لبنان: تظاهرات تطالب برحيل السلطة بالتزامن مع "اللقاء الوطني" في بعبدا

25 يونيو 2020
طغى على لقاء بعبدا اللون السياسي الواحد(حسين بيضون)
+ الخط -
على وقعِ تحرّك المتظاهرين على طريق قصر بعبدا، مقرّ رئاسة الجمهورية اللبنانية، اليوم الخميس، ودعوتهم إلى رحيل السلطة السياسية الحاكمة، انعقد "اللقاء الوطني" برئاسة الرئيس ميشال عون الذي كان يأمل أن "يضمّ جميع الأطراف والقوى السياسية، لأن السلم الأهلي خط أحمر، والمفترض أن تلتقي جميع الإرادات لتحصينه فهو مسؤولية الجميع". 

ودعا المتظاهرون إلى استقالة الرئيس عون ورئيس الحكومة حسان دياب وتغيير المنظومة السياسية التي أودت بالبلد إلى الانهيار الاقتصادي والمعيشي، ولا تزال تعجز عن إيجاد أي مخرج للأزمة التي ارتفعت حدّتها بشكل لم يشهد له لبنان أي مثيل في تاريخه، ولا سيما على الصعيد النقدي، مع تجاوز سعر صرف الدولار عتبة سبعة آلاف ليرة لبنانية وتداعياته الكارثية على المواطنين، من انعدام قدرة شرائية إلى غلاء فاحش وفوضى في أسعار السلع والمواد الغذائية.

ورفع الناشطون أعلاماً لبنانية ولافتات تعبّر عن مطالبهم في رحيل الطبقة السياسية والإتيان بأصحاب الكفاءة والاختصاص القادرين على انتشال البلد من أزماته.

ونفذ عددٌ من الصحافيين والناشطين وقفة تضامنية في بيروت، استنكاراً للاعتداء المستمرّ من قبل الأجهزة الأمنية على الصحافيين والمتظاهرين السلميين، والذي شهدته تحرّكات، أمس الأربعاء، في العاصمة بيروت خلال اعتصام اعتراضاً على ارتفاع سعر صرف الدولار. وهي واقعة دائماً تتكرر في الاعتصامات، وتصل في كثير من الأحيان إلى التوقيف والاستدعاء كنوع من القمع الذي تمارسه السلطتان السياسية والأمنية ضد حرية الرأي والتعبير والتظاهر، والذي تندد به المنظمات المحلية والدولية.

كذلك، شهد محيط قصر العدل في بيروت اعتصاماً، اعتراضاً على التوقيفات التي تطاول المتظاهرين، وكانت دعوة للإفراج عن الناشطين الذين أوقفتهم الأجهزة الأمنية خلال التحركات الشعبية المطلبية.

سياسياً، لم ينجح مسعى الرئيس ميشال عون وفريقه، ولا سيما رئيس البرلمان نبيه بري الذي قاد المناقشات واللقاءات حتى يكون الحوار جامعاً، وذلك بعد رفض القوى السياسية التي تصنّف نفسها معارضة لعهد عون، وفي مقدمتها رئيس الوزراء السابق سعد الحريري تلبية الدعوة، ليطغى على لقاء اليوم اللون السياسي الواحد، وهو ما يُعرف بقوى "الثامن من آذار"، باستثناء خرقٍ أحدثه رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، وهو ينتمي إلى فريق "قوى الرابع عشر من آذار" ممثلاً بنجله رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب تيمور جنبلاط، بعد اعتذار الأول عن عدم المشاركة لأسباب صحية. وهذا المشهد يمكن وصفه وكأن "العهد يحاور نفسه".


عون: لامسنا الحرب الأهلية
وقال عون إنّ "اللقاء الوطني اليوم يحمل عنواناً واحداً، وهو حماية الاستقرار والسلم الأهلي، خصوصاً في ظلّ التطورات الأخيرة، وما جرى في الشارع يجب أن يكون إنذاراً لنا جميعاً للتنبّه من الأخطار الأمنية التي قرعت أبواب الفتنة من باب المطالب الاجتماعية".

وأضاف: "هناك من يستغلّ غضب الناس ومطالبهم المشروعة من أجل توليد العنف والفوضى لتحقيق أجندات خارجية مشبوهة بالتقاطع مع مكاسب سياسية لأطراف في الداخل".
وأشار الرئيس اللبناني إلى "أننا لامسنا أجواء الحرب الأهلية بشكل مقلقٍ وأطلقت بطريقة مشبوهة تحركات مشبعة بالنعرات الطائفية والمذهبية وتجييش العواطف وإبراز العنف والتعدّي على الأملاك العامة والخاصة وتحقير الأديان والشتم كحق مشروع للمرتكبين".

وقال أيضاً إنّ "وطننا يمرّ بأسوأ أزمة مالية واقتصادية، ويعيش شعبنا معاناة يومية خوفاً على جنى أعمارهم وقلقاً على المستقبل ويأساً من فقدان وظائفهم ولقمة العيش الكريم. وليس أي إنقاذ ممكناً إن ظلّ البعض مستسهلاً العبث بالأمن والشارع وتجييش العواطف الطائفية والمذهبية ووضع العصي في الدواليب والتناغم مع بعض الأطراف الخارجية الساعية إلى جعل لبنان ساحة لتصفية الحسابات وتحقيق المكاسب عبر تجويع الناس وترويعهم وخنقهم اقتصادياً".

وتابع: "إذا اعتقدنا أن الانهيار يستثني أحداً، فنحن مخطئون، أو الجوع والبطالة لهما لون طائفي أو سياسي فنحن واهمون، أو العنف في الشارع هو مجرد خيوط نحركها ساعة نشاء ونوقف حركتها بإرادتنا، فنحن غافلون عن دروس الماضي القريب كما عن دروس المنطقة والجوار"، لافتاً إلى أن "أمام التحديات المصيرية التي يعيشها لبنان، وفي ظل الغليان الإقليمي والأمواج العاتية التي تضرب شواطئنا، والمخاطر التي قد تنشأ عمّا يعرف بقانون قيصر، فإن الوحدة حول الخيارات المصيرية ضرورة، وما هدفنا اليوم من هذا الاجتماع إلا تعزيز هذه الوحدة ومنع الانفلات".


وختم الرئيس اللبناني قائلاً: "نعم، إن الاختلاف في الرأي حق إنساني، ومحفِّز فكري، ولكن علينا أن نكون يداً واحدة في مواجهة الفتنة وتحصين السلم الأهلي كي لا ندخل في نفق لا خروج منه. هذا هو الخط الأحمر الحقيقي الذي لن يكون هناك أي تساهل مع من يحاول تجاوزه".

دياب: البلد ليس بخير
من جهته، قال رئيس الحكومة حسان دياب: "البلد ليس بخير. كيف يمكن أن يكون الوطن بخير وهناك مواطن يجوع؟! نعم. هذا توصيف للواقع المزمن، ولكن العلاج هو مسؤولية وطنية، ليس فقط مسؤولية حكومة جاءت على أنقاض الأزمة". وأضاف: "نحن نمرّ في مرحلة مصيرية من تاريخ لبنان، وهي تحتاج منّا إلى تضافر الجهود، وتقديم مصلحة البلد، وتعويم منطق الدولة، كي نتمكّن من تخفيف حجم الأضرار التي قد تكون كارثية".

ودعا دياب إلى "أن يكون هذا اللقاء بداية عمل وطني واسع، تنبثق منه لجنة تتابع الاتصالات تحت قبة المجلس النيابي مع جميع القوى السياسية والحراك المطلبي وهيئات المجتمع المدني، على أن ترفع توصيات إلى هذا اللقاء مجدداً برعاية فخامة رئيس الجمهورية".

سجال سياسي

إلى ذلك، شهدت الجلسة سجالاً بين رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" التابعة لـ"حزب الله" النائب محمد رعد ورئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، الذي دعا في مستهلّ الحوار إلى تأجيل اللقاء بغية تأمين حضور القوى السياسية كافة لإيجاد حل للأزمات التي يعاني منها لبنان وضرورة أن تطرح جميع المواقف ووجهات النظر على الطاولة لمناقشتها من دون أن يفرضَ أي فريق رأيه على الآخر. وعند حديث سليمان عن سلاح "حزب الله" وضرورة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، ولا سيما في سورية، للحفاظ على السيادة اللبنانية والسلم الأهلي موضوع الحوار اليوم، اعترض النائب رعد وحصل جدال بين الطرفين.
بدوره، قدّم النائب تيمور جنبلاط باسم "الحزب التقدمي الاشتراكي" و"اللقاء الديمقراطي" مذكرة شبيهة بتلك التي قدمها في اجتماع بعبدا المالي في السادس من مايو/ أيار الماضي، وأبرز بنودها الحفاظ على اتفاق الطائف، ووحدة لبنان، والمحافظة على علاقات الدولة اللبنانية مع محيطها العربي والدولي، واضعاً رؤيته في إطار الملفات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتضامن القوى السياسية كافة للخروج من أزمة لبنان.

رسائل إلى مقاطعي الحوار
أما رئيس "تكتل لبنان القوي" الذي يرأسه النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية، فتوجه بكلمةٍ تطرّق فيها إلى مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي، وأرقام الخسائر التي اختلفت بين الحكومة والمصرف المركزي، ووجه رسائل إلى مقاطعي الحوار اليوم.
وقال باسيل: "الجوع والفتنة خطران متلازمان، لأنّ هناك من يستعمل حاجة المواطنين سبيلاً للفتنة، ومن يستعمل تهاوي سعر الصرف وسيلة للتجويع، وهي الحرب المالية التي نتكلّم عنها: هناك من يقودها لتفشيل الحكومة والعهد وإسقاط الدولة، وحلّ مشكلة الدولار مسؤوليّة المصرف المركزي، وليس هكذا يكون التعاطي".
وفي موضوع "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين"، قال باسيل إن "القانون يؤدّي إلى عزلنا عن شرقنا ونحن عرب وشرقيون ومشرقيون، وهذا لن يتحقّق لأنّنا لا نريده، بل قد تأتي نتائجه عكسيّة، لأنّه سيدفعنا إلى إدارة ظهرنا للغرب، ونحن توافقنا منذ البداية وفي الطائف على إبقاء وجهنا باتجاه الغرب فيما نحن مزروعون بالشرق، وهذا ما نريد البقاء عليه".


البيان الختامي

وصدر في ختام اللقاء بيان أكد أن الاستقرار الأمني هو أساس، لا بل شرطٌ للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي والنقدي. أمّا التصدي للفتنة، والشحن الطائفي والمذهبي، تحضيراً للفوضى، فهو مسؤوليّة جمَاعيّة تتشارك فيها جميع عناصر المجتمع ومكوّناته السياسيّة.

ودعا المجتمعون إلى وقف جميع أنواع الحملات التحريضيّة التي من شأنها إثارة الفتنة وتهديد السلم الأهلي وزعزعة الاستقرار الأمني الذي تحقّق بفعل وعي المسؤولين عن مقدّرات البلاد وجهود القوى العسكريّة والأمنيّة، وتصدّيهم استباقياً وميدانياً للإرهاب.

وتقرّر "التأسيس على اللقاء للانطلاق من بحث توافقي، من دون عُقد أو مُحرّمات، بل بإعلاء المصلحة الوطنية المشتركة كي نعالج بروح المسؤولية والتفاهم مفاصل الخلافات الكبيرة التي تؤجّج انقساماتنا، فنسعى معاً الى توحيد المواقف أو تقاربنا بشأنها".
المساهمون