لبنان: إجراءات في تيّار عون لإقصاء معارضي القيادة

22 يوليو 2016
نقولا الصحناوي (اليمين) وزياد عبس في احتفال عوني(حسين بيضون)
+ الخط -
يواصل رئيس تكتل التغيير والإصلاح، مؤسس التيار الوطني الحرّ، النائب ميشال عون، حملات تنظيمية يصفها خصومه بأنها "تطهير" للمعارضين المحتملين داخل حزبه. عند كل استحقاق، يصدر عن الهيئات المختصة في التيار أو عن لسان عون نفسه، قرار بطرد مسؤولين حزبيين أو ناشطين. اعتاد أنصار عون هذا الأمر منذ عودة الأخير من منفاه الفرنسي عام 2005، بعد خروج الجيش السوري من لبنان. وعند كل استحقاق سياسي أو انتخابي، تنظيمياً كان أو عاماً، يحصل اختلاف في وجهات نظر العونيين، فتخرج لوائح بأسماء حزبيين يتم صرفهم لأسباب مختلفة، منها معارضة القرار الحزبي أو الإساءة للتنظيم فيه.

قد يكون هذا الأمر بديهياً في مؤسسات حزبية طبيعية، قائمة على نظام داخلي واضح وعلى ديمقراطية فعلية يخضع لها الحزبيون. لكن ما يحصل في التيار الوطني الحرّ مختلف تماماً، ويثبت أنّ عون لم ينجح في تأسيس تنظيم حزبي مؤسساتي لكون معظم القرارات لا تزال خاضعة لرغبة عون وقرار من حوله، خصوصاً زوج ابنته، رئيس الحزب، وزير الخارجية جبران باسيل.

جديد عمليات الإقصاء الحزبي داخل التيار الوطني الحرّ، القرار الصادر عن المجلس التحكيمي في التنظيم الأسبوع الماضي، والذي يشير إلى تعليق عضوية القيادي في التيار زياد عبس لمدة أربعة أشهر. وعبس، من أهم القياديين الشباب في التيار و"مشروع نائب" دائم عن دائرة بيروت الأولى (ذات الأغلبية المسيحية في الجزء الشرقي من العاصمة)، سبق وتمكّن من كسر نائب رئيس التيار، الوزير السابق نقولا صحناوي، في بيروت خلال الانتخابات الحزبية التي حصلت قبل أشهر. ولعلّ أبرز المساهمات السياسية لعبس، مشاركته في صياغة وثيقة التفاهم بين عون وحزب الله عام 2006.

وبنى المجلس التحكيمي قراره بناءً على الاتهامات الموجهة لعبس بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، بـ"الإساءة إلى سمعة وصورة الحزب، التسويق للائحة بيروت مدينتي ووضع تحالف التيار الوطني مع كل الأحزاب السياسية الأخرى تحت عنوان التحالف مع الفساد والفاسدين"، بحسب ما يشير أحد المطلّعين على نص القرار. مع العلم أنّ الانتخابات البلدية أدت إلى تباين فعلي في صفوف التيار، في بيروت وغيرها من الأقضية والمناطق اللبنانية. لكن قرار تجميد العضوية صدر فقط بحق عبس وحده، ما يؤشر إلى وجود رسائل شخصية في اتجاهه. مع العلم أنّ المجلس التحكيمي أصدر أيضاً قراراً بتجميد عضوية رئيس هيئة التيار في "بيروت الأولى"، جورج طاشجيان، لمدة ثلاثة أشهر، وهو من أبرز المقرّبين من عبس وخاض معه الانتخابات التنظيمية بوجه صحناوي والمسؤولين المقرّبين من صهر عون، الوزير جبران باسيل.

كان يمكن لقرار تجميد عضوية عبس أن يمرّ كأي قرار حزبي عادي، لولا أنه أتى على مسافة أيام من الانتخابات الداخلية التمهيدية التي يفترض أن يجريها التيار الوطني الحرّ في 31 يوليو/تموز الحالي، بهدف التحضير للانتخابات النيابية. ومن المفترض خلال هذه الانتخابات التمهيدية أن يختار الحزبيون المرشحين الذين يفضلونهم لخوض الانتخابات التشريعية المقررة العام المقبل. ليكون بذلك عبس قد بات خارج التنظيم مرحلياً وخارج اللوائح الانتخابية مستقبلاً أيضاً. وتمّت سياسة الإقصاء بهذا الشكل وبهذا الإخراج.

ويشير عبس لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "المنطق يقول إن ترشيحي لخوض الانتخابات التمهيدية مرفوض، لكني بانتظار جواب واضح من القيادة". وحول القرار الصادر بتجميد عضويته، يلفت عبس إلى أنّ "القرار يأتي في سياق الأخطاء المتكررة منذ سنوات وتراكمها ما يجعل إمكانية استنهاض حال التنظيم أمراً صعباً". ويضيف أنه كان "من المفترض أن تكون الانتخابات البلدية الماضية، وما نتج عنها محطة رئيسية لاستخلاص العبر والاستفادة منها، من أجل إصلاح هذه الأخطاء وإعادة تنظيم الأمور"، معتبراً أنّ "الخلاف واقع منذ سنوات بين مواقف الحزب وشعاراته من جهة، وقيادة الحزب وكيفية ممارسة هذه المواقف والشعارات من قبل المحيطين بالجنرال عون من جهة ثانية".

وفي بيان صادر عن مكتب عون، أوضح الأخير في ما يخص قضية عبس أنّ "المشكلة ليست بين حزبيين في التيار بل بين بعض الحزبيين والتيار كحزب له نظامه الديمقراطي الواضح. كما أنه لا يوجد عونيون خارج توجهات التيار الوطني الحر ولا عونيون عكس التيار، ولذلك ننبه من توسل الصفة العونية زوراً للإساءة الى التيار وتوجهاته ومسؤوليه".

ولا يريد عبس الخوض في الأسماء والمسؤولين عن هذه الحالة التنظيمية داخل التيار، لكن جميع المتابعين يعرفون جيّداً أنّ الاسم الأبرز في التيار هو الوزير باسيل، والذي تمّ تنصيبه قبل أشهر رئيساً للتيار خلفاً لعون، بعد فرض الأخير على جميع المسؤولين الحزبيين اسم باسيل رئيساً وإلغائه الانتخابات الرئاسية داخل التنظيم. كما أنّ في التيار الوطني الحرّ اليوم، يبدأ نجم آخر بالظهور، وهو الصهر الثاني لعون، قائد فوج المغاوير السابق في الجيش اللبناني العميد شامل روكز. ولا تبدو العلاقة بين باسيل وروكز على ما يرام، حتى على مستوى القواعد الشعبية، إذ استطاع روكز بغضون أشهر نيل تأييد أغلبية الحزبيين العونيين الذين يرفضون سيطرة باسيل على التيار بدعم من عمّه النائب عون.

مع العلم أنّ عون قد يعمد إلى ترشيح "شجرة عائلة آل عون" إلى الانتخابات التشريعية المقبلة، إذ تحدثت معلومات عن نقاشات لترشيح كل من باسيل وروكز وميراي عون هاشم (الابنة الثالثة لعون، زوجة مدير محطة أو تي في روي الهاشم، والمحسوبة على التيار)، والنائب آلان عون (ابن شقيقة عون)، بالإضافة طبعاً إلى إمكانية ترشّح عون ايضاً إلى المجلس النيابي. ما يدعو إلى القول إنّ عون لم يتمكّن من بناء قيادة تنظيم سياسي خارج اسمه وعائلته، أو ربما لا يريد أن يتحوّل جمهوره إلى جمهور التيار الوطني الحر بل أن تبقى هذه الناس تحت اسم "عونيين".

هكذا، يكرّس عون نفسه محدلة سياسية كاملة، تدهس كل من قد يستوقفها للاستيضاح والاحتجاج، أو حتى لمجرّد التشكيك في القرارات الصادرة عنه ومحاولة مناقشتها. وقد يكون هذا الأداء، على المستويين السياسي والتنظيمي، خير دليل على الشكل الذي ستكون عليه الحياة السياسية والدستورية في البلاد في حال وصول عون إلى قصر بعبدا الرئاسي. كل هذا يشير إلى أن فكرة التيار الوطني الحرّ تموت بعد كل استحقاق سياسي وانتخابي، ليحيا مشروع آل عون، كأي بيت سياسي زعاماتي، لا بد أن يتحوّل مع مرور الوقت إلى بيت تقليدي. فدخول عون في النقاشات حول المحاصصات في المناصب والمواقع والملفات على مستوى الدولة، قد يكون كافياً لهذا التحوّل الحاصل بعيداً عن شعار "التغيير والإصلاح".

كما سبق أن خرج عدد من القياديين والمسؤولين، وأبرز المقربين من النائب عون، من التيار الوطني الحر أو الحالة العونية. طرد عون هؤلاء من تنظيمه أو أجبرهم على الابتعاد طوعاً، فانشقّوا عنه بعد فقدانهم الأمل بإمكانية تعديل أي شيء في التنظيم أو حتى بذهنية عون أو حتى لأسباب سياسية. ولعلّ أبرز هؤلاء الوزير السابق عصام بو جمرا، والمرشح السابق للانتخابات النيابية إلياس الزغبي، والمسؤولين في التيار: طوني مخيبر، ولواء شكور، وأنطوان الخوري حرب وكثيرون غيرهم على مستوى القيادات الشبابية والطلابية في التيار.

المساهمون