لا جدوى للنبأ العاجل

29 ابريل 2015
+ الخط -

منذ نحو نصف قرن، عَرَفت وسائل الإعلام المسموعة والمرئية النبأ العاجل، الذي تنقطع البرامج الاعتيادية لكي تفسح له مساحة عرض. كان لذلك النبأ وقعه العميق، لا سيما وأنه يحمل، بالضرورة، تطوراً مفاجئاً على صعيد قضية أو نظام سياسي أو مجتمع، ويحظى باهتمام دائرة أوسع من الناس. وقد دخل النبأ العاجل إلى السياق الإعلامي، عبر قناة إن بي سي، يوم اغتيال الرئيس الأميركي، كنيدي، في نوفمبر/تشرين الثاني 1963. ومع تطور وسائل الاتصال، وظهور الصحف ووكالات الأنباء الإلكترونية؛ أصبحت الأنباء العاجلة محمولة عبر رسائل نصيّة، بالاتفاق مع شركات الهاتف الخليوي، وهي مجرد عناوين أخبار وردت للتو، يُنبىء بوصولها صوت ينبعث من الهاتف نفسه، وهو لا يُسمع في حال جعل الهاتف صامتاً!

لم يعد متلقو النبأ العاجل، في العالم العربي، يرونه عاجلاً، ذلك لأن كل نوع من الكوارث بات معتاداً، وإن كانت وسائل الإعلام المسموعة والمرئية تقطع سياقها للإعلان عنه، أو تعرضه في مستطيل أحمر، سميك غالباً؛ فإن الرسائل النصية، تعرضه ببساطة، مما يجعله مجرد خبر في سياق ما تسميه علوم الاتصال الميديا الناعمة، شأنها شأن مواد التسلية والتعليقات الهادئة، ومواد المنوعات وأنماط الحياة. فلا وقع للنبأ العاجل، إن لم يكن، لدى الجمهور المتلقي، الجاهزية للتفاعل معه، وتسجيل ردود أفعال وبناء مواقف. ذلك على الرغم من حرص وسائل الإعلام، وهي محقة، على مواكبة الحدث، وعدم التأخر عن بثه أو نشره. فالنبأ العاجل، من حيث المبدأ، يُفترض أن يستثير من تعنيهم حيثياته، وأن تتأسس بعده، مواقف وتُسجل ردود أفعال! قبل ما يزيد عن 1200 سنة، عندما لم يكن النبأ عاجلاً، لأن لا وسائل إعلام تحمله في لحظته، لكن المعنيين به امتلكوا جاهزية تسجيل ردود الأفعال، بعد وصوله متأخراً؛ كان (ذلك النبأ) سبباً في تخليق علامة فارقة في التاريخ. فعندما استباح تيوفيل ابن ميخائيل، قائد الجيش البيزنطي، ثغور عمورية في الأناضول (عام 829 م) استغاثت امرأة، تدعى شراة العلوية، بالمعتصم بالله، الخليفة العباسي، لكي يرد لها كرامتها. كان المعتصم قادراً، في غضون أيام، على جمع جيش من نصف مليون جندي، قادهم هو نفسه، ونقش على درع كل جندي اسم عمورية!

اليوم، يأتينا النبأ العاجل، في لمح البصر، بكل ما يستثير الأمم الحيّة، لكنه لا يفعل شيئاً. فالمسلمون يُبادون في بورما، والقتل بالجملة في سورية، ببراميل متفجرة وغازات، وبأيدي أناس لا دين لهم ولا مبدأ، ويستبيح الهمج اليهود المتطرفون، وهم أقلية ضئيلة في العالم وفي الإقليم، كل الحُرمات والحقوق الآدمية لشعب عربي، وسط منطقته، وعلى مقربة من مرابض جيوش عربية، نحفظ أسماءها وأعلامها وموسيقاها الوطنية. وفي كل نبأ عاجل، عن كل مقتلة في الدنيا، يكون النصيب الأوفر من الضحايا، للعرب والمسلمين!

في فلسطين، هناك وكالات أنباء محلية ترسل أنباء عاجلة عبر الرسائل النصية، التي تتلقاها الهواتف. في اليومين الماضيين، تلقى المشتركون أنباء عن قتل المحتلين شابين فلسطينيين، وعن طرح حكومتهم عطاءات بناء استيطاني، مع هدم منازل في الغور، وإطلاق النار على خان يونس وإصابة شبان. لكن المتلقي، وإن أغضبته تلك الأنباء، لا يجد نسقاً عربياً أو فلسطينياً يسهم معه في تسجيل ردة فعل جماعية. فالأنباء العاجلة، التي لا جدوى لها، كانت لها أصداء في عمليات فردية محدودة، بالدهس أو الطعن، الذي يتبعهما موت محقق، ويتولى بعض جموع المضطرين، كل منهم، للعمل على خلاص فردي، إلى تشييع الشهيد تلو الآخر، بعد كل اندهاش، ثم تعود الأمور إلى طبيعتها الهامدة، كهاتف صامت، يلازمة سياق إخباري ناعم، وإلى حيث لا نبأ يستحق أن يكون عاجلاً.