شهدت غالبية المدن التركية توافداً للاجئين السوريين، الذين تجاوزت أعدادهم مليونين وسبعمائة ألف في مختلف أنحاء البلاد. لكنّ مدينة كيلّيس الحدودية ذهبت أبعد من ذلك، إذ إنّ تعداد اللاجئين السوريين فيها تجاوز تعداد المواطنين الأتراك. فبالإضافة إلى 90 ألف مواطن تركي يقطنون في المدينة هناك 127 ألف لاجئ سوري مسجّل. لا يسكن في المخيمات سوى 45 ألف لاجئ، مما يبرر سعي المدينة إلى الحصول على جائزة نوبل للسلام، لحسن إدارتها أزمة اللاجئين.
بعد خمس سنوات من اندلاع الثورة السورية، تغيرت معالم المدينة بشكل مضطرد. على المستوى الاقتصادي شهدت كيلّيس افتتاح أكثر من 200 متجر ومطعم سوري. وبات بإمكان زائريها ملاحظة اللافتات المكتوبة باللغة العربية في كلّ مكان. أما على المستوى الاجتماعي، فقد شهدت المدينة في العامين الأخيرين أكثر من 260 حالة زواج بين السوريين والأتراك. ينحدر معظم اللاجئين من ريف الرقة وريف حلب الشمالي، وبالذات من منطقة أعزاز، وهؤلاء يرتبطون بصلات قرابة مع سكان كيلّيس.
كما في باقي دول الجوار السوري، يعتبر التعليم من أهم المشاكل التي يعاني منها السوريون، إذ يتجاوز تعداد الأطفال السوريين في سن التعليم في كيلّيس 30 ألفاً، يتلقى معظمهم التعليم في مدارس تتبنى مناهج التعليم السورية. لكن تبقى مدرسة "الحرية" فريدة من نوعها، فقد افتتحت بالشراكة بين وزارة التعليم التركية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في محاولة لتسهيل اندماج السوريين في المجتمع المضيف. تضم مدرسة الحرية 60 طفلاً سورياً و80 طفلا تركياً ما دون السادسة، أي قبل الالتحاق بالتعليم الابتدائي.
في المدرسة يلعب الأطفال معاً ويغنون ويتعلمون الأرقام والأحرف. وكي لا يشعر الأطفال السوريون بالاغتراب والخوف، عينت المدرسة مدرّستين سوريتين هما هبة جفال وبسمة الأبرص، كي تدرّسا الأطفال السوريين اللغة التركية.
تعيش الأبرص في كيلّيس منذ عامين. هي خريجة قسم اللغة التركية في جامعة حلب. تؤكد أنّ الأطفال تزاداد ثقتهم بأنفسهم عندما يتعلمون اللغة التركية، فيستطيعون التعبير براحة أكبر. تقول: "بالنسبة للأطفال السوريين فإنّ تركيا تعني بلداً جديداً ولغة جديدة. في بداية التحاقهم بالمدرسة كانوا يعانون من صعوبات عديدة كالخجل والخوف والانزواء، لكن الآن تغيرت الأمور بعد أن بدأوا تدريجياً بتعلم اللغة التركية. الأطفال يتعلمون اللغة بسرعة مذهلة، حتى إنّ الزائر التركي إلى المدرسة لن يستطيع تمييز بعض الأطفال السوريين عن الأتراك".
تضيف: "يندمج الأطفال السوريون والأتراك في المدرسة من خلال اللعب وغيره. حتى إنّنا نقرأ لهم قصصاً باللغتين العربية والتركية، ونغني باللغتين. وهكذا يكسر حاجز اللغة بين الطرفين".
اقــرأ أيضاً
أما عائشة وهي معلمة تركية في المدرسة نفسها، فتقول: "عانيت في البداية من صعوبات في التواصل مع الأطفال السوريين. ولأني من أصول عربية، وكنا نتحدث العربية في المنزل، فقد ساعدني الأطفال على تطوير لغتي العربية، فبت أتحدثها بشكل أفضل. لكن بمرور الوقت لم نعد نستطيع التمييز بين التلاميذ الأتراك والسوريين في ما يخص اللغة".
في مقابل هذا المستوى من الدمج، هناك الكثير من الحساسية بين المجتمع المضيف واللاجئين. فالأترك يتهمون اللاجئين بتدمير اقتصاد مدينتهم، وسرقة وظائفهم وأعمالهم، بل ورفع أسعار إيجارات المنازل. بينما يتهم اللاجئون السكان المحليين باستغلال أوضاعهم، ورفع الأسعار، وتشغيلهم بأجور منخفضة للغاية.
يؤكد المواطن التركي محمد جكين أنّ وصول اللاجئين ترافق مع ارتفاع خيالي في تكاليف الحياة. يقول: "قبل خمس سنوات، كان الحصول على منزل للإيجار أمراً سهلا للغاية. لم تكن أسعار الإيجارات تتجاوز 300 ليرة تركية (100 دولار أميركي). أما الآن فإنّ الإيجارات في كيلّيس الصغيرة لا تختلف عن مدينة إسطنبول، وباتت تتجاوز 400 دولار، هذا إن وجدت منزلاً. كما أنّ فرص العمل تأثرت، فبعد مجيء السوريين وقبولهم العمل بأجور منخفضة لم نعد نستطيع الحصول على عمل مناسب لنا. كذلك، بدأ السوريون افتتاح محال تجارية في المدينة، وباتوا يضاربون علينا".
أما ماهر، وهو لاجئ سوري من حلب يمتلك مطعماً في المدينة، فيقول: "كلما سقطت قذيفة على المدينة من الاشتباكات على الحدود، يتوجه المواطنون الأتراك باللوم إلينا. بالإضافة إلى قائمة الاتهامات التي لا تنتهي، يشعر اللاجئ بعدوانية غير مبررة. نحن هربنا من القذائف بحثاً عن حياة آمنة، ووجودنا هنا يحرك الاقتصاد. ندفع الضرائب ونحصل على تراخيص لمحالنا، ما ذنبنا إن كان السكان المحليون لا يجيدون التجارة والعمل!؟".
بدوره، يقول عمدة كيلّيس حسن قارة إنّ اللاجئين ضيوف يتقاسم معهم السكان جميع ما يملكون. لكنّه يعترف في الوقت نفسه، أنّ من غير السهل استقبال هذا العدد الهائل من الناس في المدينة، على صعيد البنية التحتية والخدمات والسكن وفرص العمل.
اقــرأ أيضاً
بعد خمس سنوات من اندلاع الثورة السورية، تغيرت معالم المدينة بشكل مضطرد. على المستوى الاقتصادي شهدت كيلّيس افتتاح أكثر من 200 متجر ومطعم سوري. وبات بإمكان زائريها ملاحظة اللافتات المكتوبة باللغة العربية في كلّ مكان. أما على المستوى الاجتماعي، فقد شهدت المدينة في العامين الأخيرين أكثر من 260 حالة زواج بين السوريين والأتراك. ينحدر معظم اللاجئين من ريف الرقة وريف حلب الشمالي، وبالذات من منطقة أعزاز، وهؤلاء يرتبطون بصلات قرابة مع سكان كيلّيس.
كما في باقي دول الجوار السوري، يعتبر التعليم من أهم المشاكل التي يعاني منها السوريون، إذ يتجاوز تعداد الأطفال السوريين في سن التعليم في كيلّيس 30 ألفاً، يتلقى معظمهم التعليم في مدارس تتبنى مناهج التعليم السورية. لكن تبقى مدرسة "الحرية" فريدة من نوعها، فقد افتتحت بالشراكة بين وزارة التعليم التركية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في محاولة لتسهيل اندماج السوريين في المجتمع المضيف. تضم مدرسة الحرية 60 طفلاً سورياً و80 طفلا تركياً ما دون السادسة، أي قبل الالتحاق بالتعليم الابتدائي.
في المدرسة يلعب الأطفال معاً ويغنون ويتعلمون الأرقام والأحرف. وكي لا يشعر الأطفال السوريون بالاغتراب والخوف، عينت المدرسة مدرّستين سوريتين هما هبة جفال وبسمة الأبرص، كي تدرّسا الأطفال السوريين اللغة التركية.
تعيش الأبرص في كيلّيس منذ عامين. هي خريجة قسم اللغة التركية في جامعة حلب. تؤكد أنّ الأطفال تزاداد ثقتهم بأنفسهم عندما يتعلمون اللغة التركية، فيستطيعون التعبير براحة أكبر. تقول: "بالنسبة للأطفال السوريين فإنّ تركيا تعني بلداً جديداً ولغة جديدة. في بداية التحاقهم بالمدرسة كانوا يعانون من صعوبات عديدة كالخجل والخوف والانزواء، لكن الآن تغيرت الأمور بعد أن بدأوا تدريجياً بتعلم اللغة التركية. الأطفال يتعلمون اللغة بسرعة مذهلة، حتى إنّ الزائر التركي إلى المدرسة لن يستطيع تمييز بعض الأطفال السوريين عن الأتراك".
تضيف: "يندمج الأطفال السوريون والأتراك في المدرسة من خلال اللعب وغيره. حتى إنّنا نقرأ لهم قصصاً باللغتين العربية والتركية، ونغني باللغتين. وهكذا يكسر حاجز اللغة بين الطرفين".
أما عائشة وهي معلمة تركية في المدرسة نفسها، فتقول: "عانيت في البداية من صعوبات في التواصل مع الأطفال السوريين. ولأني من أصول عربية، وكنا نتحدث العربية في المنزل، فقد ساعدني الأطفال على تطوير لغتي العربية، فبت أتحدثها بشكل أفضل. لكن بمرور الوقت لم نعد نستطيع التمييز بين التلاميذ الأتراك والسوريين في ما يخص اللغة".
في مقابل هذا المستوى من الدمج، هناك الكثير من الحساسية بين المجتمع المضيف واللاجئين. فالأترك يتهمون اللاجئين بتدمير اقتصاد مدينتهم، وسرقة وظائفهم وأعمالهم، بل ورفع أسعار إيجارات المنازل. بينما يتهم اللاجئون السكان المحليين باستغلال أوضاعهم، ورفع الأسعار، وتشغيلهم بأجور منخفضة للغاية.
يؤكد المواطن التركي محمد جكين أنّ وصول اللاجئين ترافق مع ارتفاع خيالي في تكاليف الحياة. يقول: "قبل خمس سنوات، كان الحصول على منزل للإيجار أمراً سهلا للغاية. لم تكن أسعار الإيجارات تتجاوز 300 ليرة تركية (100 دولار أميركي). أما الآن فإنّ الإيجارات في كيلّيس الصغيرة لا تختلف عن مدينة إسطنبول، وباتت تتجاوز 400 دولار، هذا إن وجدت منزلاً. كما أنّ فرص العمل تأثرت، فبعد مجيء السوريين وقبولهم العمل بأجور منخفضة لم نعد نستطيع الحصول على عمل مناسب لنا. كذلك، بدأ السوريون افتتاح محال تجارية في المدينة، وباتوا يضاربون علينا".
أما ماهر، وهو لاجئ سوري من حلب يمتلك مطعماً في المدينة، فيقول: "كلما سقطت قذيفة على المدينة من الاشتباكات على الحدود، يتوجه المواطنون الأتراك باللوم إلينا. بالإضافة إلى قائمة الاتهامات التي لا تنتهي، يشعر اللاجئ بعدوانية غير مبررة. نحن هربنا من القذائف بحثاً عن حياة آمنة، ووجودنا هنا يحرك الاقتصاد. ندفع الضرائب ونحصل على تراخيص لمحالنا، ما ذنبنا إن كان السكان المحليون لا يجيدون التجارة والعمل!؟".
بدوره، يقول عمدة كيلّيس حسن قارة إنّ اللاجئين ضيوف يتقاسم معهم السكان جميع ما يملكون. لكنّه يعترف في الوقت نفسه، أنّ من غير السهل استقبال هذا العدد الهائل من الناس في المدينة، على صعيد البنية التحتية والخدمات والسكن وفرص العمل.