في المقابل، عقدت كتلة المستقبل النيابية اجتماعاً ذكرت فيه، بحضور غالبية نوابها، أن "عودة الرئيس الحريري ضرورة لاستعادة الاعتبار والاحترام للتوازن الداخلي والخارجي للبنان في إطار الاحترام الكامل للشرعية اللبنانية المتمثلة بالدستور واتفاق الطائف"، معلنة دعمها الحريري بشكل تام. كذلك أكّد رئيس الكتلة، النائب فؤاد السنيورة، على "الوقوف مع الحريري ومواكبته في كل ما يقرره تحت أي ظرف من الظروف".
وفتح ذلك الباب أمام مستوى جديد من التفاعل اللبناني مع التصعيد السعودي تجاه البلد، بعد عام واحد فقط على دعم المملكة، ممثلة بالسبهان، لتسوية انتخاب ميشال عون رئيساً مقابل عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، في الوقت الذي بدت فيه جميع المحاولات التطمينية لفريق الحريري غير قابلة لحسم وضعه، على الرغم من استقباله في دارته في الرياض، أمس الخميس، السفير الفرنسي في السعودية، فرنسوا غوييت، بينما استقبل رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في المملكة، ميشال سيرفون دورسو، يوم الأربعاء، واستقبل يوم الثلاثاء الماضي، القائم بالأعمال الأميركي في الرياض، كريستوفر هينزل، والسفير البريطاني سايمون كولينز، حسبما جاء في بيانٍ لمكتبه الإعلامي أمس.
وبعد محاولة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون التواصل مع جهات عربية ودولية لديها خطوط تواصل بنّاءة مع السعودية، وعدم تمكن أي من المُتصلين بالقيادة السعودية تقديم أي جواب شافٍ يُحرّك جمود المشهد السياسي الداخلي ويُطمئن المرجعيات اللبنانية على مصير الحريري، بدأ التحضير لحراك رسمي لبناني لـ"استرداد الحريري". وهو ما بدأ مع تصريح "المسؤول الكبير" لوكالة "رويترز" عن اعتبار السلطات اللبنانية الحريري "محجوزاً"، وأن "تقييد الرياض حركة الحريري يُشكّل إهانة لكرامة لبنان وسيادته". وبحسب ما أعلنت وكالة "رويترز" فإن "السلطات اللبنانية تعتقد أن سعد الحريري محتجز في السعودية، ولبنان يتجه إلى الطلب من دول أجنبية وعربية الضغط على السعودية لفك احتجاز الحريري". وسبقت هذا الإعلان سلسلة اتصالات عربية ودولية تولت مُختلف المرجعيات الرسمية إجراءها مع رؤساء دول عربية وأجنبية لاستطلاع أجواء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفريق عمله الذي يتابع الملف اللبناني. كذلك ذكر مصدر ثانٍ، وهو سياسي بارز مقرّب من الحريري المتحالف مع السعودية، لـ"رويترز"، أن "المملكة أمرته بالاستقالة ووضعته قيد الإقامة الجبرية". وقال مصدر ثالث على علم بالوضع إن "السعودية تقّيد حركة الحريري".
وبعد فشل الوساطة يُمكن أن تُشكّل دعوة لبنان مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد في جلسة استثنائية تناقش إقامة الحريري في الرياض، خياراً وارداً، بحسب مصدر حقوقي. وهو اتجاه يمكن اللجوء إليه بعد عملية التمهيد الطويلة التي أدّى فيها عون دور المُدافع عن موقع رئاسة الحكومة في تجاوز للواقع الطائفي اللبناني الذي تتوزّع فيه الرئاسات الثلاث بين المسيحيين الموارنة (رئاسة الجمهورية) والمسلمين الشيعة (رئاسة مجلس النواب) والمسلمين السنة (رئاسة الحكومة)، وذلك بالتضامن والتكافل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبغطاء من مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، والذي استقبل، كما عون، معظم المرجعيات والأحزاب والكتل السياسية اللبنانية منذ يوم الأحد الماضي لمنح التحرك الرسمي اللبناني أوسع غطاء داخلي، في مناورة لن تُحسّن الموقف اللبناني السياسي أمام السعودية وحسب، بل ستُساهم في امتصاص أي محاولة خرق للهدوء الأمني المُسيطر على لبنان.
وقد سجّلت مرحلة الرد الأولي اللبناني على خطوات التصعيد السعودي تعطيل رئيسي الجمهورية والبرلمان المفاعيل الدستورية للاستقالة حتى عودة الحريري والاستماع إليه. وأغلق هذا التوافق الباب أمام أي انطلاقة عرجاء لحكومة جديدة بقيادة رئيس لا يحظى بغطاء سياسي وطائفي سُني في لبنان. وهو ما طمأن مُختلف القيادات في البلد أن المرحلة الراهنة لن تشهد معركة صلاحيات طائفية وأن التركيز سيبقى منصبّاً على جلاء مصير الحريري والحكومة معه. وقدّمت هذه المرحلة مكسباً محلياً إضافياً من خلال تجاوز عون وبري الخلافات السياسية والشخصية بينهما. كذلك شهدت الأيام الماضية لقاءً جمع وزير العدل سليم جريصاتي بمسؤول "وحدة التنسيق والارتباط" في "حزب الله" وفيق صفا، تخلله بحث في الخيارات القانونية للتعامل مع غياب الحريري، انطلاقاً من موقف الحزب الذي عبّر عنه الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وحيّد فيه الحريري عن الصراع الإيراني - السعودي. وواصل الحزب انتقاد السعودية مع الدعوة التي وجهتها كتلته النيابية، أمس، إلى المملكة بـ"النأي بلبنان عن الخلافات السعودية الداخلية"، مُرفقة بدعوة أخرى إلى "اعتماد مقاربات جديدة للملفات بعد أن غيّر صمود سورية والعراق واليمن من المعادلات". ومع بقاء العامل الإقليمي المُتمثل بالسعودية في حالة تصعيد، من غير الممكن حسم قدرة القوى اللبنانية على استيعاب مزيٍد من الضغط السياسي السعودي، مع اعتبار الأخيرة أن الحكومة في لبنان هي "حكومة حرب".
في المقابل، استمرّت حالة الهدوء الأمني في لبنان مع تخوّف مُختلف القوى من محاولة ملء الفراغ السياسي لاستقالة الحريري بحدث أمني داخلي. وشهدت الساحة اللبنانية إلغاء بعض المناسبات لأسباب أمنية، منها مشاركة رئيس الجمهورية في حفل تكريمي للراحل مجيد أرسلان في منطقة خلدة جنوبي العاصمة بيروت، مع العلم أن التحرّكات والزيارات المُكثّفة للمسؤولين اللبنانيين والأجانب تتم في ظل احتياطات أمنية إضافية، تفادياً لأي خرق.