لأن يدك ريحٌ ووجهك ريح

08 مايو 2017
ضياء العزاوي / العراق
+ الخط -

أيُّها الكاتب
سامحْ المستحيل أيُّها الكاتب هذه السطور. أصدقاؤك سيعودون وما ضاع منك سيعود. غدًا سيعود الذين تذكرتهم في النهار؛ وأنت في عتبة الباب تنتظر. دعْني أقلْ لا تبحْ باسم أمك لامرأة وحاول أن تصنع من تراب القبور تنورًا لكي تطبخ الشمس من جديد. سامحْ المستحيل وقلْ ليتني كحلٌ في عيني جنيةٍ من الأندلس؛ حتى تستطيع أن تحتمل ثقل المعاني وتحتملَ معناك في هذا المكان.



امرأة جميلة من ثمود
امرأة من ثمود تدعوني إلى روضتها الآن؛ وتقول إنها كانت طفلة حين أضاعت أهلها؛ ولا تعرف كيف ترى نفسها الآن وهي تدعوني إلى روضتها. حضارات بائدة تكتب معي وكائنات قد لا يصل صوتي إليها؛ ويكتب معي شخصٌ لا يعـرفني؛ لكنه يعـرف رائحة العشب ويعرف الماء متى تتغيـّرُ ألوانُه. امرأة من ثمود؛ كيف جاءت إليَّ وأنا جالسٌ صافنًا إلى نقطةٍ أفكرُّ بامرأةٍ في الجنوب.



أطفالٌ في منتصف الليل
أطفالٌ بوجوهٍ غريبةٍ يأتون إليَّ حاملين اليمَّ في راحةٍ وفي راحةٍ أخرى يحملون تابوتي؛ ورقابهم تنزف. لم أعرف لغتهم ولم أستطعْ أن أفهم ما ينبسون به؛ صامتين كأنهم يقولون عن أثداءٍ لم يشربوا منها؛ ثم أخذ الحليب يجري من أنوفهم؛ هل أتاك حديثُ أطفالٍ لم يعرفوا أثداء أمهاتهم. هل أتاك حديثهم أيُّها الرسولُ منحنيًا على ضفة النهر.



دورة
حطمتني أيامٌ لم تأت بعد
وحبٌّ ينهار في ذروته.
حطمتني أفكارُ هذا الصباح الجديد
وشمسٌ أشرقت من وريدي.
يومًا ما سأختار طريقًا
بين الميلاد والهرم
سأسبحُ يومًا ما
في فضاء جديد
أو أدخل في جسدٍ أقـوى
ويكون لي قلبٌ أقـوى
وعينان قويّتان
سيكون لي حبٌّ ينهار في ذروته
وأيامٌ لم تأت بعد.



أحدّقُ في المرآة
أحدقُ في المرآة فيتحوّل رأسي إلى رأسِ ذئب؛ ثم يتحوّلُ إلى كائنٍ مقنَّعٍ له قرنٌ بين عينيه. أحاول الخروج مما أنا فيه ولكنَّ المرآة تمسكُ بي وتريني شكلاً آخر؛ تريني جيفتي يلطمُ حولها أطفالٌ يلبسون عباءاتٍ سوداء؛ وفي جانبٍ آخر تريني نفسي أحدّق في رأسي الذي تحوّل في المرآة إلى رأسِ ذئب؛ ثم إلى كائنٍ له قرنٌ بين عينيه البارزتين كعينيْ قطةٍ في الظلمات.



ثلاثية
كنتُ واقفاً في الفناء، أدخن. كان الوقتُ آخر النهار؛ فسمعتُ أحدهم يشتمني ولا أعرف من أين يأتي الصوت. بغتة قفز من الجدار قزمٌ أسود له رقبة لقلق ورمى شيئاً نحو مصدر الصوت وغاب. ثم صعدتُ إلى غرفتي عبر السلالم وكانت السلالمُ تموج مثل أفعى فدخلتُ الغرفة ورأيتُ امرأة تأكلُ جيفتي في السرير وتمزّق أمعائي بأسنانها البارزة؛ وبعد ذلك تحوّل نهداها الكبيران إلى وردتين ذابلتين.



اقتلْ من هويت
اقتلْ من هويت؛ لا تكن رحيماً به؛ عذّبْه قبل أن يموت؛ اعصفْ به؛ وازأرْ عليه؛ انقضْ عليه مثل السكين الخارجة للتو من يد حدادٍ هنديّ؛ شقّقْ أعضاءه الطريّة؛ شوّهْ وجهه الجميل؛ فكلُّ هذا الجمال ينبغي أن يموت؛ وأصرخ عليكِ أن تنطقي أيتها الأرض؛ وعليك أن تجيبي كلّما ناديتُكِ أيتها الأرواح؛ لماذا سكتَّ يا كاتب؟ ــ ولّ أدبارك يا صديقي أيّها الشيطان.



في اللحد
في اللحد حين تركه أهلُه؛ حنَّ إليهم؛ وحين رفع رأسه واصطكَّ بالحجر، خرّ الحليب من أنفه ومات ثانيةً؛ مات ثانية هذا الميّت الجديد ونسي حياته السابقة؛ بقي لا يعرفُ شيئاً عن تلك الحياة؛ إنه يستعدّ الآن لكي يعيش بلا جسم؛ في عالمٍ آخـر. هكذا الوجود؛ ينبغي أن يخرَّ الحليبُ من أنفك لكي تستطيع أن تمارس حياة أخرى غيرَ التي عشتها؛ ـ ممَ هذا الصوت ومن يناديني الآن. ينبغي أن أذهب.



الجامعة يتكلم
لا تشوهْ وجه المرآة بالكلام؛ الكلامُ لا يجديك نفعًا؛ أعني الكلامَ ذا المعنى؛ فكلُّ شيء يقوم وينهار بالكلام؛ وأنت لا تمتلكُ شيئًا غير الكلام؛ إذن اسكتْ؛ دعْ روحَك ترتاحُ بعض الوقت؛ املأ قبضتك بالريح؛ لأن يدك ريحٌ ووجهك ريح؛ لأنّ الكلامَ الذي أتقنته ريحٌ ومصيرَك الذي صنعته بيدك ريحٌ؛ حتى حبُّك ريحٌ؛ والكرهُ أيضًا وتلك الصورُ التي تعصفُ برأسك ريحٌ. هذا النهارُ انتهى ومازلت تقول كلُّ شيء ريح.



يأتي أيلول
يأتي أيلول بالأفراح والأتراح إلى البيت؛ يمسد الجدران والأبواب ويذهب. يذهبُ إلى النهر حيث أنا جالسٌ على ضفة النهر؛ يأتي بأخبارٍ عن زمنٍ لم أعشْه وعن فتياتٍ لم أعرفهن ويذهب. يذهبُ إلى حديقةٍ عامةٍ في جنوب المدينة ويعبث بأحوال شخصٍ مثلي ويلقنه دروسًا عن موتى بعيدين ويذهب. يذهبُ إلى مكتباتٍ قديمةٍ تجدد معناي بين الوجود والموجود ويذهب.


* شاعر من مواليد الأهواز عام 1983

المساهمون