لا يسعنا ونحن نشاهد فيلم "قاعة جيمي"، الذي عرض أخيراً في بيروت ضمن "مهرجان الفيلم الأوروبي"، إلا أن نقارنه مع "الريح التي تهزّ الشعير"، الذي فاز بالجائزة الأولى في "مهرجان كان السينمائي"، عام 2006. ليس السبب في ذلك أن العملين للمخرج نفسه، البريطاني كين لوتش، بل أيضاً لأنهما يقاربان مكانين وزمانين متشابهين.
قد تكون المقارنة، بكل الأحوال، مجحفة بحق المخرج، الذي يُطلب منه دائماً أن يكرر السوية نفسها، إن لم يتجاوزها، وهو الأمر الذي يرفضه صاحب "أرض وحرية" ويتحداه مع كل فيلم جديد؛ ولكنه مجحف أيضاً بحق فيلم "قاعة جيمي"، الذي لم يسع إلى أكثر من مقاربة صغيرة لمرحلة محددة من حياة الناشط الشيوعي الإيرلندي جيمس غرالتون (باري وورد).
يفتتح الفيلم بعودة جيمس، أو جيمي، إلى قريته عام 1932، من نيويورك، التي انتقل إليها عام 1909. يتوق جيمي إلى العيش حياة هادئة، تحدوه رغبة بهجر العمل السياسي والاكتفاء برعاية أمه، والعناية بأرض العائلة الصغيرة. لكن الأمور لا تجري كما يشتهي؛ فعودته ترجع إليه طموحاته السابقة، وتشعل في نفسه ذكريات قديمة، خصوصاً تجاه حبيبته أوناغ (سيمون كيربي) التي هجرها بعد عودته الأولى إلى البلاد أثناء الثورة ضدّ المحتل الإنجليزي، قبل أن يغادرها ثانية ويعود إلى أميركا مع اندلاع الحرب الأهلية في إيرلندا.
لا يمرّ وقت طويل حتى يشرع جيمي بإعادة افتتاح القاعة التي حاربتها الكنيسة والمحتل الإنجليزي سابقاً، متفائلاً بتغيّر الحال مع الحكومة الجديدة، وهدوء الأوضاع بعد انتهاء الحرب. القاعة، التي توفّر لأهالي المنطقة وشبابها متنفسّاً للرقص وقراءة الأدب ومناقشته، سيتعرض افتتاحها مجدداً لمقاومة من قبل الكنيسة وحلفائها من السياسيين والإقطاعيين تصل حد التعرض لحياة جيمي ومرتادي قاعته؛ مقاومة يقودها الأب شيريدان (جيم نورتون).
المتعة البصرية التي تقترحها كاميرا كين لوتش، في سينماتوغرافيا لافتة تغنيها إلى حد بعيد الطبيعة الإيرلندية، تتكامل مع السيناريو الذي وضعه بول لافرتي، شريك لوتش في العديد من أفلامه. فالنقاش المميز الذي نحضره في الفيلم بعد قراءة أشعار ييتس، مثلاً، يذكرنا بحوارات أخرى مميزة في أعمال سابقة للوتش، كالحديث الذي تلا الاتفاق الذي أبرمه مايكل كولينز مع الإنجليز في فيلم "الريح التي تهزّ الشعير"، أو النقاش الذي رافق التصويت على شكل الحكم في قرية إسبانية في فيلم "أرض وحرية".
على أي حال، يبقى هذان الشريطان أكثر جدية وملحمية من "قاعة جيمي". رغم ذلك، يحمل فيلم لوتش الأخير كل سمات سينما المخرج اليساري، من لغة سينمائية تتكامل فيها تفاصيل المكان والأزياء والديكور مع أداء الممثلين المميّز ومشاهد طويلة مؤطرة في كوادر واسعة تعطي فسحة لكافة العناصر الرئيسية والثانوية في ما تلتقطه الكاميرا التي يمكن وصفها، تجاوزاً، بالاشتراكية.