لا أمنيات للعراقيّين سوى الأمن.. والعودة

01 يناير 2015
"أمنيتي الوحيدة هي الهجرة" (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -

في مقهى الرصيف المحاذي لشارع الرصافي وسط بغداد، يجلس ياسر حامد (61 عاماً)، وهو سائق تاكسي، برفقة أصدقائه ليأخذ قسطاً من الراحة. يتمنى أن يتحقق أمر واحد في العام الجديد، "يتوقف قطار الموت في بلدي. فقد أخذ معه كثيرين من أصدقائي وأحبائي. في شوارع بغداد، عشت لحظات صعبة وأنا أتجول بسيارتي الصغيرة باحثاً عن لقمة العيش. أودع أطفالي كل يوم لأنني قد لا أعود إليهم، وأتحول إلى جثة إذا ما انفجرت بقربي سيارة مفخخة، أو ربما أختفي إذ قررت إحدى الميليشيات خطفي".

لا يريد حامد إلا أن يعود سالماً إلى أسرته. عبد الله علي (21 عاماً)، وهو طالب جامعي في كلية العلوم، يريد الأمن أيضاً. لكنه يبدو أكثر تفاؤلاً بالعام الجديد. يتمنى أن يكمل دراسته ويتزوج وتكون لديه أسرة صغيرة. في الوقت نفسه، يخشى ألا يجد عملاً مناسباً. يقول: "ربما يحمل العام الجديد بعض الفرح للعراقيين"، مضيفاً "أتمنى أن أصبح أستاذاً جامعياً ناجحاً، ولا تسوء الأمور فأعجز عن إكمال دراستي، على غرار الآلاف الذين نزحوا من مناطقهم وتشردوا بسبب المعارك".

لم تكن للنازحين أمنيات خاصة. ياسمين صادق (20 عاماً) اضطرت إلى ترك جامعتها والهرب من محافظة الأنبار بسبب المعارك، لتسكن وعائلتها في هيكل قيد الإنشاء في أطراف العاصمة بغداد. تقول لـ "العربي الجديد": "أتمنى أن تنتهي الحرب ونعود إلى الديار. لا أريد غير ذلك. أريد إكمال مشواري في الحياة مثل بقية البشر".

عادل مهدي (50 عاماً)، الذي كان أستاذاً في إحدى المدارس المتوسطة في محافظة صلاح الدين، اضطر أيضاً إلى النزوح وعائلته بعدما قصفت المدرسة ومنزله. هو مثل صادق راغب في العودة. يقول لـ "العربي الجديد": "أتمنى أن يكون العام المقبل عام العودة إلى ديارنا وأهلنا وأحبتنا، وأن تتوقف آلة الموت والدمار وتعود الألفة والمحبة بين العراقيين، لنبدأ من جديد بناء مدننا ومستقبلنا، وألا تطول هذه المحنة التي سرقت أعمارنا".

كانت الحاجة أم عمر (65 عاماً)، وهي ربة منزل، تجلس أمام منزلها الصغير ماسكة سبحتها وتتمتم الأدعية. بدت حزينة. فقد اعتقلت القوات الحكومية ابنها الوحيد. مرت خمس سنوات من دون أن تراه. تقول: "أمنيتي الوحيدة أن أرى ابني الذي اعتقل عند إحدى نقاط التفتيش العسكرية بسبب اسمه. حتى اليوم لم تتم محاكمته أو توجه أية تهمه إليه". في المقابل، بدا سالم راضي (50 عاماً) وهو روائي وشاعر، مفعماً بالأمل. كان يكتب روايته الجديدة في مقهاه المفضل. يقول لـ "العربي الجديد": "أتمنى في العام الجديد أن أفتح التلفاز ولا أجد في نشرات الأخبار نبأً عن انفجار أو قتل أو اعتقال أو نزوح. لا أستطيع أن أتمنى شيئاً لنفسي وسط هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العراق. الحروب شردت أبناء بلدي". أيضاً، يتمنى أن يصبح "المثقف العراقي في حالٍ أفضل وأن يأخذ دوره الحقيقي ويقود البلد إلى بر الأمان. فلو كان هناك دور فعّال للمثقف لما وصل العراق إلى هذه الحال".

من جهته، يقول سامي إبراهيم (30 عاماً)، الذي يعمل في مجال البناء، وقد بدت عليه آثار التعب: "الحمد لله على كل شيء. حالي أفضل من كثيرين. على الأقل أملك عملاً وأتمتع بصحة جيدة. أتمنى أن أتمكن من إكمال دراستي التي تركتها لأعيل والدتي وإخوتي، بعدما قتل والدي على يد إحدى الميليشيات". آخرون وجدوا أن البلد لم يعد يتسع لأمنياتهم، حتى المتواضعة منها. عمار صالح (36 عاماً)، مهندس زراعي عاطل عن العمل، هو أحد هؤلاء. كانت له أمنية مختلفة. يسأل: "أي عام جديد وأية أمنيات؟ البلد تعمه الفوضى والناس تعيش كارثة حقيقية. لم أعد احتمل أكثر من ذلك. أمنيتي الوحيدة أن أهاجر إلى بلد أشعر فيه بأنني إنسان لي قيمتي في هذه الحياة. أرى نفسي أتقدم في العمر، ولم أجد عملاً في مجال تخصصي. يبدو أنه لا مكان لي في بلدي الذي يحترق بنيران الحروب والصراعات. لا أريد أن أقضي حياتي منتظراً الموت". يتابع وقد بدا اليأس على ملامحه: "أمنيتي الوحيدة أن تقبلني إحدى الدول الأوربية كلاجئ، علي أبدأ حياتي هناك من جديد".

بدورها، تبدو سجى العاني (40 عاماً)، وهي طبيبة في أحد مستشفيات بغداد، متشائمة. قتل زوجها وهو طبيب جراح على يد إحدى الميليشيات حين كان يعمل في عيادته الخاصة. تقول لـ "العربي الجديد": "أمنيتي في الحياة أن أذهب بأطفالي بعيداً إلى بلد آخر، لكن صغر سنهم يمنعني من الهجرة".