في انتظار الجلسة المقبلة للحكومة في الثامن من سبتمبر/أيلول المقبل، ستتصاعد حدة الخطاب السياسي ويتجه أكثر نحو قانون الانتخابات النيابيّة، التي يُفترض أن تجري قبل يونيو/حزيران المقبل، وانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. فالأزمة الحكومية التي بدأت الأسبوع الماضي على خلفيّة مقاطعة وزراء من تكتل "التغيير والإصلاح" جلستها الأسبوعية، تحت عنوان رفض تمديد ولاية قائد الجيش، العماد جان قهوجي، تبدو مفتوحة، ولا أفق لحلّها. على الأقل، هذا ما يقوله أحد نواب تيار "الوطني الحرّ" القريبين من النائب ميشال عون.
ولا يختلف موقف هذا النائب عن غياب أفق الحلّ، عن إبلاغ نائب رئيس مجلس النواب الأسبق، إيلي الفرزلي، أحد أعضاء الحلقة الضيقة المحيطة بعون، "العربي الجديد"، بأنّ المشكلة ليست في تمديد ولاية قهوجي أو عدم تمديدها، وإظهارها بهذا الشكل كان خطأً، فالأساس هو "عدم تسليم القوى الأخرى بمبدأ الشراكة".
وقال الفرزلي، إنه "إذا لم تُسلّم القوى الأخرى بمبدأ الشراكة، فإننا ذاهبون إلى التأزيم ومقاطعة النظام السياسي الذي لا يعترف بنا"، معتبراً أنّ "الاعتراف بمبدأ الشراكة يكون عبر انتخاب رئيس للجمهورية (الموضع شاغر منذ مايو/أيار 2014) وقانون جديد للانتخابات النيابيّة"، مضيفاً أنّه "بعد شهرين يجب أن تتم دعوة الهيئات الناخبة، وحتى اليوم لا رئيس للجمهوريّة ولا قانونا جديدا للانتخابات النيابية". وعندما يتحدّث الفرزلي عن انتخاب رئيس للجمهوريّة، فهو يقصد انتخاب عون رئيساً، إذ إن نواب تيار "الوطني الحرّ" و"حزب الله"، يُقاطعون جلسات انتخاب الرئيس منذ عام 2014، ما يؤدي إلى فقدانها النصاب القانوني، بسبب عدم موافقة القوى الأخرى على انتخاب عون، لكن الجديد في كلام الفرزلي، التهديد بالخروج من الحكومة، فهو يُشير إلى أن قرار الانفصال عنها اتخذ، ولكن لم يُحدد الموعد لذلك.
في مقابل هذا التشاؤم، بدا موقف وزير الشؤون الاجتماعية، رشيد درباس، المقرّب من رئيس الحكومة تمام سلام، أكثر مرونة. فأكّد درباس، في اتصال مع "العربي الجديد"، أنّ الحكومة ستجتمع في 8 سبتمبر/أيلول المقبل، وهو يرى في الموقف العوني، موقفاً تحذيرياً، لمنع تمديد ثالث للانتخابات النيابيّة. إلى جانب مرونته، أعلن درباس، بنوع من الحسم "لسنا بوارد السير في حكومة بدأ التسرب يزيد منها"، لكنه أضاف أنّ الجميع سيشعر أن لا بديل عن الحكومة.
وفي سياق الموقف العوني، كرّر النائب في كتلة الوفاء للمقاومة، كتلة "حزب الله" النيابيّة، النائب علي فياض، رفضه تمديد ولاية مجلس النواب للمرة الثالثة على التوالي. وقال في كلمة له في احتفال في جنوب لبنان، "إننا نحتاج على المستوى السياسي إلى استغلال هذين الشهرين المقبلين كي تتضافر الجهود بين كل القوى السياسية في سبيل الوصول إلى قانون انتخابي جديد، وبالتالي يجب على الجميع أن يُخرجوا من قاموسهم السياسي، كما من أذهانهم، فكرة التمديد للمجلس النيابي مرة أخرى، لأن هذه مسألة لم تعد واردة على الإطلاق، ويجب أن تجري الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها المقرر".
لكن زميله في الكتلة، النائب نواف الموسوي، كان أقلّ تشاؤماً، إذ رأى أنه رغم "السلبية التي تشاع في الوسط السياسي والإعلامي ما زلنا على تفاؤلنا بإمكان التوصل إلى تفاهم يبدأ من التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، ويكتمل بتوافق وطني يؤدي إلى انتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية، وإلى تشكيل حكومة لبنانية تتمثل فيها الأطراف الفاعلة والمؤثرة، وإلى قانون انتخابي يتيح للشعب اللبناني أن يختار ممثليه على نحو يحفظ التوازن والشراكة من خلال دقة التمثيل، بحيث لا يمكن لأي قانون أن يغيب أي فئة على فئة أخرى".
من جهته، أصر نائب رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله"، الشيخ نبيل قاووق، على اتهام السعودية بالمسؤولية عن عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة، فقال، في كلمة له في احتفال حزبي، إن "السعودية نجحت في تأجيج الأزمة السياسية في لبنان، لأن موقفها الرافض لترشيح الجنرال (رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون) لرئاسة الجمهورية، أدى إلى تفاقم الأزمة الداخلية التي نعيشها اليوم عبر الأزمة الحكومية، والتي هي مؤشر على تفاقم الأزمة الرئاسية".
ورأى قاووق أن إنقاذ البلد يكون بمعالجة "الفيتو السعودي الرافض لترشيح عون لسدة رئاسة الجمهورية، لاسيما وأنه لا يمكن للبنان أن يستقر طالما أن تيار المستقبل يسير خلف الفيتو السعودي، لأن في ذلك استفزازا لمكون أساسي في البلد، ولأن التوازنات والحساسيات الداخلية لا تحتمل أي تحد وتهميش وإقصاء وإلغاء لمكون أساسي في البلد".
في المقابل، أشار وزير العدل المستقيل، أشرف ريفي، إلى أن لبنان يعيش "فراغاً رئاسياً منذ أكثر من عامين، وندور في حلقة مفرغة، فمجلس النواب شبه معطل والحكومة متعثرة، لذلك أدعو الجميع إلى العودة للمربع الأول، فلا طاولة حوار تنجينا، ولا لقاءات ثنائية توصلنا، فلنعد إلى المربع الأول، إذ إن العلاج يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية لينتظم عمل المؤسسات، وأي خيار بديل عن المؤسسات الدستورية هو ترقيع في ترقيع، ولا يوصلنا إلا إلى أزمات فوق الأزمات التي نعيشها".
ولفت ريفي إلى أن بعض المناطق اللبنانية وقسما من بيروت يعاني أزمة نفايات، وقد "عاش أهل بيروت منذ ثمانية أشهر هذه الأزمة، ولا أرى حلاً كالحلول التي أوجدتها الدول التي تحترم نفسها، لذلك علينا العودة إلى المؤسسات الدستورية. وأي خيار آخر هو مضيعة للوقت وهو دوران في الحلقة المفرغة".
وكرر دعوته لرئيس الحكومة، تمام سلام، إلى تقديم استقالة حكومته "لتتحول إلى حكومة تصريف أعمال، لأن هذه الحكومة تآكلت وأكلت أولادها، وأخشى أن يطمروا بالنفايات، لذلك أدعو إلى استقالة هذه الحكومة في أسرع وقت، لنعود إلى المربع الأول وننتخب رئيساً للجمهورية، لنحفظ كرامتنا وحقوق كل اللبنانيين".