الهدف ربح سريع وسهل. لكنّه هدف تضليلي يوقع معظم المتاجرين بالأسهم ضحية ضعف خبرتهم، وتهورهم، وإدمانهم على لعبة لا تنتهي إلاّ بخسارتهم كلّ شيء
سعيد، اسمه اليوم لا يعكس واقعه أبداً. رب العائلة الخمسيني فقد الكثير من اتزانه بسبب الإدمان على مخدر الهيرويين. يصادف أقرباءه وأصدقاءه وجيرانه، فلا يتوانى عن طلب خمسة آلاف ليرة (نحو 3.3 دولارات أميركية) منهم. حاله باتت تثير حزن كثيرين وغضبهم خصوصاً عندما يتحدثون عمّا أضاعه من ثروة في البورصة.
يقول أحد أقربائه إنّه "كان يملك نصف مليون دولار خسرها كلّها في البورصة". وكعادة مثل هذه الألعاب والنشاطات، فقد ربح في البداية مبلغاً كبيراً وصل إلى 60 ألف دولار. تهيأ له أنّ "حظه طالع"، ليتبيّن أنّ الطعم الكبير أدى إلى صيد أكبر لكن للشركات التي شفطت أمواله في أيام قليلة.
بالقرب من جامع العرب في محلة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت مكتب بورصة يديره الشاب حسن عمّار. المكتب صغير جداً، واجهته الخارجية مخصصة لبيع خدمات الاتصالات والهواتف الخلوية. لكنّ نشاطه الأساسي هو تجارة الأسهم.
يقول عمّار لـ"العربي الجديد" إنّ المكتب مرخّص من بورصة بيروت، حيث تصل كلفة الرخصة إلى 60 مليون ليرة (40 ألف دولار) يحقّ له من خلالها فتح مكتب واحد فقط.
يؤكد أنّ تسعين في المائة من اللعبة خسارة للمضاربين، لكنّ المشكلة أنّ هؤلاء لا يتورعون عن اللعب مهما كانت خسائرهم. وحتى لو خسروا كلّ مالهم حاولوا الاستدانة من أجل اللعب و"التعويض" الذي يبقى دائماً في خانة المحاولات لا أكثر.
يقول عمّار إنّ شخصاً قد ينام ليصحو خاسراً ومفلساً تماماً تبعاً لانخفاض السهم الذي ضارب على أساسه كالنفط والذهب والفضة. فأصغر مضاربة لدى المكتب تبدأ من 1500 دولار أميركي، هي سعر النقطة الواحدة، إذا صعد السهم ضاعف المبلغ بحسب عدد النقاط التي صعد بها، وإذا انخفض خسر، وهي الحالة الأكثر حدوثاً. وهو ما يدفع عمّار لتسمية البورصة بأنّها "لعبة صهيونية أخطر من القمار بكثير".
من جهته، فإنّ المكتب الشرعي يحصل على نسبة 10 في المائة من المضارب الرابح، وعلى 10 في المائة على كلّ مضارب خاسر من البورصة الرئيسية. وهو ما يدفع عمار للقول: "المكتب هو الوحيد الرابح دائماً".
غير بعيد عن برج البراجنة، وفي حيّ السلّم بالذات، المنطقة الأكثر شعبية في ضاحية بيروت الجنوبية، والتي تضم عدداً هائلاً من السكان قد يصل إلى نصف مليون نسمة على مساحة صغيرة، مكتب آخر للبورصة يملكه كامل (اسم مستعار). هذا المكتب الذي يقع في زقاق يمتلئ بمياه الأمطار والنهر الفائض كلما كان الطقس عاصفاً، غير شرعي. لكنّ ذلك لا يعني أنّ صاحبه "يحتال على الناس". المسألة أنّه يشكل فرعاً لمكتب آخر مرخص.
هناك، وسط الضجيج والازدحام، سهولة كبيرة للمضاربة. بل إنّ كامل يؤمّن لزبائنه اللعب من منازلهم عبر حساب خاص بالمضاربة يفتح لهم عبر الإنترنت. تقلّ نسبة ربح المكتب هنا إلى 3 في المائة لا أكثر، فللمكتب الشرعي الذي يتعامل معه الحصة الأكبر. لكنّ "البيع" هنا أكثر ويكاد يكون مضاعفاً عن أماكن أخرى.
عن طريق هذا المكتب بالذات خسر "ع.ع." كلّ ما يملك.. وهو كثير بالنسبة إلى رجل لم يبلغ الأربعين بعد. كان يملك شقة ومصنع أحذية صغيراً ومحلاً لبيع الأحذية، بالإضافة إلى أكثر من 20 ألف دولار أميركي، ومصاغ زوجته.
يقول لـ"العربي الجديد" إنّ حياته انقلبت بالكامل. فبعدما كان ربّ عمل بات مجرد عامل صغير لا يملك الكثير من المهارات. ولولا أنّه مسؤول عن عائلة لما قبل بالعمل أساساً.
يقول إنّه تعرف في البداية على كامل ومكتبه بشكل تلقائي كون الأخير يأتي إلى محل الأحذية الخاص به. ولأنّه ملتزم دينياً فقد حصل على فتوى من شيخه بأنّ "المضاربة في البورصة حلال". في البداية ربح "ع. ع." 3 آلاف دولار، لكنّه عاد وخسر 7 آلاف. عندها قرر أنّ كامل يحتال عليه وتوصل إلى مكتب آخر مرخص خارج المنطقة.
هناك كانت المصيبة الكبرى بالنسبة إليه، فعلى مدار سنة واحدة خسر كلّ شيء. كان يربح أحياناً، لكنّها مبالغ صغيرة لا تؤمن له "التعويض" المنشود، أو تعزيه في ما خسر سابقاً، فيستكمل اللعب.
قبل خسارته كلّ شيء، حاول أن يبدأ مشروعاً جديداً في ما بقي له من مال. افتتح مقهى صغيراً وعمل لبعض الوقت قبل أن يبيع كلّ شيء دفعة واحدة من أجل تغطية شيكات بلا رصيد هدده بها صاحب مكتب البورصة لأكثر من شهر. يقول: "لم أتمكن من فعل شيء.. فحتى لو ذهبت مع بعض الأشخاص لضربه أو لتكسير محله لن أحصّل منه سوى السجن والقضايا. وستبقى الديون متراكمة".
لا يعرف "ع.ع." إذا كان سيلعب مجدداً في البورصة في حال تأمّن له المال اللازم: "تعهدت لزوجتي ولنفسي مرات لا تحصى، لكنني عدت مجدداً للمضاربة كلّ مرة".
تعتبر تجارة الأسهم والمضاربة في البورصة قانونية 100 في المائة في القوانين اللبنانية. لكنّ المحامية ديالا شحادة تقول لـ"العربي الجديد" إنّ المسألة تصبح غير قانونية "إذا أعطى السمسار (المكتب) معلومات خاطئة أو غير دقيقة حول الأسهم للمضاربين الذين يستثمر بأموالهم، خصوصاً إذا كانت معلومات مرفقة بمستندات خطية". وعندها تدخل القضية في أحد ضروب الاحتيال التي يعاقب عليها القانون اللبناني. لكنّ "الذنب هنا يقع على السمسار وحده من دون البورصة الرئيسية التي يتعامل معها".
اقرأ أيضاً: 21 خطوة قد تغيّر حياتك إلى الأبد
سعيد، اسمه اليوم لا يعكس واقعه أبداً. رب العائلة الخمسيني فقد الكثير من اتزانه بسبب الإدمان على مخدر الهيرويين. يصادف أقرباءه وأصدقاءه وجيرانه، فلا يتوانى عن طلب خمسة آلاف ليرة (نحو 3.3 دولارات أميركية) منهم. حاله باتت تثير حزن كثيرين وغضبهم خصوصاً عندما يتحدثون عمّا أضاعه من ثروة في البورصة.
يقول أحد أقربائه إنّه "كان يملك نصف مليون دولار خسرها كلّها في البورصة". وكعادة مثل هذه الألعاب والنشاطات، فقد ربح في البداية مبلغاً كبيراً وصل إلى 60 ألف دولار. تهيأ له أنّ "حظه طالع"، ليتبيّن أنّ الطعم الكبير أدى إلى صيد أكبر لكن للشركات التي شفطت أمواله في أيام قليلة.
بالقرب من جامع العرب في محلة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت مكتب بورصة يديره الشاب حسن عمّار. المكتب صغير جداً، واجهته الخارجية مخصصة لبيع خدمات الاتصالات والهواتف الخلوية. لكنّ نشاطه الأساسي هو تجارة الأسهم.
يقول عمّار لـ"العربي الجديد" إنّ المكتب مرخّص من بورصة بيروت، حيث تصل كلفة الرخصة إلى 60 مليون ليرة (40 ألف دولار) يحقّ له من خلالها فتح مكتب واحد فقط.
يؤكد أنّ تسعين في المائة من اللعبة خسارة للمضاربين، لكنّ المشكلة أنّ هؤلاء لا يتورعون عن اللعب مهما كانت خسائرهم. وحتى لو خسروا كلّ مالهم حاولوا الاستدانة من أجل اللعب و"التعويض" الذي يبقى دائماً في خانة المحاولات لا أكثر.
يقول عمّار إنّ شخصاً قد ينام ليصحو خاسراً ومفلساً تماماً تبعاً لانخفاض السهم الذي ضارب على أساسه كالنفط والذهب والفضة. فأصغر مضاربة لدى المكتب تبدأ من 1500 دولار أميركي، هي سعر النقطة الواحدة، إذا صعد السهم ضاعف المبلغ بحسب عدد النقاط التي صعد بها، وإذا انخفض خسر، وهي الحالة الأكثر حدوثاً. وهو ما يدفع عمّار لتسمية البورصة بأنّها "لعبة صهيونية أخطر من القمار بكثير".
من جهته، فإنّ المكتب الشرعي يحصل على نسبة 10 في المائة من المضارب الرابح، وعلى 10 في المائة على كلّ مضارب خاسر من البورصة الرئيسية. وهو ما يدفع عمار للقول: "المكتب هو الوحيد الرابح دائماً".
غير بعيد عن برج البراجنة، وفي حيّ السلّم بالذات، المنطقة الأكثر شعبية في ضاحية بيروت الجنوبية، والتي تضم عدداً هائلاً من السكان قد يصل إلى نصف مليون نسمة على مساحة صغيرة، مكتب آخر للبورصة يملكه كامل (اسم مستعار). هذا المكتب الذي يقع في زقاق يمتلئ بمياه الأمطار والنهر الفائض كلما كان الطقس عاصفاً، غير شرعي. لكنّ ذلك لا يعني أنّ صاحبه "يحتال على الناس". المسألة أنّه يشكل فرعاً لمكتب آخر مرخص.
هناك، وسط الضجيج والازدحام، سهولة كبيرة للمضاربة. بل إنّ كامل يؤمّن لزبائنه اللعب من منازلهم عبر حساب خاص بالمضاربة يفتح لهم عبر الإنترنت. تقلّ نسبة ربح المكتب هنا إلى 3 في المائة لا أكثر، فللمكتب الشرعي الذي يتعامل معه الحصة الأكبر. لكنّ "البيع" هنا أكثر ويكاد يكون مضاعفاً عن أماكن أخرى.
عن طريق هذا المكتب بالذات خسر "ع.ع." كلّ ما يملك.. وهو كثير بالنسبة إلى رجل لم يبلغ الأربعين بعد. كان يملك شقة ومصنع أحذية صغيراً ومحلاً لبيع الأحذية، بالإضافة إلى أكثر من 20 ألف دولار أميركي، ومصاغ زوجته.
يقول لـ"العربي الجديد" إنّ حياته انقلبت بالكامل. فبعدما كان ربّ عمل بات مجرد عامل صغير لا يملك الكثير من المهارات. ولولا أنّه مسؤول عن عائلة لما قبل بالعمل أساساً.
يقول إنّه تعرف في البداية على كامل ومكتبه بشكل تلقائي كون الأخير يأتي إلى محل الأحذية الخاص به. ولأنّه ملتزم دينياً فقد حصل على فتوى من شيخه بأنّ "المضاربة في البورصة حلال". في البداية ربح "ع. ع." 3 آلاف دولار، لكنّه عاد وخسر 7 آلاف. عندها قرر أنّ كامل يحتال عليه وتوصل إلى مكتب آخر مرخص خارج المنطقة.
هناك كانت المصيبة الكبرى بالنسبة إليه، فعلى مدار سنة واحدة خسر كلّ شيء. كان يربح أحياناً، لكنّها مبالغ صغيرة لا تؤمن له "التعويض" المنشود، أو تعزيه في ما خسر سابقاً، فيستكمل اللعب.
قبل خسارته كلّ شيء، حاول أن يبدأ مشروعاً جديداً في ما بقي له من مال. افتتح مقهى صغيراً وعمل لبعض الوقت قبل أن يبيع كلّ شيء دفعة واحدة من أجل تغطية شيكات بلا رصيد هدده بها صاحب مكتب البورصة لأكثر من شهر. يقول: "لم أتمكن من فعل شيء.. فحتى لو ذهبت مع بعض الأشخاص لضربه أو لتكسير محله لن أحصّل منه سوى السجن والقضايا. وستبقى الديون متراكمة".
لا يعرف "ع.ع." إذا كان سيلعب مجدداً في البورصة في حال تأمّن له المال اللازم: "تعهدت لزوجتي ولنفسي مرات لا تحصى، لكنني عدت مجدداً للمضاربة كلّ مرة".
تعتبر تجارة الأسهم والمضاربة في البورصة قانونية 100 في المائة في القوانين اللبنانية. لكنّ المحامية ديالا شحادة تقول لـ"العربي الجديد" إنّ المسألة تصبح غير قانونية "إذا أعطى السمسار (المكتب) معلومات خاطئة أو غير دقيقة حول الأسهم للمضاربين الذين يستثمر بأموالهم، خصوصاً إذا كانت معلومات مرفقة بمستندات خطية". وعندها تدخل القضية في أحد ضروب الاحتيال التي يعاقب عليها القانون اللبناني. لكنّ "الذنب هنا يقع على السمسار وحده من دون البورصة الرئيسية التي يتعامل معها".
اقرأ أيضاً: 21 خطوة قد تغيّر حياتك إلى الأبد