لا غنى عن الكليجة في العراق

05 يونيو 2019
أطفال يستمتعون بوقتهم (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
تحسّن الوضع الأمني في المدن العراقية بشكل عام، وإن اختلفت نكهة العيد منذ الاحتلال الأميركي للبلاد في عام 2003. وبعد تراجع مشاهد الحرب والدمار في البلاد، عاد الاستقرار نسبياً إلى بعض المناطق، ما أعاد للناس بهجتها بالعيد. وقلّ الخوف من احتمال وقوع أحداث أمنية أو انفجارات.

في محافظة ديالى شمال شرق بغداد، تقول عضوة المجلس البلدي في بلدة المقدادية وحيدة السامرائي، لـ "العربي الجديد": "هناك اختلاف كبير بين العيد في الماضي واليوم. كان هناك حرية وفرح واطمئنان. كان العيد في المقدادية لا مثيل له. في اليوم الأول، يرتدي الأطفال ملابس جديدة وينتظرون العيدية من الأهل والأصدقاء. وفي اليوم الثاني، يذهبون إلى المقداد، وهي مقبرة يقام بالقرب منها احتفال العيد. منذ الصباح الباكر، يتوجه الناس إلى هناك كباراً وصغاراً مرتدين أحلى الملابس حيث تقرع الطبول. عصراً، يذهبون إلى منطقة الصدور السياحية ويبقون هناك حتى ساعة متأخرة من دون خوف. الناس كانوا سعداء ولا يفكرون بشيء غير الفرح، وكان طريق المحطة يشهد آنذاك ازدحاماً كبيراً بسبب العيد، وكانت عربة الخيل تنقل الأطفال ذهاباً واياباً إلى سكة القطار وهم يغنون "عفيه محطة ما بيج واحد حلو" (هل يعقل أن محطة كاملة ليس بها شخص جميل).

وتوضح السامرائي: "بالنسبة للمقدادية، ما من أماكن ترفيهية يقصدها الناس في العيد سوى حديقة واحدة في مقابل بدل، حيث تقضي العائلات مع أطفالها بعض الوقت. مع ذلك، يحاول الناس الاحتفاء بالعيد من خلال مقومات فرح بسيطة، كصنع كعك العيد (الكليجة) والتزاور وشراء بعض الألعاب والحلويات للصغار".



ولا يختلف الحال كثيراً في محافظة الأنبار غرب البلاد، وتحديداً في مدينة عانة الواقعة ضمن المنطقة الغربية. يقول محمد المثنو، وهو موظف حكومي، لـ "لعربي الجديد": "قبل ما حل في المنطقة بسبب داعش، كان الأهالي يبدؤون التحضيرات للعيد خلال العشر الأواخر لرمضان ولا ينسون الكليجة وملابس العيد والألعاب وتزيين البيوت والشوارع".

ويؤكد المثنو أن العيد بعد سنوات عجاف مرت على المناطق الغربية من تشريد وتهجير وقتل وخطف من قبل داعش للأهالي صار أقل أهمية، خصوصاً بعد موت أعزاء أو فقدانهم وانتظار أي أخبار عنهم. هذه الأسباب أثرت على فرحة العيد بالنسبة لعائلات في حالة يرثى لها. يضاف إلى ما سبق الفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية. ولا توجد الكثير من مظاهر العيد باستثناء تنظيف المنازل وإعداد الحلويات الخاصة بالعيد. إلا أن التسوق صار أقل عن الأعوام السابقة.

وعن العيد في محافظة ذي قار جنوب العراق، تقول الناشطة الحقوقية بشرى الطائي: "لا شك أن فرحة العيد عادت هذا العام لأن البلد يمر بمرحلة من الأمن والاستقرار، والناس تقصد الأسواق وتشتري الملابس. كما أن الأسعار مناسبة نوعاً ما ويوجد أماكن ترفيهية مثل مدينة الألعاب والمتنزهات والمطاعم والمتاجر الكبرى. صحيح أن هناك صخبا وضوضاء من قبل أصحاب الدراجات، إلا أن لرجال الأمن دورا كبيرا في توفير الأمن والحماية للعائلات خصوصاً الفتيات".

وحول طقوس العيد، تقول الطائي لـ "العربي الجديد": "قبل يومين من العيد أو ليلته، نعدّ المعجنات أو الكليجة. هذا تقليد ثابت. وتتولى أمي خبز رغيف تضيف إليه السمسم. وفي صبيحة العيد بعد الصلاة، تتجمع العائلة في منزل والدتي لتناول وجبة الغداء، التي تتألف من السمك المشوي والدولمة والبرياني وغيرها من الأكلات العراقية التراثية. وفي المساء، نزور الأصدقاء والجيران لتبادل التهاني بالعيد. في اليوم الثاني، نزور الأقارب ثم نأخذ الأطفال للعب على المراجيح".

بشكل عام، تبدأ العائلات البغدادية الاستعداد للعيد في العشر الأواخر من رمضان، ويمتلئ السوق بالناس لشراء الملابس والألعاب في ظل تحسن الوضع الأمني، علماً أن معظم المساجد مغلقة في مناطق بغداد. وخلال السنوات السابقة، وعلى الرغم من الظروف الصعبة والقتل والدمار، ظل العيد جميلاً. ويقول الطالب الجامعي فهد الجنابي، وهو من سكان العاصمة بغداد: "كنا صغاراً لا نفكر إلا باللعب والمرح. ننتظر العيد لنرتدي الملابس الجديدة ونذهب إلى المسجد للصلاة".

يضيف: "كلّ شيء تغير الآن. كنّا نظن أنه كلما نكبر يصبح العيد أجمل. لكن الواقع عكس ذلك. فقدنا أناساً نحبهم من أهلنا وأقربائنا وجيراننا. حياتنا تغيرت كما تغيرت أوضاع البلاد. فوق كل هذا، كبرنا وأصبحت الدنيا أقسى وذهب طعم العيد".

وفي قضاء أبي غريب وأطرافها، يقول المهندس أحمد شلال لـ "العربي الجديد": "يختلف نمط العيش في قضاء أبي غريب. عادة ما يشتري الصغار والكبار ملابس جديدة قبل العيد بأيام قليلة، وتشهد الأسواق ازدحاماً شديداً. ولا شك أن العيد لا يصير أحلى من دون طبق الكليجة العراقية، الذي يعد سيد المائدة خلال العيد في غالبية البيوت. وعادة ما تعده النساء ويقدم ليلة العيد أو الليلة التي تسبقها. البعض يعده بتنور الطين أو تنور الغاز أو الفرن، علماً أن القرى والأرياف تفتقر إلى المخابز والأفران".



يتابع: "يوم العيد نستيقظ باكراً ونؤدي صلاة العيد في المساجد. بعدها، يكون هناك فطور صباحي يتشارك فيه أهل المنطقة. ثم تبدأ الزيارات بين الأهل والأقارب، الذين يعدون الطعام ويذبحون الماشية معاً، إذ لم يعتادوا الذهاب إلى المتنزهات والأماكن الترفيهية". يضيف أن أماكن الترفيه والمتنزهات في أبي غريب تكاد تكون معدومة. وتلك القليلة الموجودة إما مهملة أو غير صالحة للترفيه. لذلك، تذهب العائلات إلى منتزه الزوراء، أو تتوجه إلى مناطق أخرى لزيارة الأقارب والأصدقاء".

ومن أقصى جنوب العراق، يقول الناشط أحمد محمود الجديع، لـ "العربي الجديد": "على الرغم من استقرار الوضع الأمني، لم ترجع عادات التزاور كما في السابق بسبب التطور التكنولوجي. إلا أن العيد في البصرة يختلف عن الأعياد في بقية المحافظات، بسبب قرب المدينة من الخليج العربي والتشابه في العادات والتقاليد. وعادة ما يستقبل الأطفال العيد، وينقسمون إلى مجموعات تطوف على البيوت لتحصل على الحلويات والعيدية. بعض العائلات تجتمع في بيت الوالدين أو الأخ الأكبر، كما تختلف طريقة استقبال العيد من منطقة إلى أخرى. لكن أكثر ما يميز العيد في البصرة هو فطور (ريوك) العيد، حين يتشارك الناس فطورهم مع أهل المنطقة بعد انتهاء الصلاة وتبادل التهاني بين المصلين".