لا ملكية لرجال الأعمال في إعلام الولاية الثانية للسيسي

30 يونيو 2018
يتسهدف نظام السيسي موقع "التحرير" (صلاح ملكاوي/Getty)
+ الخط -
إعلام من دون أي تأثير ودون صوت وكأنه أخرس؛ هذا على ما يبدو ما يريده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، من أجهزة الإعلام التي يسيطر أصلاً عليها وتخضع لسيطرته، وكما توقعت "العربي الجديد"، أطيح بكل من كان له صوت ظاهر من المؤيدين للسيسي، كما قُلصت المشروعات الإعلامية التي كانت تمتلكها أجهزة النظام الاستخباراتية وقُلّلت أعداد العاملين فيها ووصل الأمر إلى وقف نشاط بعضها.

وحصلت "العربي الجديد" على معلومات أفادت بأن النظام الآن يسعى إلى إنهاء فكرة أن تكون أي وسيلة إعلامية في يد رجال الأعمال حتى من المؤيدين، وهو ما حدث في مجموعة قنوات "سي بي سي" التي يمتلكها رجل الأعمال الموالي للسيسي، محمد الأمين، ويسعى جهاز الاستخبارات إلى شرائها منه.

أما بالنسبة للقنوات التي يمتلكها نظام السيسي، وهي مجموعة قنوات "أون" المملوكة لجهاز الاستخبارات العامة، ومجموعة قنوات "دي أم سي" المملوكة للاستخبارات الحربية، و"الحياة" المملوكة لجهاز الأمن الوطني، فالوضع الآن يسير باتجاه الدمج والاكتفاء بشاشة واحدة فقط لكل قناة. ووصل الأمر إلى أن تلك القنوات كانت تبث محتوى واحداً في أيام عيد الفطر على القنوات الثلاث، وهو مسرحية "سلم نفسك" التي شاهدها السيسي وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال زيارة الأخير إلى القاهرة في مارس/ آذار الماضي.

ويبدو أنه مع بدء الولاية الثانية للسيسي قرر النظام الاستغناء تمامًا عن خدمات الكثير من الـ"مطبلاتية" الكبار، كما وصفهم المذيع توفيق عكاشة الذي عاد إلى تقديم البرامج، بعد منعه لفترة طويلة بأوامر من مدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل، الذي قرر إعادته مرة أخرى. وعلى سبيل المثال، رفض القائمون على مجموعة قنوات "أون" تجديد عقد المذيع عمرو أديب الذي كان يعتبر برنامجه الحواري "كل يوم" الأكثر مشاهدة.



ووفق مصادر خاصة، فإن المسؤولين أبلغوا أديب بعدم التجديد معه، نظرًا لنقص الإمكانيات المالية المتاحة، بعدما كان يتقاضى مبلغًا يصل إلى 14 مليون جنيه سنوياً. وبناء على ذلك، خرج المذيع ليعلن على الهواء استقالته. ووفق ما أكده مصدر مقرب منه لـ"العربي الجديد"، فإن السيسي اتصل به بعد إعلانه الاستقالة على الهواء، وطالبه بالتراجع وعدم الرحيل عن القناة، ومازحه قائلًا إن "زوجته السيدة انتصار السيسي من أشد المعجبين به، وتحرص على مشاهدته يوميًا".

وبالفعل أعلن أديب على الهواء أيضًا تراجعه عن الاستقالة بعد اتصال السيسي الذي أبلغه بأنه سيقوم بحل المسألة مع القائمين على القناة، ولكن يبدو أن المسؤولين أقنعوا السيسي بعدم قدرتهم المالية على دفع أجر المذيع وأنهم لم يعودوا بحاجة إلى خدماته، ولا سيما أنه يحاول الاجتهاد دائمًا لتقديم مبررات لكل القرارات والإجراءات الخاطئة التي يرتكبها النظام، بطريقة قد تبدو أنها معارضة للنظام، وذلك على الرغم من التزامه بالدور المحدد.

كما أن زوجة أديب، الإعلامية لميس الحديدي، تنتظر الآن قرار المسؤولين في "سي بي سي" إزاء تجديد عقدها، علماً أنها كانت تحصل على نحو 9 ملايين جنيه سنويًا من القناة، وحتى الآن يظل موقفها معلقًا، وخصوصًا أن موقف القناة نفسه بات غير واضح مع استحواذ جهاز الاستخبارات على نسبة كبيرة من أسهمها التي يمتلكها محمد الأمين، وأيضًا الاستحواذ على شركة "فيوتشر ميديا" التي تصدر صحيفة "الوطن" المملوكة للأمين أيضًا.

ومع استحواذ الاستخبارات على النسبة الأكبر من أسهم "سي بي سي" وصحيفة "الوطن"، لم يعد يتبقى أي وسيلة إعلامية غير مملوكة لاستخبارات السيسي سوى قناة "دريم" المملوكة لرجل الأعمال أحمد بهجت، وقناة "النهار" المملوكة لرجل الأعمال علاء الكحكي، أما بالنسبة للصحف فهناك "الشروق" المملوكة للناشر إبراهيم المعلم، و"المصري اليوم" المملوكة لرجل الأعمال صلاح دياب، و"التحرير" المملوكة لنجل شقيقته رجل الأعمال أكمل قرطام، وهي المؤسسات التي تمارس الدولة ضغوطًا على أصحابها منذ فترة لإجبارهم على التخلي عن ملكيتها لصالح الأجهزة. وأخيراً اتهمت ما تسمى "صفحة الجيش المصري" على موقع "فيسبوك" رجل الأعمال صلاح دياب، بتمويل "التنظيم الدولي" لـ"جماعة الإخوان المسلمين"، عن طريق مكاسبه من سلسلة محلات "لابوار" التي يمتلكها.

سبق ذلك استهداف دياب شخصيًا في 2015، عندما ألقت قوة أمنية فجر يوم 8 نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام القبض عليه هو ونجله من الفيلا التي يسكنانها، بتهمة فساد مالي، وهي التهمة التي تحولت بعد ذلك في النيابة العامة إلى "حيازة سلاح ناري من دون ترخيص". واعتقل دياب ونجله عدة أيام قبل الإفراج عنهما، بعد وساطة السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، الذي تربطه صلة قرابة بدياب.



أما في 2017، فتعرض صلاح دياب لحملة أخرى من قبل أجهزة الدولة ووسائل إعلام محسوبة عليها، عندما أعدت قائمة طويلة من الاتهامات لدياب، منها الاستيلاء على المال العام في قضية أراضي "نيو جيزة"، والبناء المخالف على نهر النيل، والتلاعب في السلع الغذائية في سلسلة محلات "لابوار"، من خلال زيادة أسعار السلع وبيع بضائع مجهولة المصدر، ووصل الأمر إلى أن شنت مباحث التموين حملة على محلات دياب في القاهرة والجيزة والقليوبية، إلا أن دياب لم يُدَن في أي من تلك القضايا.

وكان مصدر مقرب من رجل الأعمال قد أكد لـ"العربي الجديد"، أن الحملة ضد دياب هدفها إجباره على الموافقة على بيع صحيفة "المصري اليوم" إلى مجموعة "إعلام المصريين" التي تمتلكها المخابرات العامة، وترأسها الوزيرة السابقة داليا خورشيد.

وكشف المصدر عن أن دياب رفض مرارًا عروضًا لاستحواذ المؤسسة المالكة لصحيفة "اليوم السابع" وقنوات "أون تي في" على معظم أسهم مؤسسة "المصري اليوم" وحق إدارتها أيضًا. وأوضح المصدر أن دياب أكد لوسطاء عديدين استحالة تخليه عن "المصري اليوم"، واصفاً الصحيفة بأنها "مشروع عمره في مجال الإعلام، وأنه يعد نجله لإدارتها بشكل كامل من بعده، وليست لديه أي نية للتخلي عنها"، وأنه في المقابل أكد للوسطاء التزامه بالحدود المتفق عليها مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.

أما بالنسبة لصحيفة وموقع "التحرير" الذي يمتلك إلى الآن بعض الجرأة في انتقاد سياسة الدولة، وكان له موقف رافض لاتفاقية جزيرتي تيران وصنافير، فعلمت "العربي الجديد" من مصادر داخل "المجلس الأعلى للإعلام" أن المجلس تلقى تعليمات من جهات أمنية "عليا" لاتخاذ ما يلزم ضد "التحرير" في سبيل غلقه، وهو ما حدا بالمجلس إلى إصدار بيان من خلال "لجنة الشكاوى" التابعة له قالت فيه إنها "استعرضت المخالفات الإعلامية التي شابت تغطية وسائل الإعلام المختلفة للإجراءات الاقتصادية الأخيرة، وشملت المناقشة ما تم بثه في موقع صحيفة التحرير. وخلصت اللجنة إلى أن الصحيفة "تحولت إلى منصة لإطلاق الشائعات ونشر الأكاذيب".

وأضافت أنه "من مخالفاتها في هذا الشأن والتي ترقى لمرتبة الجريمة المهنية، أنها تمثلت في أنها نسبت أخبارًا وتصريحات على لسان مسؤولين كبار بشأن زيادة الأسعار، وتم تكذيبها من قبل المسؤولين. ‎كما روجت لزيادات وهمية في أسعار 11 ألف صنف دوائي، وقالت إن غرفة صناعة الدواء طالبت بذلك لمواجهة زيادة أسعار البنزين والكهرباء، وهو ما نفته الغرفة جملة وتفصيلًا. كما نشرت الصحيفة شائعة بأن الحكومة ستستغني عن 5 ملايين موظف في الدولة، للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي"

وردّت "التحرير" لافتة إلى أنها "فوجئت بالبيان الحاد والعنيف الصادر"، ووصفت المضمون بـ"اتهام باطل ويفتقر إلى الأدلة، ويحرض الرأي العام وأجهزة الدولة ضد المؤسسة".