شغل حضور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الكثير من المتخصصين في الإعلام والشبكات الرقمية، باعتبار قدرات التنظيم الإعلامية "استثنائية" بالمقارنة مع التنظيمات "الجهادية" الأخرى، فقد استغلها في تجنيد عناصر جدد، ونشر دعاية التنظيم، وجمع تمويل لأعماله، الأمر الذي جعل التنظيم يولي أهمية مضاعفة لحضوره الإعلامي، ولا سيما عبر شبكات الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما لم ينتبه إليه موقعا "فيسبوك" و"تويتر" إلا حديثاً، وبدأا بمواجهة عناصر داعش، والمتعاطفين معهم، ابتداءً من أواخر عام 2014، بعد سيطرة التنظيم على مدينة الموصل العراقية.
يرى، جاريد كوهين، المتخصص في مواجهة التطرف إلكترونيًا، وأحد قيادات شركة "غوغل"، أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) هو "أول مجموعة إرهابية تتمكن من الهيمنة على مساحات من شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى سيطرتها على مساحات شاسعة على الأرض"، وأنها بذلك تحدد التوجه العام للجماعات الإرهابية بعدها، والتي ستولي "تمددها الرقمي" أهمية تفوق "سيطرتها على الأرض" وذلك في مقالة بعنوان "مواجهة التمرد الرقمي" نشرته مجلة "فورن أفيرز" أخيرا.
وتكتسب مواجهة تنظيم "داعش" أولوية مضاعفة، بحسب الكاتب، نظراً لأنّ التنظيم استخدم، وبشكل غير مسبوق، شبكة الإنترنت، من أجل "ترويج أفكاره، واستقطاب مقاتلين جدد". ويُعتقد بأنّ التنظيم قام بتجنيد "قرابة 20 ألف مقاتل أجنبي، 4آلاف منهم ينحدرون من الدول الغربية". ويعيد المقال الاعتبار إلى قدرات التنظيم الدعائيّة باعتبارها "ألهمت أتباع التنظيم القيام بعمليات إرهابية من دون الحاجة إلى السفر إلى منطقة الشرق الأوسط".
ويضيف الكاتب أنّ "داعش" قام باستخدام طرقه الدعائية في الحرب النفسية. ويستشهد بما فعله عناصر من التنظيم قبيل السيطرة على مدينة الموصل العراقية، فقد قاموا بـ "حملات عبر الإنترنت، تضمنت نشر كتابات، وصوراً، وفيديوهات، تهدّد سكان المدينة العراقية، بتلقيهم دمارًا لا مثيل له"، الأمر الذي سهل من سيطرة التنظيم على المدينة في يونيو/حزيران 2014، وساهم في تسليم القوات العراقية الموصل من دون قتال، خوفًا من ارتكاب التنظيم مجازر بحقهم.
يؤكد كوهين، أنّ "مواجهة جهود "داعش" عبر الإنترنت، ستقلّل من نجاحاته على أرض المعركة". وينتقد طريقة التعاطي مع حملات "داعش" على شبكة الإنترنت باعتبارها "محدودةً جداً"، وتقتصر على "صناعة سرديّة مضادة للأفكار المتطرفة"، بدلاً من الدخول في "مواجهة مفتوحة وواسعة النطاق" يقترحها الكاتب من أجل "تهميش التنظيم رقمياً".
يؤكد الكاتب، والذي عمل لفترة مع الإدارة الأميركيّة، ووزيرة الخارجية السابقة، المرشحة للرئاسة الأميركيّة والطامحة للحصول على تسمية الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، أنّ الخطوة الأولى في هذه الحرب الرقمية تتمثل في فهم الأعداء". ويضيف: "وسائل التواصل الاجتماعية هي فقط رأس جبل الجليد". إذ يتحدث الكاتب عن استخدام "داعش" لكلّ إمكانات شبكة الإنترنت، بما فيها "الرسائل المشفرة" و"غرف المحادثات المغلقة"، ويؤكد في هذا السياق أهمية "معرفة من يقف خلف قدرات داعش في تسويق نفسه"، مقللاً من أهميّة "إغلاق حسابات التنظيم في وسائل التواصل الاجتماعي" كما حدث في مواقع "تويتر" و"فيسبوك"، باعتبار أنّ الأهم هو دراسة من يقف خلف تسويق "داعش"، وفهم دوافعهم واستراتيجيتهم من خلال "معرفة التراتبية الهرمية للتنظيم".
يشبّه الكاتب عدم فهم من يقفون خلف حملات التنظيم الإلكترونية، وكأنها "معرفة حجم الأراضي التي تسيطر عليها مجموعة مسلحة، دون معرفة نوعية المقاتلين الذين يسيطرون على الأرض". معتبرا أن هذه من أهم إخفاقاتنا في مواجهة التنظيم رقميا.
ويرى الكاتب بأن استراتيجية "داعش" الإعلاميّة تختلف عن استراتيجية تنظيم "القاعدة"، فبينما كان الأخير "يعمل عبر خلايا منفصلة لا تعرف بعضها" فإن إعلام داعش "يتعامل وكأنه شركة". ويسجل الكاتب ملاحظة مهمة في هذه النقطة، مفادها أن تفوّق "داعش" في تنظيم نشاطاته الرقميّة "عزز من تأثير حملاته بغضّ النظر عن محدوديّة أعداد القائمين عليها".
ويلاحظ الكاتب أن مناصري داعش يستفيدون من "حرية التعبير" المكفولة قانونيًا في أغلب الدول، باعتبار أن "الانضمام للتنظيم عمل مجرم، بينما نشر الأفكار المتطرفة عبر الإنترنت أمر قانوني"، بحسب ما يرى.
ويتحدث الكاتب عن "هرم" داعش الرقمي، والذي يعتبر العمود الفقري لعمليات داعش "الإلكترونية"، ويتكون من أربعة أنواع من المقاتلين، على رأسهم "قادة التنظيم في الفضاء الإلكتروني والذين يعطون الأوامر بالنشر ويزودون مصادرهم بالمحتوى والمواد الإعلامية". أما المستوى الثاني فيشمل "مناصري داعش الذي يتلقون الأوامر من القادة وقد يكونون منخرطين في عمليات داعش على الأرض، أو يكتفون بمناصرته رقمياً" وهؤلاء إما أعضاء في التنظيم أو متصلون بأعضائه بصورة مباشرة، وهم يتلقون الأوامر من المسؤولين عن الدعاية الرقمية للتنظيم بشكل مباشر.
المستوى الثالث من هرم داعش الإعلامي، يشمل "مقاتلين رقميين من المتطرفين المتعاطفين مع أفكار التنظيم" وهم يختلفون عن المستوى الثاني، باعتبار أنهم لا ينتمون لداعش، ولا يتلقون الأوامر من قادته. أما المستوى الرابع من "مقاتلي داعش الرقميين"، فيشمل التطبيقات الإلكترونية التي تقوم باستخدام آليات "النشر الآلي" واستخدام استراتيجية إغراق مواقع الإنترنت بمواد تتعلق بالتنظيم وعملياته.
الطريقة المثلى لمواجهة داعش رقمياً، بحسب الكاتب، تتمثل في "تهميش عناصره" و"جعل وجودهم في الإنترنت غير ملاحظ" ودفعها باتجاه شبكات الإنترنت البعيدة عن "التيار العام" والتي تعرف بـ "الشبكات المظلمة" وبذلك يتم التضييق على استخدامها الإنترنت في "التجنيد" و"نشر الدعاية".
الأمر الذي يتطلب "إقامة تحالفات واسعة حكومية وأهلية، ويشارك فيها أفراد، لمواجهة مخاطر التنظيم الرقمية"، والخطوات اللاحقة تشمل فصل مناصري التنظيم رقمياً، عن قادته، وفهم "خرائط داعش الرقمية" والحسابات التابعة للتنظيم، وتمييزها عن حساباته الآلية، تمهيداً لمواجهتها وإغلاقها، بحيث لا تبقى للتنظيم قدرة على بث دعايته لملايين البشر يومياً.