لبنان .. حكاية فلاحين بورجوازيين

17 مايو 2014

عون وجعجع معاً في مطار بيروت مايو 2008 (أ.ف.ب)

+ الخط -
ترسم الانتخابات الرئاسية اللبنانية واقعاً، لم يخرج منه القادة المسيحيون بعد، يختلط فيه الدين بالإقطاعية المالية والعائلية والبروليتاريا الشعبية والطلابية. وما يجري حالياً، من صراع علني وسرّي، معطوفاً على تأجيلات مستمرّة لانتخاب الرئيس الـ13 للبلاد، ليس سوى محطة من محطات التغيير الكبير، الذي طرأ على الواقع المسيحي منذ عام 1986.

في ذلك العام، وفي ضجيج الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وبفعل عوامل عسكرية وسياسية، آلت القيادة المسيحية في جبل لبنان إلى الثلاثي: أمين الجميل، ميشال عون، سمير جعجع. وبعد 28 عاماً، لا يزال الشارع يناصرهم، وإن تقدّم عون وجعجع على الجميّل، بأشواط، لكن الأخير مستمرّ في لعب دوره لاعتبارات "عائلية".

أما عون وجعجع، فيُعتبران ثنائياً صاعداً من العائلات المسيحية الفقيرة، ولن يتخليا عن فكرة استمرارهما في موقعيهما. فهما الفلاحان اللذان لم ينعما بالراحة، التي تميّزت بها البورجوازية المارونية. لم ينضويا تحت راية الأحزاب اليسارية، التي شكّلت مهرباً لرافضي تلك البورجوازية، بل حملا حقدهما على طبقة زجّت بهما في أتون الحرب اللبنانية، وانتظرا اللحظة السانحة، كلٌّ من موقعه، للانقضاض عليها. نجحا في ذلك، عسكرياً وسياسياً، قبل أن يصلا إلى "القمّة"، التي من المفترض أن تتوّج صعودهما.

وصلا الى "القمّة"، والعين على رئاسة الجمهورية. لن يصنعها لهما أحد في الداخل، بل هما من يسعى إليها، وحين رُفع شعار "المسيحي القوي إلى بعبدا"، انبريا إلى الظهور بمظهر "القوي". كل شيء كان "نموذجياً"، فقد جاءا من خلفيةٍ عسكرية كانت موالية لهما أيام الحرب الأهلية اللبنانية، عون قائداً للجيش اللبناني، وجعجع قائداً لميليشيا "القوات اللبنانية"، واستمرّت سياسياً، عون رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية، وجعجع ثانيها.

لكن، لتلك "القوة" مرادف آخر. هي "القوة" التي ترافق كل شخصٍ "يصعد" من أدنى الطبقات إلى أعلاها، ثم يعود ويتصرّف، كما يفعل أسياد تلك الطبقات. فعون وجعجع، الريفيان النازحان إلى ضواحي بيروت الفقيرة، لن يرغبا في العودة إلى الخلف أبداً، إلى حيث الفقر السياسي. لذلك، يشتدّ الصراع السياسي بينهما، مع تبيان تقاطع مصالح كبير بينهما: لا لآل الجميّل أو غيره من العائلات المسيحية الغابرة. لكنهما انغمسا في تطوير تقدّمهما، بصورة أكثر بورجوازية. لقد أصبحا تماماً مثل من كانا يقاتلانهم. مع ذلك، ما تزال القواعد تؤيدهما، ربما لعدم جهوزية الأرضية المسيحية لبروز زعماء جدد، وربما لانعدام وجود مثل هؤلاء.

ومع إثباتهما قدرتهما على الإمساك بالنسبة الأكبر من الشارع اللبناني المسيحي، لم يعد أمامهما سوى كرسي الرئاسة، لتتويج وصول "فلاح" إلى القصر الرئاسي، وهو ما جعلهما في مكان ما في حيرة. فهي المرة الأولى التي قد يكون أحدهما، في حال انتخابه رئيساً، في موقع "الأول" رسمياً، أي المتقدم على سواه، أي، الذي يزور ولا يُزار، أما الآخر، فعليه تقبّل الفكرة، والعيش معها على أمل المحاولة في الانتخابات الرئاسية التالية في 2020، مبدئياً.

ويبقى أهم ما يُمكن تبيانه في مسار عون وجعجع أن رحلة الصعود من أدنى الطبقات إلى أعلاها، لم تنته بعد بالنسبة إليهما.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".