لا للإعدام... ولكن

18 يونيو 2019
رفضاً لعقوبة الاعدام (تيد ألجيبي/ فرانس برس)
+ الخط -
تحتم مبادئ الديمقراطية معارضة عقوبة الإعدام، فمن حق الإنسان مهما كان الجرم الذي ارتكبه أن يحظى بفرصة ثانية، وأن يفسح له المجال في تلقي العلاج النفسي والسلوكي، وتفهّم تاريخه العائلي والظروف التي نشأ فيها وربما مرضه النفسي الذي أدى به إلى الانحراف نحو عالم الجريمة.

وصيغت قوانين العالم المتمدن لا سيما الغرب "الديمقراطي" بما يتوافق مع هذا المبدأ الإنساني، ولكن يبدو أن مبادئ الديمقراطية شيء والقوانين شيء آخر. فالأولى مطاطة إلى أبعد الحدود، لا تحكمها حقوق الإنسان فقط وإنما المصالح على اختلافها، على عكس القانون المشروط والمحدد. فعلى سبيل المثال لا تنفذ فرنسا أحكام الإعدام على أراضيها بحق من قاتل أو انتمى لتنظيم "داعش"، وإنما تعدمهم بالوكالة في العراق، لأن قوانينها وليس مبادئها ضد الإعدام.

بغض النظر عمّا إذا كان هؤلاء الإرهابيون يستحقون الموت أو فرصة ثانية أسوة بغيرهم من المجرمين، فإن "الديمقراطية" الغربية تحمل ضمنها مراوغة وتلاعباً وانعداماً للمصداقية. فلماذا لا تستثني في قوانينها بعض الجرائم من حظر الإعدام؟ منها المشاركة في عمل إرهابي ضمن "داعش" أوغيره، بشرط توفير المحاكمة العادلة.

دول عدة غير ديمقراطية تجور بأحكام الإعدام العشوائية في جرائم لا تستحق تلك العقوبة مطلقاً، وتعدم الأطفال ومرتكبي الجرائم قبل بلوغهم سن الرشد، وتنهي حياة من يطالب بحقه في التعبير والتظاهر ومعارضة النظام بالطرق السلمية. ولم تتمكن ديمقراطيات الغرب من التأثير في هذا الجانب، فهل يجوز "النأي بالنفس" هنا، أم أن المصالح في العلاقات تغلب حقوق الإنسان؟



الحروب اليوم، والتي تحمل عنوان "الحرب على الإرهاب" طال أمدها، لأن من "يحارب" الإرهاب هو الذي يغذيه بالمال والسلاح ليستمر، فالمصنّع والبائع كلاهما "غربي" إجمالاً. وهذا يتركنا أمام أسئلة لا حصر لها إجاباتها مطاطة مثل مبادئ الديمقراطية التي شوهت جوهرها بعض الأنظمة الغربية.

من يستحق الإعدام فعلاً مِن هؤلاء المصنفين على أنهم "إرهابيون"؟ ومن يحاكمهم؟ ومن يتبنى إعدامهم عن بُعد ولماذا؟ وفي المقابل من يضمن أن الفرصة الثانية لهؤلاء "الداعشيين" ستردعهم عن تكرار الأفعال ذاتها لاحقاً؟ ومن يجب أن يتحمل فاتورة الحروب التي افتعلوها، من قاتل أمْ من أعطى السلاح ودرّب وشجع فكر التعصب وإلغاء الآخر؟ وهل الإعدام طاول يوماً رأس الأفعى؟

العالم صار محكوماً من قلة يدّعي بعضها الديمقراطية. ولا شك أن تلك "الديمقراطية" تحتاج إلى إعادة نظر كونها شريكة إلى حدّ بعيد في انتشار الإرهاب والتعصب والعنصرية وكره الآخر.
المساهمون