لا تغييرات في خارطة المعارضة التونسية بعد حكومة الشاهد

29 اغسطس 2016
كان يُنتظر تغيّر وضع المعارضة بعد التطورات(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتغير خارطة المعارضة تحت قبة البرلمان التونسي بعد أن حسمت نتائج التصويت الأمر في الجلسة العامة التي عُقدت ليلة الجمعة الماضية، بمنح الثقة لحكومة يوسف الشاهد بأغلبية مطلقة. وحسمت التحالفات السياسية بين أغلب الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، الجدل الذي رافق تشكيل حكومة الشاهد، ودحضت الأقاويل حول إمكانية إسقاطها وعدم منحها الثقة واتساع رقعة المعارضة في البرلمان. بل إن العكس حدث تماماً، ولقيت الحكومة دعماً ومساندة خلال جلسة التصويت من كتل حركة "النهضة" و"نداء تونس" و"مشروع تونس" و"آفاق تونس" و"الوطني الحر" ومستقلين، بعدما كانت تباينت مواقف أعضاء هذه الكتل عند الإعلان عن تركيبة الحكومة يوم السبت 20 أغسطس/آب الحالي، ولكنها بدأت تتغير يوماً بعد يوم لتتجه نحو منح الثقة في نهاية المطاف.
ولا يبدو أنّ ملامح خارطة المعارضة ستتغير تحت قبة البرلمان بعد بروز أغلب مواقف الأحزاب الممثلة فيه بخصوص الحكومة ومسار المشاورات. فالتكتيك السياسي والبحث عن التحالفات وتعزيزها، للظفر بالمناصب والتربع على عرش الحكم أو المشاركة فيه، إلى جانب تغليب المصالح الحزبية والانخراط في جملة من التوجهات والتسويات التي فرضها حزب "نداء تونس" على جميع الأطياف السياسية، فاق كل التوقعات.
وباستثناء الأحزاب والأطياف السياسية المعارضة، على غرار "الجبهة الشعبية" و"التيار الديمقراطي" و"المؤتمر من أجل الجمهورية" وحركة "الشعب"، الممثلين في مجلس النواب، يُضاف إليهم من خارجه حزب "حراك تونس الإرادة" الذي يترأسه رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي، فإنه لم يُعد مفاجئاً للتونسيين أن يوافق أي حزب على المطالب إذا ما تمت ترضيته بمنصب ما.
ولم تعش المعارضة التونسية ذروة نجاحها وتأثيرها في المشهدين السياسي والشعبي إلا في عهد الترويكا وفترة الاعتصام للإطاحة بالحكم حين ذاك. ولم يتغيّر وضع المعارضة منذ ذلك الوقت ليبقى قابعاً في زاوية اللاءات والاعتراض على ممارسات حزب "نداء تونس" وكل من تحالف معه، وعلى السياسات والتوجهات التي انتهجها بالاتفاق مع بقية أحزاب الائتلاف الحكومي.
ومع التغيرات والأحداث الحالية، كان من المنتظر أن يتغيّر حال المعارضة مع نتائج المشاورات حول تركيبة حكومة الشاهد بعد خيبة الأمل التي أصيبت بها عدّة أحزاب. لكن سرعان ما تبخّر وقع تلك الخيبة، خصوصاً بعد إدخال نائبين من ضمن سبعة نواب ينتمون إلى "الكتلة الاجتماعية الديمقراطية" المحسوبة على المعارضة في تركيبة حكومة الشاهد، وهما النائب إياد الدهماني القيادي في الحزب "الجمهوري"، ومهدي بن غربية القيادي في "التحالف الديمقراطي". ضمُّ هذين النائبين أدى إلى اختلاف في التصويت على الحكومة الجديدة بين أعضاء "الكتلة الاجتماعية الديمقراطية" وقد يضعف بالتالي رصيد المعارضة ككل في مجلس النواب.


وأقرّ النائب عن "الجبهة الشعبية" منجي الرحوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنّ "حجم المعارضة في البرلمان وفق إرهاصات المشهد السياسي الحالي، باقٍ على حاله ومن المحتمل أن يتراجع أيضاً"، مضيفاً أنه "في نهاية الأمر تبقى مسألة حجم المعارضة ومكوّناتها متعلقة بنتائج الانتخابات". ولكنه رأى في المقابل أنّ "المعارضة تمتد إلى خارج قبة المجلس وهو ما يظهر من خلال مواقفها حول مشروع قانون المصالحة ومجلة الاستثمار وغيرها من التشريعات"، معتبراً أن "المعارضة داخل البرلمان وخارجه يجب أن تكون موحّدة وتمارس مهامها وفق ما تقتضيه مصلحة البلاد ودفاعاً عن متطلبات الشعب وتطلعاته".
من جهته، أكد نائب عن "الكتلة الديمقراطية الاجتماعية"، فيصل التبيني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "خارطة المعارضة في البرلمان واضحة منذ البداية ولن تتغير باعتبار أن مواقف من يُصنّفون أنفسهم معارضة، واضحة ومعلنة، وهي مواقف مرتبطة بتوجهات وسياسات عامة وبرامج وتشريعات وقوانين لا بأشخاص أو مصالح أحزاب"، معتبراً أن "هذا ليس شأن المعارضين الذين تتراقص مواقفهم وفق مصالحهم الحزبية والشخصية، وفور ترضيتهم يصبحون في مقدمة المساندين والداعمين، وبالتالي لن يكون هناك أي تغيير يُذكر في صفوف المعارضة".
في السياق نفسه، أكد النائب عن حركة "الشعب" سالم الأبيض، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بحسب التكوين السياسي لأحزاب الائتلاف الرباعي إلى جانب حزب المبادرة، والأحزاب التي أعلنت العصيان بما فيها الحزب المنشق عن نداء تونس، فهي كلها تنتمي إلى ثقافة "المخزن السياسي المغربي" القابلة للتطبيق في الحقل السياسي التونسي". وأوضح الأبيض أن "المقصود بذلك عجز هذه الأحزاب عن الخروج من الثقافة السلطانية ومنظومة الحكم السائدة، وبالتالي فإن إمكانية انتقالها من أحزاب سلطة إلى أحزاب معارضة أمر عسير قد يصل لدى بعضها إلى درجة الاستحالة".
وأضاف الأبيض: "في داخل هذه المنظومة الثقافية، يبقى هذا النوع من الأحزاب دائماً يلهث وراء سراب المواقع والمغانم، وقد رأينا من خلال أمثلة محسوسة كيف أن أحد الأحزاب ضرب بجميع مقولاته عرض الحائط من ضرورة إقصاء حركة النهضة بوصفها ممثلة للإسلام السياسي وضرورة التصدي لها، حتى أن الخطاب بلغ درجة إخراجها من الحياة السياسية ولكن انتهى الأمر بالتحالف معها"، وذلك في إشارة إلى "نداء تونس"، معتبراً أن "ذلك يدلّ على أن الثقافة القائمة على التبعية للسلطة ومراكز الدولة عميقة جداً، فلا يمكن أن تخاطر هذه الأحزاب بالخروج من موقع ثقافة الولاء إلى ثقافة الرفض والمعارضة، وبالتالي فإن خارطة المعارضة في البرلمان ستبقى على حالها".

المساهمون