بدأ رئيس الحكومة اللبناني المكلَّف مصطفى أديب، اليوم الأربعاء، استشاراته في مقرّ رئاسة مجلس النواب عين التينة، لتأليف حكومةٍ تعهّدت القوى السياسية اللبنانية أمس الثلاثاء، أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر في بيروت، بأنها ستكون حكومة صاحبة مهمّة، وستُشكَّل في غضون 15 يوماً.
ويُجري أديب لقاءات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة السابق النائب تمام سلام، ونائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي، والكتل النيابية بالإضافة إلى النواب المستقلّين. وتستمرّ المشاورات طيلة النهار، في ظلّ تأكيد ضرورة تأليف حكومةٍ بأسرع وقتٍ.
ويقول مصدرٌ مطلعٌ على مسار الاستشارات لـ"العربي الجديد"، إنّ الرئيس المكلف مصمّم على الإسراع في تأليف الحكومة والاستماع إلى وجهة نظر كلّ الكتل النيابية ورؤسائها، بهدف إزالة كل العوائق قبل أن يبدأ عهده، وهناك أسماء وزراء في جعبته سيطرحها على القوى السياسية لكنه يفضّل عدم البوح بها بشكل علني، كي لا يصار إلى حرقها تماماً كما يحصل في كل استشارات لتأليف الحكومة، مشدداً على أنّ هذه الأسماء ستكون صاحبة اختصاص وكفاءة، ولن تكون استفزازية.
يقول مصدرٌ مطلعٌ على مسار الاستشارات لـ"العربي الجديد"، إنّ الرئيس المكلف مصمّم على الإسراع في تأليف الحكومة
وأشار سلام في تصريح بعد لقائه مع رئيس الحكومة المكلّف، إلى "أنّنا لا نملك ترف الوقت، ونحتاج إلى الجدية بأقصى مستلزماتها، على أمل تأليف حكومة مصغّرة بعيداً عن المصالح والمنافع حتى في أقلّ من 15 يوماً، ونأمل أن نمضي بالعمل سريعاً. ولدينا أشخاص محترمون، ولديهم تجاربهم ونجاحاتهم، ويجب الاتجاه إليهم والابتعاد عن الأحزاب السياسية، بعكس الحكومة السابقة التي كانت سياسية بامتياز، وتابعة لفريق معيّن، وفشلت". وأشار إلى أن لديه موقفاً من العهد منذ تسلّمه الرئاسة، على أمل أن يتغيّر في الفترة المتبقية له.
بدوره، قال الفرزلي في تصريح، إنه ركز في لقائه مع الرئيس المكلّف على مسألة الإصلاحات التي ستنال منا الدعم الكامل، مشيراً إلى أننا نثمّن حركة الرئيس ماكرون، وله منا كل الاحترام والتقدير، وإعادة إعمار العاصمة من مهام الحكومة الأساسية.
من جهته، أكد النائب في "تكتل الجمهورية القوية" (التابع لحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع) وهبه قاطيشا لـ"العربي الجديد"، أنّ التكتل لم يسمّ أديب لأنه يعتبر أنّ هذا التكليف كما سابقاته، مبنيّ على المحاصصة تماماً التي ستكون تركيبة الحكومة الجديدة والتي لن تنقذ لبنان، علماً أنّها قد تخرج رأسه من المياه التي يغرق فيها، لكنها لن تنتشله كلياً، مشدداً، على أننا ضدّ التركيبة التي تمثّل "حزب الله" و"التيار الوطني الحرّ" (يرأسه النائب جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية)، والتي تخدم سورية وإيران.
وأشار قاطيشا، إلى أنّ قسماً من السياسيين أعطى هذه الحكومة فرصة، وكذلك يحاول الرئيس الفرنسي ماكرون، ونحن لسنا ضدّ ذلك، وسنطالب في الاستشارات التي تجري بالتعويض على المتضرّرين في مجزرة مرفأ بيروت، وتقديم الإعانات فوراً لهم، سواء لعوائل القتلى أو من تضرّرت منازلهم، وإجراء تحقيق دولي في الانفجار، والعمل على إصلاحات فورية في المرفأ وعلى الحدود، وقطاعات الاتصالات والكهرباء وغيرها العائدة للدولة، كي تضع لبنان على السكة الصحيحة، وهذه مطالبنا بشكل أساسي في المرحلة الأولى، وعلى هذا الأساس إما نصفّق للرئيس وحكومته أو ننتقد أداءهما.
يصل مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شنكر إلى بيروت اليوم، ليؤكد ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بالإصلاحات التي يطلبها الخارج والدول الداعمة للوقوف إلى جانب لبنان
وقال النائب أنور خليل عن "كتلة التنمية والتحرير" التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، بعد لقائه رئيس الحكومة المكلّف، إن الكتلة لم تطلب شيئاً لها وأصرت على وضع ملف الكهرباء ضمن الأولويات وعلى رأس الاصلاحات، على أن يكون للكهرباء الهيئة الناظمة ومجلس الإدارة.
بدورها، أشارت النائب بهية الحريري التي ترأست "كتلة المستقبل النيابية" خلال الاجتماع مع أديب الى أن الكتلة تدعم اليوم الرئيس وتتمنى له التوفيق وإطلاق عجلة التأليف بشكل سريع، مشددة على أننا لن نشارك في الحكومة التي ستكون مؤلفة من اختصاصيين ومستقلّين.
وقال النائب محمد رعد رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" التابعة لـ"حزب الله": لم نتحدث عن شكل الحكومة مع الرئيس المكلف، لكن أبدينا وجهة نظرنا بأننا نريدها أن تكون حكومة متجانسة ومنتجة ومتماسكة، وتدرك حاجات الشعب اللبناني وما يستفزه وما يطمئنه وهذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في كل حكومة. وأضاف: "تمنينا على الرئيس المكلّف أن تؤخذ ملفات مكافحة الفساد بعين المتابعة والرعاية، لأن الإصلاحات تحتاج إلى مكافحة للفساد وتقويم الأوضاع في الجانب المالي والاقتصادي الذي يحتاج الى رقابة دقيقة في هذا المجال".
من جهته، أمل النائب طوني فرنجية عن "التكتل الوطني" (مدعوم من تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية)، بأن تتشكل الحكومة بمنهجية مختلفة عن الزبائنية والمحاصصة، مشدداً على أنّ الأهم اليوم القيام بإصلاحات بأسرع وقت، وسنمنح الحكومة الثقة والتأييد.
وكشف فرنجية، أننا تمنّينا على الرئيس المكلف أن يختار هو وزارة الطاقة لما سبّبته من مشاكل والتي تشكل جزءاً كبيراً من الدين العام. ومن المعروف أن هذه الوزارة يتمسك بها "التيار الوطني الحرّ" برئاسة جبران باسيل منذ سنوات ويرفض التخلي عنها بحجة متابعة خطة الكهرباء التي عمل عليها، وقد سلّمها في حكومة حسان دياب إلى وزير محسوب عليه سياسياً، ومن مستشاري باسيل، ودائماً ما تكون محطّ خلاف بين الأحزاب تؤدي الى عرقلة عملية تأليف الحكومة.
أمّا النائب هادي أبو الحسن عن "كتلة اللقاء الديمقراطي" (تابعة للحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط)، فأكد أن هذه الحكومة لا تبدو أنها سياسية، ونحن عرضنا مبادرة إصلاحية لإنقاذ لبنان، ولا مطلب لدينا من حيث الحقائب الوزارية، وموقفنا ثابت في هذا الاتجاه.
وفي السياق، قال رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، بعد لقاء رئيس الحكومة المكلف، أن "المطلوب اليوم ليس فقط تأليف حكومة، فهمّنا أن تكون فعلاً قادرة على أن تنجز الإصلاح ولا مطلب لدينا ولا شرطاً إلا النجاح باتخاذ القرار وتنفيذه"، مضيفاً أنّ "الأولوية للوضع الاقتصادي المالي وإصلاح ما تهدم وللإسراع بتأليف الحكومة مع الاتفاق على برنامجها".
وتابع "بمسألة المشاركة أو عدمها بالحكومة نقبل بكل ما يتفق عليه الجميع وإذا لم تنجح هذه الحكومة فسيكون هناك كارثة"، مشيراً الى أنّ "لا شروطاً لنا ولا مطالب، ومن المفيد أن يحصل مداورة في الوزارات، فلا وزارة محجوزة لفريق أو طائفة ومن ضمنها وزارة الطاقة"، علماً ان باسيل خاض معارك على وزارتي الطاقة والمياه أدت في مراحل سابقة إلى تأخير عملية التأليف.
ويذكر أنّ هذه الحكومة لم تنل بعد الثقة الشعبية الكاملة، إذ اعتصم عددٌ من الناشطين أمس الثلاثاء في ساحة الشهداء، معبّرين عن امتعاضهم من وضع الرئيس ماكرون يده بيد الطبقة السياسية الحاكمة التي أودت بالبلد إلى الانهيار، وهي المسؤولة عن انفجار مرفأ بيروت، رافعين لافتات تدعو الرئيس المكلّف إلى الرحيل لأنه مُسمّى من المنظومة السياسية التي انتفض ضدها اللبنانيون في 17 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وعقد الرئيس الفرنسي مساء أمس الثلاثاء، لقاءات منفردة مع رؤساء الكتل النيابية في قصر الصنوبر، قبل عقد طاولة حوار معهم، قدّم فيها كلّ رئيس كتلة أفكاره ومقترحاته ومبادرات من شأنها أن تنقذ لبنان، وكان الرئيس ماكرون حازماً بضرورة إجراء الإصلاحات للحصول على المساعدات، مؤكداً أن لا تحرير لأموال مؤتمر "سيدر" إلا عند بدء الإصلاح الجدي والحقيقي.
وأخذت الانتخابات النيابية المبكرة حيزاً من النقاش مع القوى السياسية اللبنانية، والتي عارض إجراءها النائب محمد رعد الذي كان يمثل "حزب الله" في اللقاء كرئيس "كتلة الوفاء للمقاومة"، علماً أنه تعهّد بالإصلاحات.
ولوّح ماكرون، في ختام جولته اللبنانية مساء الثلاثاء، بالعقوبات في حال استمرار الفساد في لبنان وغياب الإصلاحات، ممهلاً القوى السياسية بضعة أسابيع للإيفاء بوعودها، ومعلناً في السياق ذاته أنه قد حصل منها على تأكيد بتشكيل حكومة بقيادة مصطفى أديب، خلال مهلة أقصاها 15 يوماً.
وتحدث ماكرون، خلال مؤتمر صحافي، عن الدور الذي لعبته فرنسا منذ وقوع الانفجار في مرفأ بيروت بتاريخ الرابع من أغسطس/ آب الماضي، وأعلن أنه سيعود إلى لبنان للمرة الثالثة بعد انفجار المرفأ، في ديسمبر/ كانون الأول، لافتاً إلى أن هناك موعداً قد يحدَّد في النصف الأول من أكتوبر/تشرين الأول، تبعاً للتطورات ومسار الإصلاحات.
وفيما اعتبر ماكرون أن "الثقة مصدر مشاكل في بعض الأحيان"، قال: "وضعت ثقتي هنا في قصر الصنوبر، حيث اجتمعت بالقوى السياسية، فإذا أوفت بوعدها لناحية تأليف حكومة في مهلة أقصاها 15 يوماً وبدأت بإصلاحات جدية حتى نهاية أكتوبر فسنفي بدورنا بالتزاماتنا"، مؤكداً أن أولويات فرنسا تجاه لبنان، الصحة، التعليم، الغذاء وإعادة الإعمار.
مواقف وزوار
إلى ذلك، اعتبر البابا فرانسيس، اليوم الأربعاء، وفق "فرانس برس"، أنّ لبنان يواجه "خطراً كبيراً" و"يجب عدم التخلي عنه".
ويصل مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر إلى بيروت، اليوم الأربعاء، حيث سيجري لقاءات ترتكز بشكل أساسي على مجموعات المجتمع المدني والناشطين، بهدف الاستماع إلى مطالبهم التي لا يزالون يرددونها منذ انتفاضة 17 أكتوبر، وسيطلع على مجريات التحقيق بانفجتار المرفأ الذي يتولاه مكتب التحقيقات الفيدرالي، ويؤكد ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بالإصلاحات التي يطلبها الخارج والدول الداعمة للوقوف إلى جانب لبنان.
كذلك، وصل مساء أمس الثلاثاء، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية إلى العاصمة اللبنانية بيروت، برفقة وفد من قيادات الحركة، وفق بيان صادر عن المكتب الإعلامي للحركة في لبنان.
وبحسب البيان، تأتي هذه الزيارة في إطار الاستعدادات والتحضيرات لعقد اجتماع الأمناء العامين لفصائل العمل الوطني الفلسطينية، غداً الخميس، في مقر الرئاسة الفلسطينية برام الله للأمناء وأعضاء اللجنتين التنفيذية لمنظمة "التحرير" الفلسطينية والمركزية لحركة "فتح" داخل فلسطين، وفي مقر السفارة الفلسطينية في العاصمة اللبنانية بيروت للأمناء العامين الموجودين خارج فلسطين.