لم يعد الهرب من المدارس، وعدم الانتظام في الحضور، يقتصر على التلاميذ فقط في مصر. بل أن هذه الظاهرة امتدت لتشمل عدداً كبيراً من المدرسين في مختلف المحافظات، وخصوصاً مدرسي الثانوية العامة الذين اتجه معظمهم إلى الدروس الخصوصية، كونها تدرّ عليهم مالاً أكثر. ووصل الأمر بهؤلاء إلى مطالبة تلاميذهم بعدم الذهاب إلى المدارس، في ظل غياب الرقابة من قبل الدولة، ممثلة بوزارة التربية والتعليم.
غياب الرقابة إذن، دفع مدرسين إلى التغيب عن وظائفهم، لتتحول العديد من المدارس في مصر إلى ساحات شغب. وصار بعض التلاميذ يتناولون المخدرات علناً، فيما زادت نسبة التحرش الجنسي بالفتيات، ومشاهدة الأفلام الإباحية وفيديوهات لراقصات. ليس هذا فقط. فقد لوحظ أيضاً انتشار السلاح الأبيض "المطاوي" بين العديد من التلاميذ، بالإضافة إلى الهواتف الخلوية والآيباد. ويخشى كثيرون من أولياء الأمور أن يؤدي غياب الرقابة هذا إلى الانفلات الأخلاقي، وصولاً إلى الهرب من المدارس والإدمان على المخدرات.
إلى ذلك، أدى غياب المدرسين في محافظة أسوان إلى قطع الطريق أمام السيارات من قبل الأهالي، احتجاجاً على عدم وجود مدرسين داخل المدارس. من خلال تحركهم هذا، أرادوا الضغط على المسؤولين لإيجاد حل لمشكلة تغيبهم عن أداء مهامهم الوظيفية وتعليم التلاميذ. من جهة أخرى، منعت الإجراءات الأمنية في سيناء نحو 350 مدرساً ومديراً من الوصول إلى المدارس التي يعملون فيها في الوقت المحدد، بسبب التفتيش وإغلاق معظم الطرق المؤدية إلى المدارس. أمر يضطر عدداً كبيراً منهم إلى العودة والتجمع أمام مديرية التربية والتعليم، وتوقيع الحضور، من دون استكمال يومهم، الأمر الذي انعكس على سير العملية التعليمية في عدد كبير من مدارس سيناء.
في المقابل، يتهم عدد لا بأس به من أولياء الأمور المدرسين بتحريض التلاميذ على عدم الحضور إلى المدارس بهدف استغلال الفصول في الدروس الخصوصية. فكان أن التقت "العربي الجديد" عدداً من التلاميذ وأولياء الأمور. ويؤكد محمد فتحي، وهو أب، أنه في ظل غياب المدرسين، تحولت المدارس إلى ساحات للمعارك، ما يعني أن الفوضى قد عمت، متهماً المدرسين بالمسؤولية عن انتشار الفوضى، واستغلال فصول المدارس في الدروس الخصوصية، في ظل ارتفاع أسعار الحجرات التي كانوا يستأجرونها في الماضي لإعطاء هذه الدروس.
من جهته، يقول والد أحد التلاميذ في المرحلة الإعدادية، ويدعى هشام مبروك، إنه لاحظ غياب ابنه عن المدرسة من دون سبب. ولدى سؤاله وتوبيخه أكثر من مرة، كانت إجابته أن المدرسين أنفسهم هم من يطلبون منهم الغياب، كما أن الدراسة غير منتظمة في جميع الأحوال.
بدوره، يوضح حسام، وهو تلميذ، أن عدم وجود رقابة جادة وصارمة أدت إلى زيادة "تزويغ المدرسين" من المدارس، مشيراً في الوقت نفسه إلى زيادة انتشار الألفاظ النابية بين التلاميذ. أما حمد علي، فيقول إن ابنته تذهب إلى المدرسة، فيما لا يحضر المدرسون لشرح الدروس.
وإلى العقوبة التي يفترض اتخاذها بحق المدرسين المتغيبين، والأسباب التي تدفعهم إلى ذلك، يقول الخبير التربوي والباحث في المركز القومي للبحوث التربوية، كمال مغيث، إنه يجب أن تسأل الحكومة عن انتشار هذه الظاهرة لأول مرة بهذه الكثافة، مطالباً بوضع لائحة تنظيمية في كافة المدارس للتأكد من انضباط الجميع بمن فيهم التلاميذ. ويؤكد أن هناك كثيراً من المدرسين الذين يعمدون إلى تسجيل حضورهم ثم الانصراف إلى أعمالهم الخاصة، من دون الحضور إلى المدرسة وتأدية مهامهم. والمشكلة أن مدير المدرسة قد يكون على علم بالأمر. ويشير إلى أن عقوبة هروب المدرس من المدرسة قد تكون الاقتطاع من راتبه، علماً أن هذا الأمر تحدده لجنة الشؤون القانونية، وقد يصل الأمر إلى اقتطاع ثلاثة أيام من راتبه.
يضيف مغيث أنه في حال ثبت أن المدرس يهرب من المدرسة لإعطاء الدروس الخصوصية، يحال إلى المحكمة التأديبية لتلقّي أقصى عقاب، على أن يعاقب أيضاً مدير المدرسة والمشرف العام. ويطالب الدولة بسرعة إصلاح العملية التعليمية، كون التعليم يعد أساس التقدم في كل بلدان العالم، كما أن التخلف والانهيار الذي نعيشه يرتبط بعدم الاهتمام بالمنظومة التعليمية بشكل متكامل، أي التلاميذ والمدرسين والبنية وغيرها من التفاصيل، التي تساعد التلميذ على الدراسة، لا بل تحفّزه.
اقرأ أيضاً: 35 مليون مصري لا يجيدون القراءة