ماذ تعني أول هزيمة لأجندة ترامب في الكونغرس بالنسبة للمستثمرين في الدولار وسوق المال الأميركية، وإلى أين تتجه سوق "وول ستريت" بعد هذه الهزيمة؟
من الناحية السياسية، يعد هذا الفشل لطمة كبرى للرئيس دونالد ترامب، حيث تلقى هزيمة سياسية لم يكن يتوقعها من الكونغرس الذي تسيطر عليه أغلبية من حزبه الجمهوري.
وبعدما فشل ترامب، يوم الجمعة، في تمرير مشروعه البديل لنظام الرعاية الصحية "أوباما كير"، فقد طلب من الجمهوريين سحب المشروع قبيل التصويت عليه، وهذا بسبب عدم توفر الأكثرية.
ووصف رئيس مجلس النواب ورئيس كتلة الجمهوريين في الكونغرس بول رايان، سحب المشروع بقوله: "إنه يوم مخيب بالنسبة لنا. ففعل الأشياء الكبيرة صعب. سنأخذ وقتاً للتفكير بما وصلنا إليه، وما الذي كان بإمكاننا فعله أفضل. هذه انتكاسة، لكنها ليست نهاية المشوار".
من جهتهم، اعتبر الديمقراطيون تراجع ترامب فوزاً لنظام الرعاية الصحية "أوباما كير". وقالت نانسي بيلوسي، ممثلة كتلة الديمقراطيين في الكونغرس: "هذا أمر مثير جداً بالنسبة لنا. هو انتصار لقانون الرعاية بأسعار معقولة، وهذا مهم للشعب الأميركي".
هذا على الصعيد السياسي، ولكن كيف تقيّم الأسواق والمستثمرون هزيمة ترامب في الكونغرس.
من المهم الإشارة إلى أن المشروع ليس ذا أهمية كبرى على صعيد سوق "وول ستريت" من ناحية حجم الأسهم التي يؤثرعليها في صناعة الأدوية والصحة، مقارنة بإجمالي ثقل القطاعات الأخرى المؤثرة في قياس مؤشرات الأداء، مثل "ستاندرد آند بورز" و"داو جونز" و"ناسداك"، لكنه مهم للمستثمرين جداً من ناحية دلالته على مدى قدرة الرئيس دونالد ترامب في تمرير أجندة سياساته المالية والاقتصادية مستقبلاً في الكونغرس، خاصة تلك المثيرة للجدل.
يرى العديد من خبراء المال أن عدم تمرير مشروع الرعاية الصحية لا يعني أن مشاريع قوانين أخرى مقترحة لا يمكنها أن تمر، فقانون خفض الضرائب مثلاً يمكن أن يمر بسهولة في الكونغرس وكذلك مشروع البنية التحتية.
وهذان المشروعان يعدان من أهم المشاريع المؤثرة في تجارة الأسهم وأسعارها في سوق "وول ستريت"، لأن مثل هذه المشاريع القانونية تحظى بموافقة واسعة داخل الكونغرس حتى من قبل بعض نواب الحزب الديمقراطي.
فمشروع خفض الضرائب على الشركات والأفراد من الصعب معارضته من قبل النواب، لأنه يترجم في مجموعة منافع بالنسبة للناخبين وللشركات.
ومشروع تحديث البنية التحتية المقدر له ترليون دولار، يعد من المشاريع التي ستضيف لنمو الاقتصاد الأميركي.
ويرى خبراء في سوق "وول ستريت"، أن هذه المشاريع ستضيف حوالى 4 ترليونات دولار للناتج القومي الأميركي بحلول العام 2025.
أما مشروع خفض الضرائب فسيرفع من ربحية الشركات وقدرتها على توزيع جزء من الأرباح على المساهمين، كما أن خفض الضرائب على الأفراد سيزيد من القوة الشرائية في السوق الأميركية، وبالتالي سينعش تمرير المشروع النمو الاقتصادي.
في هذا الصدد، يقول المستثمر دانيال مورغان، الذي يدير محفظة استثمار قدرها 600 مليون دولار في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، لوكالة رويترز: "سوق المال مهتمة بقانون الضرائب أكثر من اهتمامها بتعديل أوباما كير، وبالنسبة لي، أعتقد ما حدث من رفض لمشروع القانون شيء عظيم، لأنه سيعجل بتقديم مشروعي خفض الضرائب ومشروع إنشاءات البنية التحتية".
من جانبه، يرى بيتر كيني، كبير استراتيجيي الاستثمار بمجموعة "غلوبال إدفايزري غروب" في نيويورك في تعليقات تلفزيونية: "لا أرى أن هذه الهزيمة سيكون لها تأثير كبير على أسعار الأسهم ككل، ولكنها ستؤثر على أسعار أسهم شركات الأدوية والرعاية الصحية".
ويشير خبير أميركي آخر إلى أن هذا الفشل لا يعني أن ترامب لن يتمكن من تمرير مشاريع أخرى.
أما الاستراتيجي الاستثماري لو براين، بشركة "درو تريدنغ"، بشيكاغو، فيرى أن فشل تمرير مشروع الرعاية الصحية في الكونغرس، "سيغير من منظور المستثمرين حول العلاقة بين ترامب والكونغرس، لأن الاعتقاد الذي كان سائداً قبل ذلك، أن الكونغرس سيفعل ما يريده الرئيس ترامب بسبب الأغلبية الجمهورية، والآن ثبت أن بعض النواب الجمهوريين يعارضون ترامب".
وهنالك من المستثمرين وخبراء السوق من يرون أن هذا الفشل له جانب إيجابي، لأنه يعني عملياً أن بعض الأجندة المالية والاقتصادية المثيرة للجدل، مثل "ضريبة الحدود" وزيادة "التعرفة الجمركية" على بضائع بعض الدول، قد يتخلى عنها.
بناءً على هذه التعليقات، ليس من المتوقع أن تفتح البورصة الأميركية، يوم الإثنين، على تغيير كبير في مؤشراتها، رغم أن معارضة الكونغرس ستوقف القفزات الكبيرة التي حدثت في مؤشر "داو جونز"، وجعلته يتجاوز 21 ألف نقطة في بداية الشهر الجاري.
ومن هذا المنطلق، يلاحظ أن بورصة "وول ستريت" أغلقت، يوم الجمعة، على تغير طفيف، مع تقليص الأسهم لخسائرها بعدما سحب الجمهوريون مشروع القانون الذي تقدموا به لإصلاح نظام الرعاية الصحية، حيث هبط المؤشر "داو جونز الصناعي" 58.62 نقطة، أو ما يعادل 0.28% إلى 20597.96 نقطة، في حين انخفض المؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بواقع 1.88 نقطة، أو 0.08% إلى 2344.08 نقطة، وارتفع المؤشر ناسداك المجمع 11.05 نقطة، أو 0.19% إلى 5828.74 نقطة.
وعلى صعيد العملة الأميركية، من غير المتوقع أن تتأثر أسواق الصرف بدرجة كبيرة برفض الكونغرس للمشروع، ولكن سعره سيتأثر بالتأكيد بدلالات الرفض الذي يمنح المستثمرين إعادة النظر في تقييم نجاح ترامب في تنفيذ سياسته خلال العام الجاري.
ومن هذا المنطلق تجمع آراء خبراء المصارف الاستثمارية التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن موجة الارتفاع بالنسبة للدولار ستواجه تحديات، رغم زيادة سعر الفائدة الأميركية.
ويذكر أن الدولار ارتفع من أدنى مستوى في أربعة أشهر أمام العملة اليابانية، يوم الجمعة، واتجه إلى إنهاء موجة خسائر استمرت على مدار ثمانية أيام أمام الملاذ الآمن (الين)، بعدما سحب الجمهوريون مشروع قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية.
وحسب رويترز، انخفض الدولار نحو 1.3% أمام الين هذا الأسبوع، لكنه ارتفع يوم الجمعة 0.31% أمام العملة اليابانية إلى 111.27 ينا. وانخفض مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة تضم ست عملات 0.02% إلى 99.739، بعدما هبط إلى أدنى مستوى في سبعة أسابيع عند 99.527 في وقت سابق من الجلسة.
ويلاحظ أن مؤشرات اقتصادية إيجابية في منطقة اليورو، إضافة إلى احتمال رفع الفائدة الأوروبية ترفع من سعر صرف العملة الأوروبية أمام الدولار، حيث كسب اليورو 0.19% ووصل إلى 1.0800 دولار، مقترباً من أعلى مستوى في سبعة أسابيع عند 1.0825 دولار. ولكن الدولار ارتفع مقابل الاسترليني مع ترقب المستثمرين لشروع بريطانيا في العملية الرسمية لمغادرة الاتحاد الأوروبي خلال الأسبوع الجاري.