لبنان أمام مفترق خيارات

28 يونيو 2020
+ الخط -
قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، يوم الجمعة الماضي، إنه لا يوجد سبب لتوقع حدوث انفراجة للأزمة الاقتصادية في لبنان. وأفادت، في مناسبة نظمتها وكالة رويترز عبر الإنترنت، بأن الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن فيروس كورونا قد تكون في نهاية المطاف اختبارًا لموارد الصندوق البالغة تريليون دولار "لكننا لم نصل بعد إلى تلك النقطة". وفي هذا، تحاول جورجيفا تمرير رسالتها بسلاسةٍ ووضوحٍ، وهي عدم إمكانية الصندوق مساعدة لبنان ودعمه في أزمته، وترمي هذا على جائحة كورونا التي أحدثت انكماشًا عالميًا، وهذا ما انعكس سلبًا على الدول الداعمة للصندوق.
الدول المموّلة لصندوق الدولي، إذن، هي المسبّب الأساسي للأزمة اللبنانية. لذا، على الرغم من تعويل حكومة حسان دياب على دعم الصندوق لبنان، إلّا أنّها، وبكلّ تأكيد، تضع أمامها خيار الوصول إلى طريقٍ مسدودٍ في مفاوضاتها معه، ولكنّها اختارت دخول لعبة المفاوضات حتى النهاية. هل سيعي الغرب وحلفاؤه العرب عواقب الضغوط على لبنان؟
الجميع بات يعلم أن لبنان في قلب الأزمة، ولكن لا أحد على استعدادٍ للعمل لإنهائها، فالفريق المعارض للعهد (رئاسة ميشال عون)، وفريق الشارع المتحركّ، يصرّان على العمل لقلب النظام، ولإنهاء العهد، ولكلّ منهما أجندته الخاصة، ولكّنهما يجتمعان على هدفٍ مشتركٍ، هو إفشال ولاية الرئيس عون، وتعطيل عمل حكومة دياب. إضافة إلى الداخل المشتعل، هناك خارجٌ يعيد إحياء الحرب الباردة، ولكن هذه المرة، بين القطبين، الغربي والشرقي.
ليس الجميع على استعدادٍ للعمل لإنقاذ البلد، طبعًا. بدليل أن العرقلات الأساسية لمسار الحكومة 
داخليًا أكثر منها خارجيًا، فالسياسات التي تحكمت في لبنان ارتكزت على الربح الريعي، فحاكم مصرف لبنان طالب برفع الفائدة على الودائع المصرفية، لا سيّما في العملات الأجنبية، كي يغري المواطن بوضع أمواله في المصارف. في حين كانت الدول المتطوّرة تخفض الفائدة، كي تدفع أصحاب الرساميل، كبيرةً وصغيرة، إلى الاستثمار. وهذا ما يزيد من فرص الإنتاج، فيعلي من شأن التصدير على حساب الاستيراد. وبالطبع، يدخل العملات الأجنبية إلى البلاد، بدل تهريبها.
الجميع لا يريد، فسياسات الاستدانة المنظمة من حكومات سابقة، تحت عناوين "باريس 1" وغيره، لإغراق البلد، حثّت المستثمرين الأجانب والمحليين على العمل في لبنان، عبر تحفيز ضرائبي. بينما في المقابل، وجدنا سياساتٍ تعمّدت، في أحيان كثيرة، التضييق على المستثمر، ودفعه إلى الرحيل.
واشتداد الضغط الأميركي، والمقاطعة العربية، لن يجنيا إلّا دفع لبنان إلى أخذ الخيار، فلبنان اليوم بات حقًا على مفترق طرق. طريق يأخذ به نحو الشرق، لكسر طوق الغرب. لا سيما وأنّ الشرق، تحديدًا الصين، يطرح بجديّةٍ مساعدة لبنان، عبر استثمارات تقدّر بـ 12 مليار دولار، في الكهرباء، وسكك الحديد، وغيرها. وهناك اللاعب الروسي، الذي ينتظر الفرصة للاستثمار في النفط والغاز، وتفعيل النفوذ والحضور على البحر المتوسط.
لن ينجح الضغط الغربي، على ما أظنّ، بسبب موقف فرنسا، فهي التي لم تترك لبنان، تحديدًا 
منذ تولي العماد عون الحكومة الانتقالية عام 1988، حيث كانت داعمه الرئيسي. إذ للفرنسي نظرة مختلفة عن الأميركي، لأنّه يجد في لبنان دورًا له في الشرق، إضافة إلى الروابط التاريخية التي تجمع البلدين، فهو العرّاب الدولي للبنان. كذلك، فرنسا ملزمة اليوم بدعم لبنان، حمايةً لمصلحة شركتها توتال المنقّبة عن النفط في المياه الإقليمية اللبنانية.
صحيح أنّ الضغط الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، يزداد سوءًا، لكنّ للسلطة وجهة شرقية، قادرة على اتخاذها. ما سيشكل فجوةً في جدار العقوبات الغربية، الأمر الذي سيهدّد جديًّا الدور الغربي، فيكون الموقف المتعنّت الغربي عندها قد دفع الحكومة إلى أخذ القرار الصعب. لذا، مطلوبٌ من الغرب التنبّه إلى نتائج عقوباته تجاه لبنان.
أخيرًا، صحيح أن هناك خياراً باعتماد طريق الحرير، والسير مع القيصر الروسي إلى الساحة الحمراء في موسكو، ولكنّ هذا الخيار، مع معاداة الغرب، لن يكون الخيار الأنسب، بقدر ما سيكون خيار لبنان المكره عليه، والأصعب. لذا، على لبنان الاستفادة من المحورين لصالحه، والدفع قدمًا نحو تحقيق الإصلاحات الجدّية التي فعلًا تضع الحكومة اليوم أمام مفترق طرق. إمّا الإصلاح ووضع لبنان على السكة الصحيحة أو التمادي في الانهيار، وعندها سنكون أمام نتيجة لا تحمد عقباها.
إذًا المطلوب ليس قرار الاختيار، بقدر ما هو القرار الجريء الذي يجب اتخاذه، كي لا نكون على مفترق طرق، بل على الطريق الصحيح لبناء لبنان. والعهد، وسيّده تحديدًا، لم تعد أمامه خيارات كثيرة مفتوحة، لأسبابٍ كثيرةٍ، أبرزها ضغط الشارع، فالمطلوب اليوم إنمّا هو القرار الجريء والانتقال بين الشرق والغرب، ومكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة من ناهبيها.