوقت "ليس لبحث تنظيم إقامة النازحين في المخيمات بل بإعادتهم الى أرضهم وضبط انتشارهم العشوائي". وسبق لقزي أن حدد مجالات عمل السوريين في لبنان بثلاثة قطاعات وهي الزراعة والبناء والتنظيفات.

وقبل هذه الهجمات بأيّام قليلة، اعتبر وزير الخارجيّة اللبنانيّ، رئيس "التيار الوطني الحر"، جبران باسيل، أن الدولة والحكومة عجزت عن معالجة ملف اللاجئين، وقال في كلمته، خلال مؤتمر للتيار: "إنه ممنوع ألّا تمرّ في بلدة من بلدياتنا الشرطة البلدية، مهما كان عديدها، على تجمع للنازحين وتقوم بعملية تفتيش". وأضاف باسيل على لائحة ممنوعاته البلدية، وجود "مخيمات وتجمعات للنازحين السوريين داخل بلداتنا ومسموح للنازح أن يعمل، ولكن دون أن يأخذ من أمام اللبناني فرص العمل ومن غير المسموح لأي بلدية يكون القرار فيها للتيار الوطني الحر أن يفتح نازح سوري أي محل تجاري ويأخذ لقمة عيش اللبناني".

هذا الخطاب ليس بجديدٍ. لكن باسيل كان سباقاً، في هذا الخطاب العنصري. هو حمّل اللاجئين السوريين كل مشكلات البلد. حمّلهم تبعات انقطاع الكهرباء، وهو أمر يحصل منذ قبل الثورة السورية، وأزمة المياه والبنى التحتية. ولم يذكر باسيل يوماً، فوائد وجود اللاجئين على الاقتصاد اللبناني، على الرغم من أنه يعرف تماماً، قيمة المبالغ من العملات الأجنبيّة التي تدخل إلى لبنان سنوياً، لإغاثة اللاجئين.

بعد هجمات الأمس، ارتفعت الأصوات المطالبة بضبط أماكن تواجد اللاجئين السوريين. وأعلن الجيش اللبناني عن توقيف 227 لاجئاً بتهمة الدخول إلى لبنان بطريقة غير شرعيّة. في الأصل، من يُتابع بيانات الأجهزة الأمنيّة، يُدرك أنها توقف، يومياً، ما لا يقلّ عن عشرة سوريين، بتهمٍ مختلفة. ثم يُعلن وزير الداخليّة أن الانتحاريين أتوا من خارج لبنان.


هذا الأمر يفتح النقاش مجدداً، على الأسباب التي منعت من إنشاء مخيّمات رسميّة للاجئين السوريين، بدل انتشارهم في مئات نقاط التجمّع أو المخيمات غير الرسميّة. ففي لبنان يتواجد مليون و48 ألف لاجئ، بحسب أرقام مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لكن الأرقام اللبنانيّة تُشير إلى أن العدد يصل إلى مليون ونصف مليون لاجئ. من منع إقامة مخيمات للاجئين السوريين إذاً؟ لاسيما أن هذه المخيمات، أثبتت أنها الأفضل إن لناحية تأمين الحد الأدنى من الخدمات للاجئين، أو الأمان للدول المضيفة، بحسب التجربة التركيّة والأردنيّة. بالعودة إلى الأرشيف، يظهر أن وزراء ونواب "التيار الوطني الحرّ" هم أكثر من رفض فكرة إقامة المخيمات، كما واجهها ووقف خلفهم سياسيو فريق "الثامن من آذار". وسبق لباسيل أن قال: "سيتحول داخل المخيمات إلى مراكز تسليح ومراكز تشكل مخابئ لأناس مطلوبين أو حالات لا تمت إلى الشق الإنساني بصلة".

يتصاعد هذا الخطاب العنصري تدريجياً في لبنان، ولا يجد من يقف في وجهه من السلطة السياسيّة، لا بل يجد حاضنة له تماماً، مثلما يجد السلاح المتفلت حاضنة له. فهذه ليست المرة الأولى التي يُتهم السوريون فيها أنهم "أصل البلاء في لبنان"، علماً أن الوقائع تقول عكس ذلك. فمعظم التفجيرات الانتحاريّة التي طاولت لبنان، منذ عام 2013، حتى اليوم، نُفذت بأيادي لبنانيين. التفجيرات التي يتحمّل السوريون مسؤوليتها قليلة. تفجيرات الأمس، وقبلها تفجيرات برج البراجنة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، إضافة إلى أحد تفجيري الهرمل. فيما بقي تفجيران آخران لم تُحدد هوية المنفذين. أما تفجير السفارة الإيرانية (19 نوفمبر/تشرين الثاني 2013)، فنفذه لبناني وفلسطيني، وتفجير مسجدي التقوى والسلام (23 أغسطس/آب 2013)، واستهداف المستشارية الإيرانية (19 فبراير/شباط 2014) وعدد من التفجيرات الأخرى يتحمّل مسؤوليتها لبنانيّون.

كما أنه لم يكن هناك لاجئون سوريون في لبنان عندما ضربت موجة التفجيرات والاغتيالات البلد بين عام 2005 و2011.

وتجدر الإشارة، إلى أن إحصاءات قوى الأمن الداخلي، تُشير إلى أن الجرائم ارتكبها لبناني بحق سوري ارتفعت من 2 في المائة عام 2011، إلى 9 في المائة عام 2014، فيما انخفضت نسبة الجرائم التي ارتكبها سوري بحق لبناني من 6 في المائة عام 2011 إلى 5 في المائة عام 2014. الأرقام تختصر الصورة أحياناً.