وفي حين تولّت وسائل الإعلام المحلية إهداء إنجاز التفاهم بين الرئاستين الأولى والثانية إلى القوى السياسية الرسمية والحزبية القريبة منهما، انتهت نتيجة الجهود إلى تحديد عنوانين للحل، هما: وقف الحملات الإعلامية المُتبادلة بين "التيار الوطني الحر" (يرأسه باسيل) و"حركة أمل" (يرأسها بري)، وتحديد لقاء بين رئيس الجمهورية وبري يوم الثلاثاء المُقبل. وهو اللقاء الأول بين الرجلين منذ بداية الأزمة السياسية بينهما قبل أشهر على خلفية توقيع عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، على مرسوم منح الأقدمية لضباط إحدى الدورات العسكرية، رغم اعتراض بري على هذه الخطوة تحت عنوان "مخالفة الدستور في عدم توقيع وزير المال (علي حسن خليل وهو مستشار بري) على المرسوم".
وقد استبق بري اللقاء، بتحييد الاستقرار العام وموعد الانتخابات النيابية ومشاركته في حفل توقيع اتفاقات النفط في التاسع من الشهر الحالي عن الخلاف المستجد، مع تأكيده على بقاء موقفه من الملفات الخلافية مع عون على حاله لا سيما في ملف المرسوم. وبالتزامن مع هذه الأزمة التي أضافها عون وبري إلى قائمة خلافاتهما السياسية الدائمة، كان صهر عون، باسيل يخوض معاركه السياسية الشخصية مع بري أيضاً.
واظب باسيل منذ توليه وزارة الخارجية للمرة الأولى عام 2014 على عقد مؤتمرات تحت عنوان "الطاقة الاغترابية" لتعزيز تواصل اللبنانيين المُهاجرين والمُتحدرين من أصل لبناني مع بلدهم الأم. ونجح في تحويل طرح إعطاء المُغتربين الحق في التصويت خلال الانتخابات النيابية المُقبلة المُقررة في مايو/أيار المُقبل إلى جزء من مشروع القانون الهجين الذي تم إقراره أخيراً. ومع اقتراب موعد التصويت أُضيف عنوان "الدعاية الانتخابية" إلى قائمة أهداف المؤتمرات الاغترابية، ونتيجة الحساسية الكبيرة بين بري وبين باسيل انتقل صراع الرجلين إلى غرب القارة الأفريقية، وتحديداً إلى ساحل العاج التي يقيم فيها "لوبي" لبناني كبير يجمع في مكوناته الطائفية والسياسية مؤيدين لحركة أمل وللوطني الحر، والتي تستضيف نهاية الأسبوع الحالي مؤتمر الطاقة الاغترابية بنسخته الأخيرة، لكن من دون مشاركة باسيل شخصياً، وهو ما قد يشير إلى بادرة "حسن نية" أو تهدئة من قبل الأخير لعدم الإقدام على المزيد من الاستفزاز ضد برّي.
حضر المؤتمر في تسريبات باسيل التي وصف فيها محاولة بري "منع المُغتربين الشيعة من المشاركة فيه"، و"تهديدهم في أعمالهم وفي عودتهم إلى لبنان"، و"التهديد بمقاطعة المصارف التي ستساهم في تمويل المؤتمر" بـ"البلطجة". فرّد أنصار بري من خلال اقتحام القنصلية اللبنانية في ساحل العاج، والإعلان عن رفض استقبال باسيل. لكن الأخير أصّر على موعد المؤتمر وعلى برنامجه، وأصدرت وزارة الخارجية بياناً أكدت فيه استمرار التحضيرات والطلب إلى السلطات العاجية تأمين الحماية للوفد اللبناني. أُضيف هذا الإصرار إلى سلة المكاسب السياسية والطائفية التي حققها باسيل خلال الأيام الماضية مع رفضه الاعتذار عن التسريبات وعدم إلغاء مؤتمر ساحل العاج. في المقابل سُجّل لبري إرسال اشارة واضحة لباسيل من خلال احتشاد أنصاره أمام المقر الرئيسي لـ"التيار الوطني الحر"، وإصدار "حزب الله" بياناً رفض فيه الإساءة لبري. وتقاسم الرجلان اعتبار جهد رئيس الجمهورية في احتواء الأزمة يصب في مصالحهما الخاصة. أدى رئيس الجمهورية دور الوسيط والراعي، وأصدر بعد يومين على التسريبات بياناً "سامح فيه كل من أساء له ولعائلته على خلفية الأزمة" وذلك بعد شتم مئات الناشطين من أنصار "أمل" له ولوزير الخارجية نتيجة زواج باسيل من ابنة عون.
عرقلة الحكومة المُقبلة
وفي حال أسفر لقاء عون ببري يوم الثلاثاء المُقبل، بعد اجتماع "المجلس الأعلى للدفاع" والمُخصص لبحث التهديدات الإسرائيلية للبنان، عن نتائج ايجابية، فإن التقديرات تشير إلى أن الخلاف بين "الوطني الحر" و"أمل" سينتقل إلى مرحلة ما بعد الانتخابات (مايو/أيار المقبل). ومع وجود تفاهمات مبدئية بين "الوطني الحر" و"تيار المستقبل" من جهة، وبين "حزب الله" و"حركة أمل" من جهة ثانية، فإن العملية السياسية تبدو مُتعثرة بعد انتهاء الانتخابات. وقد تتحول عملية تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات إلى أزمة سياسية سيزيد الجو الطائفي الذي عادةً ما يواكب الانتخابات من حدتها. وعلاقة بري برئيس الحكومة الحالي والمرشح شبه الوحيد لتشكيل الحكومة الثانية في عهد عون، سعد الحريري، ليست على ما يرام. وذلك بسبب رفض بري للتسوية السياسية التي خاض فيها عون والحريري، وأدت لانتخاب الأول رئيسا وعودة الثاني إلى رئاسة الحكومة. وهو ما يعكس أزمة شكل النظام الطائفي في لبنان، والتي تبرز عند تولي شخصيات سياسية قوية لمراكز السلطة في البلد، والتي تُعطي الموارنة منصب رئاسة الجمهورية والشيعة منصب رئاسة البرلمان والسنة منصب رئاسة الحكومة. ومع التزام هذه القوى بإجراء الانتخابات النيابية وبالحفاظ على الاستقرار السياسي مقابل الاستفادة من الدعم الدولي خلال المؤتمرات القادمة التي تستضيفها عواصم أوروبية لدعم لبنان اقتصاديا وتنمويا وعسكرياً، ومع ارتفاع سقف التهديدات الإسرائيلية للبنان، تصبح العوامل الخارجية أكثر فعالية في حماية العملية السياسية. وقد أثبت جمهور "الوطني الحر" و"أمل" خلال الأزمة الأخيرة أن خيار العنف في الشارع ليس مُستبعداً، وأنه - وكما كانت الحال في تسريبات الوزير باسيل - فإن الخطاب الطائفي لا يزال أقوى من خطاب التهدئة.