لبنان: "سنة أولى حراك"

23 اغسطس 2016
عبّرت التظاهرات عن مزاج يرغب بإعادة الاعتبار للدولة(حسين بيضون)
+ الخط -
منذ سنة كاملة، كانت الأجهزة الأمنيّة والمليشيات الطائفيّة تُمارس عنفاً بحق متظاهرين لبنانيين، ظنوا أن هذا النوع من العنف ممنوع في لبنان. مورس العنف بحق متظاهرين اعترضوا على أداء الحكومة اللبنانيّة في ملف النفايات، وهو أداء لا يزال سلبياً حتى اليوم، ويفتقر إلى المعالجة الدائمة والبيئيّة. الشريحة الأوسع من المتظاهرين كانت من فئات عمريّة تشكَّل وعيها السياسي ما بعد عام 2000. شاهدوا تظاهرات عام 2005، وانطبع في ذاكرتهم عدم لجوء الجيش والأجهزة الأمنية للعنف لقمع المتظاهرين ومنعهم من تحقيق أهدافهم. عاشوا سقوط حكومة عمر كرامي. وراقبوا بقاء فؤاد السنيورة في وجه آلاف المتظاهرين، من دون حصول ضربة كفّ. ثم تابعوا لحظة بلحظة، امتناع الأجهزة الأمنيّة عن مواجهة المسلّحين الذين انتشروا في شوارع بيروت واحتلوها في مايو/أيار 2008. راهن هؤلاء على إمكانية كسر النظام السياسي، ورفضوا التسوية معه.
ظنّ هؤلاء أن الطريق مفتوح لهم. يمكن إسقاط حكومة لفساد وزرائها. ويمكن احتلال وزارة تخلّى وزيرها عن أداء دوره. اعتقدوا أن النظام السياسي سيترنّح تحت ضرباتهم. لكنهم ترنّحوا تحت ضربات الأجهزة الأمنيّة. اكتشفوا أن القمع ممكن وسهل، وأن الأجهزة الأمنية تعمل لخدمة نظامها السياسي، وجلوسها السابق على الحياد، لم يحصل إلا لأن الصراع كان بين مكوّنات هذا النظام.
لا شكّ في أن ما حصل العام الماضي من تظاهرات اصطُلح على تسميتها "الحراك المدني"، يُعتبر من أهم الأحداث السياسية التي جرت في مرحلة ما بعد خروج الجيش السوري من لبنان، لأنها عبّرت عن مزاج شعبي يرغب في إعادة الاعتبار للدولة ومؤسساتها وحكم القانون. كما أكّدت هذه التحركات بأن النظام السياسي اللبناني يمرّ في أكثر مراحله ضعفاً. لكن الأهم من ذلك، أنها أعادت تذكيرنا بأن العمل السياسي لا يكون عبر رفع شعارات فقط، بل يحتاج لتنظيم ورؤية ومشروع سياسي، وهو ما لم يتوفر في تحركات العام الماضي. كما أن النظام السياسي في هذه اللحظات، لا يزال أقوى من الحالة المدنية، لأسباب كثيرة، منها استعداده للجوء للعنف، والعصب الطائفي، وتشتت القوى المدنية، وابتعادها عن العمل السياسي الحزبي.