لبنان... تزايد مستمر في عمالة الأطفال

23 يوليو 2017
ظاهرة عمالة الأطفال في تزايد مستمر في لبنان( Getty)
+ الخط -
لم يعد الحديث عن عمالة الأطفال في لبنان كما كان عليه قبل خمس سنوات، فبحسب أرقام منظمتي "يونيسف" و"إنقاذ الطفولة" فإن عدد الأطفال العاملين في لبنان كان سابقا لا يتخطّى 35 ألفاً، وقد ارتفع هذا الرقم بعد 2011 ونزوح نحو 1.3 مليون سوري إلى لبنان ليبلغ أكثر من مائة ألف في بلدٍ لم يصل عدد المقيمين فيه إلى سبعة ملايين نسمة، بما في ذلك النازحون السوريون، ما يجعل لبنان من بين الدول التي تسجل أعلى نسب في العالم للأطفال العاملين والذين يتعرضون للاستغلال الجسدي والجنسي.

عمالة الأطفال ترتبط في لبنان بارتفاع معدلات البطالة التي زادت مع ازدياد أعداد اللاجئين السوريين الذين شكلوا وفرة في اليد العاملة. وعلى الرغم من المنافسة وتراجع الوضع الاقتصادي لكن عمالة الأطفال تبقى ظاهرة موجودة بقوة في المجتمع اللبناني.

والغريب في موضوع عمالة الأطفال أن أسبابها كانت دائما تقترن بالفقر ومدى الحاجة والعوز الذي تعاني منه الأسر، لكن هذا السبب تضاءل مع الرعاية الأممية لأطفال اللاجئين السوريين، وهي رعاية وفّرت مجانية التعليم والمدارس والكتب والقرطاسية والزيّ وبرامج الترفيه وحتى وسائل النقل للمرحلة الأساسية والمتوسطة.

 



الطفل المعيل

وعلى الرغم من مجانية التعليم فإن تقريرا مفصلا عن عمالة الأطفال بين اللاجئين السوريين في منطقة الشرق الأوسط، أعدته منظمتا يونيسيف وإنقاذ الطفولة منذ عامين، ذكر أن أطفالاً بعمر ست سنوات يضطرون للعمل من أجل مساعدة عائلاتهم. ففي الأردن مثلا حيث يوجد أكثر من 440 ألف لاجئ سوري، فإن في نصف العائلات التي شملتها الدراسة، يُعد الطفل معيلاً مهماً، وفي بعض الحالات المعيل الوحيد لها.

وفقاً للتقرير فإن الأطفال يتم تجنيدهم كجنود، ويتعرضون للاستغلال الجنسي، ويعملون في الحقول الزراعية وفي المتاجر والمطاعم والمخابز وتصنيع الأحذية، كما يعملون في مقالع تكسير الحجارة ومواقع البناء، ما يجعلهم عرضة لمخاطر كبيرة.

وفي لبنان كيفما تنقّلت في الشوارع تشاهد أطفالا يجوبون الشوارع لبيع بعض الأدوات التي يستعملها السائقون ويستهلكها الركاب. والجديد في الأمر أن السائد كان عمالة الأولاد، لكن الفتيات الصغيرات دخلن على الخط، وإذا كانت عمالة الأولاد تمرّ دون الكثير من الاعتراض فإن عمالة الفتيات الصغيرات ما زالت تبدو مستهجنة جدا، لاعتبارات تتعلق بالمظاهر والقوانين، أكثر من تعلّقها بالأعراف والتقاليد، وتصنّف بالمشينة والمعيبة لاعتبارات تتعلق بالشرف وخصوصية الفتيات، وإمكانية استغلالهن على أكثر من مستوى.



مسؤولية الأهل

وقد يتحمل الأهل جزءا من المسؤولية، فثمة أباء وأمهات يعانون من الجوع وعلى الرغم منه يبذلون المستحيل كي يذهب أطفالهم إلى المدرسة، وثمة آباء وأمهات ميسورون ماديا وأحوالهم مقبولة، لكنهم لا يتقبلون فكرة أن يبقى ابنهم أو ابنتهم  دون ممارسة عمل منتجٍ يدرّ دخلا ماديا، حتى لو كان بسيطا جدا، لأن عمالة الأطفال تتم بأسعار متدنية جدا، وهو الأمر الذي يقود للحديث عن الاستغلال الحاصل.  

في متجر شعبي داخل أحد الأسواق، تقف إحدى الأمهات الريفيات (حسب ما تبدو من خلال مظهرها) وهي تقدّم ابنتها للبائع، ولا تقدّمها فحسب، بل تقول للبائع برجاء: دعها لديك كل

النهار، ما شئت من الوقت، ليس لديّ مشكلة، وأعطها أوامرك كل ساعة لا مشكلة أيضا.. ولا تعطِها شيئا! سأمرّ عليك كل يومين أو ثلاثة وآخذ ما سنتفق عليه! كانت الفتاة تبدو سعيدة أنها ستجد شيئا تلتهي به طيلة نهارها.

بعد فترة نشاهد لدى البائع ثلاث أو أربع بنات صغيرات يعملن في تنظيف المتجر وترتيب البضاعة ومساعدة الزبائن، ونظرا لصغر سنهن فإنهن يتسلين مع بعضهن معظم الوقت أكثر مما يشتغلن، مما يتسبب لهن بتوجيه كلمات غير مناسبة من صاحب العمل! والمفارقة أنّ تغييرا دائما يطرأ بين البنات العاملات الصغيرات، وهو أمر يدل على عدم استقرارهن  في العمل الذي يبدأنه، وعلى سهولة تغييرهن واستبدالهن في أي يوم.

 

انتقام الأطفال

حول الظاهرة تقول الاختصاصية في علم النفس الأستاذة هدى مسلماني: "الطفولة هي المرحلة الأساسية في بناء شخصية الإنسان، وتتكون خلالها القيم والمعايير وتتغذى حاجات غذائية ونفسية وتربوية ليصل الفرد إلى عمر الرشد واثقا من نفسه ومعتدا بها، لكن إذا عانت الطفولة من نقص واضطهاد، وهذا ما يعانيه الأطفال عندما يعملون لكسب العيش ويتعرضون للابتزاز الجنسي والمادي والمعنوي، فيشعرون بالدونية وعدم الأمان والاستغلال. هذا الأمر سيولد شعور الغضب والكره لأفراد المجتمع، وفي جوٍ من التفريغ العدواني يلجأ هذا الطفل لاحقا عند أول فرصة له للانتقام.

من الممكن أن يسرق أولا ثم قد تتطور الاضطرابات السلوكية والانحرافات الأخلاقية نحو ظهور الجريمة والمتاجرة بالمخدرات والاغتصابات..الخ.. لأن الطفل المستغلّ في العمل ممكن أن يعتدى عليه وهو بدوره سيمارس دور المعتدي على آخرين من الأطفال. والفتاة التي تعمل في محال أو بيوت أو حتى تخرج إلى الشارع، ستتعرض لتحرشات لفظية وجسدية ترسم لها طريق الانحراف في سن الرشد. كل هذا سببه الأساسي غياب المعايير الإنسانية المفقودة بسبب جهل الأهل أولا، وعدم الحماية من جمعيات حقوق الطفل وسلطة الدولة ثانيا.

دلالات
المساهمون