لا تقتلونا مرتين

02 اغسطس 2017
+ الخط -
حاولت أن أكذّب كلّ الحقائق التاريخية التي أشبعني بها أبي منذ نعومة أظفاري، وأن أؤمن بأنّ حليب أمي أخطأ البوصلة فدلني على وطنٍ ليس وطني. استحالت حتى المحاولة، ووجدتني أحمل دمعتي إلى هنا، وأكتب مدونتي هذه بحرقة.
ربما كان لزاما علينا، نحن الفلسطينيين، أن نعتاد جفاء أخوتنا في العروبة، أن نصبر على حجج واهية بأنّ الشعوب عاجزة عن فعل شيء حيال نكباتنا المستمرة، وأنّ الجيوش العربية ستزحف يوماً لتحرّرنا وتصحّح مسارها. أقنعنا أنفسنا مرغمين بغد أجمل، وأغريناها بالأمل، فعشنا 69 عاما نرتشف القهر مع قهوة الصباح، وكلما سكن الليل، نحصي خيباتنا المتتالية وننتظر ولا زلنا ننتظر. لكن كارثة حقيقية، بدأت تبرز بقوة في مواقع التواصل الاجتماعي، جعلتني أصرخ من الصميم: لمَ تقتلونا مرتين؟
وجدت كثيرين من رواد تلك المواقع يطبلون ويزمرون لإسرائيل، ينطقون العربية من دون ذرة خجل، وهو ما أثار حفيظتي لأبحث عن سبب لهذه الظاهرة الجديدة في العالم العربي.
في البداية، ظننتها صفحات افتراضية يعدّها الموساد الاسرائيلي لمزيد من الفتن والاحتقان بين الأخوة، فهناك كثير منها خالية من أي تعريف لصاحبها، وغالباً ما تكون حديثة الولادة، أُريد منها افتعال مشادات كلامية بين الشباب العرب، وهو ما يثبت صدق ظني إن لم يخب، لكني اصطدمت حالياً بوجود أناسٍ ليسوا افتراضيين، يصرّحون علناً بولائهم لإسرائيل، ونكرانهم أي حق للفلسطينين فيها. ولعل صفحة الناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، وغيرها من الصفحات الإسرائيلية على "فيسبوك" تحتفي بعديدين منهم.
دخلت أبحث في جنسيات بعضهم، فوجدتها تتنوع غالباً بين السعودي والمصري والمغربي والعراقي والسوري، وأنا طبعا لا أعمّم هنا. لكن هل من سبب لوجودهم؟
حاولت تبني الرواية السعودية والرواية المصرية، أو بالأحرى منطق زعماء البلدين، بعداء فلسطين بعد اختزالهم قضيتها بحركة حماس التي يعدّها المطبعون مع الاحتلال "إرهابية"، وباعتبار أنّ جزءا من الأفراد في مجتمعاتنا العربية تعشق وظيفتها ضمن القطيع، فمن الطبيعي أن تجدهم يطبلون ويزمرون كما يأمرهم الراعي.
أيّا كان السبب، وأنا بكل الأحوال لست خبيرة في التحليل، لكني أجزم أنّ بروز هؤلاء في العالم العربي هو نتاج سنوات من الاستبداد والديكتاتورية ومنع للحريات وغياب للعدالة الاجتماعية.
83E4B3E5-CB70-4615-A47E-8AD0EA8E5488
83E4B3E5-CB70-4615-A47E-8AD0EA8E5488
آلاء السهلي (فلسطين)
آلاء السهلي (فلسطين)