16 نوفمبر 2024
لبنان: البنك الدولي هنا
بعد وقتٍ قليل، سيخضع لبنان لأحكام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكل حديثٍ خارج هذا السياق، أو ضمن أوهام السيادة المالية، يبقى شعبوياً. لن تأتي النجدة من الداخل، لا من حكومةٍ تشكّلت أخيراً، ولا من نظامٍ هجينٍ استمرّ مائة عام، ولا من أحزابٍ ـ مليشياتٍ تعمد إلى نشر أنصارها في الشوارع للتظاهر ضد نفسها أو ضد بعضها بعضا. لا أحد يريد قول الحقيقة، وهي من نوع إن "المنظومة المالية اللبنانية ستخضع لمنظومة مالية دولية"، لا يُمكن على أساسها صرف قرش واحد من دون مراقبة أممية. طبعاً، دفع النظام اللبناني البلاد ودافعي الضرائب (من تبقّى منهم بفعل تزايد نسب البطالة) إلى الاختيار بين طرفين: الفساد والهدر والسرقة اللبنانية أو المنظمات الأممية المالية. كِلا الخيارين مرّ، والاختيار أمرّ.
كل حديث عن رفض الاستعانة بالبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي سقط. عملياً تتفاوض الحكومة، بقيادة حسان دياب، مدعومة من كل أحزاب قوى 8 آذار، مع كل طرف خارجي مالي، على الرغم من تعبير تلك الأحزاب من وقتٍ إلى آخر، ولدواعٍ شعبوية، عن رفضها "خطط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي" بل دعوتها إلى حصر المساعدات منهما بـ"الاستشارة الفنية". في الواقع، هاتان المنظمتان الماليتان ليستا لائحة تختار منها ما ترغب، بل تعملان وفقاً لمنطق "كل شيء أو لا شيء"، أي أن "الاستشارة الفنية" هي المقدّمة لمسار طويل سيستمر عقدا على الأرجح. وهو ما يعني حتماً أن السيناريوهات اليونانية والقبرصية ستحضر بصورة "ملبننة" في المرحلة المقبلة.
لم يعد السؤال متعلقاً بـ"هل يتدخل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؟" بل "ما هي حدود تحرّكهما؟". هل سيضعان خطةً ماليةً مرفقةً بسلسلة إصلاحاتٍ تبدأ من المعابر البحرية والبرّية والجوية، خصوصاً بما بتعلق بمطار بيروت ومرفأ بيروت؟ هل سيضعان خطة لقطاع الكهرباء، تؤدّي إلى اندلاع صدام ما بين المستفيدين من فساد القطاع والجهة التي ستنفّذ قرارات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؟ كل الأمور واردة.
السؤال الأهم: هل كان يمكن إنقاذ الوضع من دون تدخّل خارجي؟ طبعاً كان يمكن القيام بذلك مع قليلٍ من القوة القانونية، أي أن تتم محاسبة كل من سرق البلاد، وساهم في إفسادها. كان يمكن استخدام القوة القانونية، والشعبية، لفرض منطق القصاص والعقوبات لكل من خرق القانون. لكن الأمر لم يحصل. لا يعود السبب إلى "العجز"، حسبما أوحت الأحزاب الحاكمة مراراً، بل إلى استسهال منطق السرقة والهدر، واعتبار أن مشاركة السارقين أسهل من معاقبتهم، لأن "لبنان لن يتغيّر". يأتي الجميع بعناوين "الإصلاح وبناء الدولة القادرة"، ثم يتحوّلون فجأة إلى مافيا أخرى من المافيات الحاكمة.
سيتحوّل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى حاكم فعلي للبنان قريباً، وستصبح الدولة مجرّد واجهة لهما لتنفيذ كل ما يطلباه. والاستشارات المالية التي ستُمنح للدولة اللبنانية من الخارج، ستصبّ في سياق الخضوع لقرارات الطرفين المذكورين. سيكون الحراك السياسي متمحورا حول هذه الثنائية. وبما أن السيادة أساساً مفقودة، فإنها ستنتقل من أيدٍ دوليةٍ وإقليميةٍ إلى أيدٍ أمميةٍ مالية. سيعاني اللبنانيون الكثير، وسيشعرون أنهم سيتخلون عن أمورٍ عدة في حياتهم اليومية. مع ذلك، هل كان يُمكن فعل شيءٍ لإنقاذ الوضع؟ نعم، إن انتفاضة شعبية قادرة على قلبِ كل شيء، من دون السماح للمليشيات والأحزاب الطائفية باستغلال الناس، ولا حتى الاعتداء عليهم. ربما هناك وقتٌ قليل لفعل ذلك، قبل الدخول في متاهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. مجرد محاولة أخيرة ستكون كافيةً لتصويب البوصلة، واعتبار أن هناك شعباً يريد الحياة بعيداً عن نظامٍ أوصله إلى حافّة الموت، ثم تركه تحت رحمة منظمات مالية أممية. هذا النظام تحميه مليشياتٌ ومافياتٌ لا تريد الحرية للناس، ولا بناء دولة حقيقية.
لم يعد السؤال متعلقاً بـ"هل يتدخل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؟" بل "ما هي حدود تحرّكهما؟". هل سيضعان خطةً ماليةً مرفقةً بسلسلة إصلاحاتٍ تبدأ من المعابر البحرية والبرّية والجوية، خصوصاً بما بتعلق بمطار بيروت ومرفأ بيروت؟ هل سيضعان خطة لقطاع الكهرباء، تؤدّي إلى اندلاع صدام ما بين المستفيدين من فساد القطاع والجهة التي ستنفّذ قرارات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؟ كل الأمور واردة.
السؤال الأهم: هل كان يمكن إنقاذ الوضع من دون تدخّل خارجي؟ طبعاً كان يمكن القيام بذلك مع قليلٍ من القوة القانونية، أي أن تتم محاسبة كل من سرق البلاد، وساهم في إفسادها. كان يمكن استخدام القوة القانونية، والشعبية، لفرض منطق القصاص والعقوبات لكل من خرق القانون. لكن الأمر لم يحصل. لا يعود السبب إلى "العجز"، حسبما أوحت الأحزاب الحاكمة مراراً، بل إلى استسهال منطق السرقة والهدر، واعتبار أن مشاركة السارقين أسهل من معاقبتهم، لأن "لبنان لن يتغيّر". يأتي الجميع بعناوين "الإصلاح وبناء الدولة القادرة"، ثم يتحوّلون فجأة إلى مافيا أخرى من المافيات الحاكمة.
سيتحوّل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى حاكم فعلي للبنان قريباً، وستصبح الدولة مجرّد واجهة لهما لتنفيذ كل ما يطلباه. والاستشارات المالية التي ستُمنح للدولة اللبنانية من الخارج، ستصبّ في سياق الخضوع لقرارات الطرفين المذكورين. سيكون الحراك السياسي متمحورا حول هذه الثنائية. وبما أن السيادة أساساً مفقودة، فإنها ستنتقل من أيدٍ دوليةٍ وإقليميةٍ إلى أيدٍ أمميةٍ مالية. سيعاني اللبنانيون الكثير، وسيشعرون أنهم سيتخلون عن أمورٍ عدة في حياتهم اليومية. مع ذلك، هل كان يُمكن فعل شيءٍ لإنقاذ الوضع؟ نعم، إن انتفاضة شعبية قادرة على قلبِ كل شيء، من دون السماح للمليشيات والأحزاب الطائفية باستغلال الناس، ولا حتى الاعتداء عليهم. ربما هناك وقتٌ قليل لفعل ذلك، قبل الدخول في متاهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. مجرد محاولة أخيرة ستكون كافيةً لتصويب البوصلة، واعتبار أن هناك شعباً يريد الحياة بعيداً عن نظامٍ أوصله إلى حافّة الموت، ثم تركه تحت رحمة منظمات مالية أممية. هذا النظام تحميه مليشياتٌ ومافياتٌ لا تريد الحرية للناس، ولا بناء دولة حقيقية.