لا تصدقوه.. إنه العفو الزائف

02 أكتوبر 2015

وجه الانقلاب أقبح من أن يزين ويتجمل (28سبتمبر/2015/Getty)

+ الخط -
في كل مرة يقوم المنقلب بإطلاق بعض أفعاله ومواقفه وخطاباته، وكأنه يريد أن يستر شيئاً ما. في اتجاهه إلى الأمم المتحدة لاجتماع الجمعية العامة في دورتها السبعين، حاول أن يحدث فرقعة إعلامية بما سمي قرار العفو الرئاسي عن مائة من المحبوسين على ذمة قضايا قانون التظاهر، فضلاً عن هؤلاء الذي اتهموا في ما تسمى خلية الماريوت. وفي إطار يحاول المنقلب أن يبيّض وجهه، قبل التوجه إلى الأمم المتحدة بخطابه. حملت هذه الدورة اسم التنمية المستدامة، ظل المنقلب في خطابه يتنقل بكلمات أشبه بكلمات الزينة، يلقي بها بزخرف قوله غروراً، وهو يضع في ذهنه أنه بكلامه المنتفخ سيضحك على العالم بأسره، ويدلس عليه، ويمرر فعلته الانقلابية.
تفوّه المنقلب بمعسول الكلام الذي في حقيقة الأمر كلام أجوف، لا يعبر عن حقيقة سياساته أو حقيقة أفعاله، إن هذا الذي يمارس القتل المستدام، في كل يوم، لا يمكن أن يتحدث عن تنمية أو نماء مستدام إنه، في حقيقة الأمر، يقطع كل مادة تتعلق بالنماء والعمران. إنه يهدم الكيان والإنسان، إنه ينقض كل بنيان، لا نقول هذه الكلمات من باب البلاغة اللفظية، أو الشقشقة الكلامية، إننا نعني ما نقول. أما عن هدمه العمران، فيقع على أرض سيناء، حينما يقوّض كل بناء ويزيل مدينة رفح بأكملها من جغرافيا مصر. إنها رفح المصرية، وفي الوقت نفسه، تطالعنا رفح الفلسطينية التي كانت تصافح رفح المصرية، لكنه أراد أن يلغي هذه المدينة بأكملها من جغرافيا مصر.
أخطر من ذلك، أنه يفجر البيوت والمنازل، ويهدم المساجد على أرض سيناء، ويهدم كل معاني العمران في هذا المكان، بل إنه، وبصفاقة شديدة، يجري الإنسان عن أرضه، حتى يقيم الشريط العازل بعرض 5 كيلومترات. يفعل ذلك كله، بدعوى الأمن والأمان، وهو يهدم كل رموز العمران.
وحينما نقول، إنه يقوّض الإنسان ويهدم الكيان، فإننا نقصد الحقيقة التي تؤكد فعله في انتهاك كل حرمة، وكل كرامة تتعلق بالإنسان والمواطن على أرض مصر، فها هو يقتل الآلاف، ويسجن ما يزيد عن 50 ألفاً، ويطارد من شعب مصر من يحتج أو يقول لا، ويخرج بعضهم رغما عنهم، ويختطف ويخفي آخرين قسرياً، ويقتل النفوس تحت عنوان التصفية الجسدية. يفعل هذا كله بدم بارد، لا أحد يحاسبه في غرب أو شرق، يعسف بالناس ويكمم الأفواه. إنه بذلك يقوّض الأوطان ويهدم العمران، ويقتل الإنسان ويروّعه. كل هذه الممارسات يفعلها، يومياً، ولا أحد يحرك ساكناً، أو يدين تلك التصرفات التي تشكل إرهاباً من النظام، ومن سلطة الانقلاب.
بل إنه أكثر من ذلك، يفسد المؤسسات، ويقوّض بنيانها، ويستبدل وظائفها الحقيقة بوظائف على الضد من أدوارها، تزييفاً لمقامها وعملها. نقصد بذلك سلطة العدالة التي تحولت من سلطة إنصاف إلى سلطة ظلم وإجحاف، ومن ترسيخ لمقصد العدل إلى تمكين لحالة الجور والظلم والعدوان، كيف يقوم العمران على ظلم وعدوان؟ ويقول ابن خلدون في مقولته الذهبية "الظلم مؤذنٌ بخراب العمران".
ألم تر أن بعضاً من قضاة مصر صارت حرفتهم أن يوزعوا الإعدامات والمؤبدات على من
اعتقل وظلم بشكلٍ يندى له الجبين، فصار القضاة مثل مقصلة إعدام أو تأبيد سجن، يمارسون ذلك بأحكامهم التي لا تجد لها سنداً، إلا أن سكونه ذلك خدمة لانقلاب العسكر، أو تمكين ظلم وجور.
هذه هي أفعاله تترى، وتفضح المنظومة الانقلابية في عملٍ ممنهج لنقض العمران وقتل الإنسان، مادياً كان أو معنوياً، فهل يمكن أن تكون هذه هي مؤسسة العدالة؟ وهل يمكن للمنقلب، وفقاً لاستراتيجية أمنيةٍ وقمعيةٍ، لا يتعامل مع شعبه إلا بها ليشيد جدر الخوف ويهدم الثقة بين الناس، ويزرع الكراهية في عقولهم وقلوبهم، بما ينقض المجتمعات، ويؤدي إلى مزيد من العداوات بين الشعب الواحد وأهل الوطن الواحد؟
يفعل هذا كله، ثم يتحدث عن عفو رئاسي، يقتل ويخنق ويحرق، ثم يصدر العفو الرئاسي، يعتقل ويطارد ثم يصدر العفو الرئاسي، يفرج عن مائة بعفو، ويعتقل مائةً قبل خروجهم من رموز الحركات، ومن صبية صغار، تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة، ثم يقول إنه أصدر العفو الرئاسي. كيف لهذا المستبد أن يتحدث عن عفو زائف ومزعوم، وفي حقيقة أمره، لا يجب أن يصدر منك العفو، لأن الغادر القاتل لا يعفو، لكنه يقتل ويغدر في حقيقة الأمر. وكما قال بعضهم، أنت من يجب أن يطلب العفو منهم عمّا اقترفته في حقهم من ظلم وقمع، وضياع سنوات من عمرهم خلف القضان، من غير جريرة، أو عمّا فعلوه، سوى أنهم حاولوا أن يقولوا للانقلاب ومنظومته: لا.
يتصور المنقلب الغادر أنه يمكن أن يستغفل أهل وطنه، أو عالم الإنسانية، بالإفراج عن مائة ضمن مسرحيته الهزلية التي يمارسها كل حين، لتبيض عمله. وفي حقيقة الأمر، وجه الانقلاب أسود داكن السواد، لا يمكن أن يبيّض، وأن وجه الانقلاب أقبح من أن يزين ويتجمل، بزيفه الانقلابي، وبإفكه الإعلامي تنصب الموالد عن عفو رئاسي زائف لا يمكن أن نتصوره إلا أن يكون ورده يتحلى بها أمام الجمعية العامة، فلا تنظروا إلى زيف عملهم بعفوه الزائف. لكن، انظروا إلى يدهم التي تقطر دماً بفعله الذي قتل به أهل مصر وشبابها، ثم يتحدث بقتله المستدام عن نماء مستدام. ألا أيها الغادر، سيأتي اليوم الذي تدفع فيه ثمن غدرك وظلمك وقتلك وقمعك. سيأتي اليوم لتحاسبك فيه الإنسانية عمّا اقترفته في حق مصر وأهلها. سيأتي اليوم الذي يقتص منك على كل جرم اقترفت، وعلى كل ظلم، ولا تحسب أن زخرف قولك يسترك ويعفيك، وأن زيف أمرك بالعفو الرئاسي يبرّر لك كل أمر أتيت فيه بجرم عظيم وإثم كبير. ألا أيها الغادر، تطاردك غدرتك وتلاحقك كذبتك وتنتشر فضيحتك، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون.

ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".