ربّما لم يكن الشاب الإريتري، خالد إدريس بحراي (20 عاماً)، يتصور أن يقتل في مدينة درسدن، شرق ألمانيا، وهو الذي نجا خلال رحلة لجوئه إلى البلاد عبر البحر المتوسط. ذلك اليوم، توجه إلى المتجر الذي يبعد نحو دقيقتين عن مكان إقامته، ليتم العثور على جثته في وقت لاحق، وقد تعرض لطعنات عدة في رقبته وصدره.
أعادت هذه الحادثة النقاش حول تفاقم العنصرية في ألمانيا، وخصوصاً أن اللاجئين على قناعة بأنه قتل على أيدي مجموعة من العنصريين، الأمر الذي ينفيه اليمين المتطرف. ويخشى كثيرون معرفة الحقيقة. فلو تبيّن أنه قتل بدافع عنصري، سيؤدي ذلك إلى زيادة حدة التوتر في البلاد. أما لو قتل نتيجة خلافات بين اللاجئين، فسيساهم ذلك في تقوية حركة "بيغيدا"، التي تدعي أن "اللاجئين ليسوا سوى مجرمين وجنائيين".
قال الشاب الذي عَثَر على جثته، لموقع "موبو 24"، إن "المشهد كان فظيعاً حين رأيته غارقاً في دمائه". في المقابل، أعلنت الشرطة لصحيفة "سوددوتشه زايتونغ": "بعد معاينتنا الموقع، لم نجد أية شيء يشير إلى وقوع أحداث عنف". اعتقدت الشرطة أن الشاب ربما توفي "نتيجة مرض أو محاولة انتحار أو غير ذلك". إلا أن استخفاف الشرطة في التعاطي مع حادثة قتل بحراي أغضب الجالية الاريترية.
بعدها، اعترفت الشرطة بحدوث جريمة قتل، من دون أن تكون الدوافع واضحة لديها. اعتراف لم يخفف من الغضب. ورأى كثيرون أن الشرطة عمدت إلى "صب الزيت على النار"، وخصوصاً أن بعض رفاق بحراي، بالإضافة إلى عدد من الناشطين الألمان، يؤكدون أن أسباب القتل عنصرية. أيضاً، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، واتهم كثيرون الشرطة بالتقصير ومحاولة التغطية على الجريمة، لأنه "مجرد لاجئ، وخوفاً من إشعال نار العنصرية في حال اعترفت بالسبب الحقيقي لوقوع الجريمة". في السياق، قال أحد القاطنين في درسدن، ويدعى لطيف، لـ"العربي الجديد": "من الواضح أن الشاب ليست لديه مشكلة مع أحد. الوضع الحالي في البلاد اليوم ليس لصالحنا نحن الأفارقة والأجانب بشكل عام. لكن الشرطة ساهمت في إثارة غضب كثيرين".
ربط لطيف بين قتل بحراي والتظاهرة اليمينية التي شهدتها المدينة بناءً على دعوة حركة "بيغيدا"، وشارك فيها أكثر من 25ألف شخص، في الليلة التي قتل فيها بحراي. أضاف: "تجنبنا الخروج وقت التظاهرة، لكن الأمور لم تكن تسير على ما يرام. كنا نشعر بأن شيئاً ما سيحدث". بعد مقتل بحراي، كثرت التعليقات العنصرية في هذه المدينة. وعلى صفحة "فيسبوك" لموقع "موبو 24" الاخباري، قال أحدهم: "خالد ليس أكثر من بيمبو أصلاً". وبيمبو هو وصف عنصري للاجئين من أصل أفريقي. فيما علّق آخرون: "بالتأكيد كان يتعاطى المخدرات فوقع من النافذة ومات، ونقص اللاجئون واحداً".
ورفضت حركة "بيغيدا" اتهامها بقتل الشاب الاريتري، وتساءلت: في حال دهس أحدهم قطة في الغد، هل ستتحمل الحركة مسؤولية ذلك؟ تجدر الإشارة إلى أن تصرفات الشرطة تذكّر بأعمال العنف التي شهدتها ألمانيا خلال السنوات الماضية، والتي أدت إلى مقتل أكثر من 11 أجنبياً معظمهم من الأتراك، من دون أن تبدي الشرطة أي اهتمام إلا حين تم إلقاء القبض على أحدهم عام 2011 بمحض الصدفة، إثر سطو مسلح فاشل على أحد المصارف. في ذلك الوقت، اعتذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمام 1200 شخص في قاعة الموسيقى في برلين، من أهالي الضحايا.
ويخشى بعض الأجانب أن تكون حادثة قتل بحراي مقدمة لأعمال عنف جديدة. تجدر الإشارة إلى أن بعض الألمان من معسكر اليسار، والناشطون في مجال حقوق الإنسان، يخشون انفلات الأمور في البلاد والدخول في متاهة ردود الأفعال. يتمنون تدخلاً سياسياً وقضائياً فورياً للجم اليمين في ظل الشعارات المحرّضة.
وتجدر الإشارة أيضاً، إلى أنه بعد مقتل الشاب الاريتري، تظاهر نحو 200 شخص في درسدن تنديداً بالحادثة، ودعوا إلى تظاهرة أخرى لمواجهة حركة "بيغيدا".
أخيراً، ألغت "بيغيدا" تظاهرة في درسدن خوفاً من "التهديد بعمل إرهابي". مرة أخرى، خرجت تظاهرة ضخمة ضمت نحو 35 ألف شخص رفعوا شعارات معادية للإسلام والمهاجرين. تجدر الإشارة إلى أن هذه التظاهرات باتت تثير مخاوف ميركل وغيرها من السياسيين الألمان، وخصوصاً أنها يمكن أن تشكل أرضية لمزيد من الاحتقان.
أيضاً، يتخوف الكثير من المهاجرين، وخصوصاً المسلمون، من وقوع مشاكل خلال التظاهرات الرافضة لوجودهم، علماً أن المساجد "لا تملك أية سلطة على هؤلاء الشباب الذين باتوا يسمعون الكثير من العبارات الاستفزازية التي لا يمكن التحكّم بنتائجها في المستقبل"، بحسب أحد الأئمة الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه.