كيف نفهم الاندماج؟

03 اغسطس 2016
+ الخط -
كانت أمي ترفض أن ننام في بيت آخر غير بيتنا؛ وكانت تعتبر أنّ ذلك يحمينا من اكتساب عادات، أو أخلاق لا تريدها لنا!
وكنا، وللحق، نكره ذلك كثيراً، ونعتبر أمي حجرية التفكير، وكنّا ننظر بعين المتلهف لأولئك الذين حباهم الله أسراً منفتحة العقل، تسمح لهم بالنوم والسفر للآخرين.
وكلّما سمحت لنا الفرصة، كنّا نقول لأمي: حرمنا من أبسط حقوقنا، وهو الاندماج الكبير مع الآخرين.
وجاءت الحرب، وفرضت على كثيرين الهجرة، وصار لزاماً على المهاجرين تقبّل المجتمع الجديد، والاندماج معه، لكن، هل فهم المهاجرون معنى الاندماج، أو بعبارة أخرى، هل هو ما يريدون حقاً؟
تحدّثنا كتابات الذين أجبرتهم ظروف الحرب على اللجوء عن قصص وروايات وهموم وشجون كبيرة تخص مسألة اندماجهم، فداخل منزلك فقط أنت حرّ، بأن تكون ذلك العربي المحمّل بوصايا والديه، وأما خارج ذلك المنزل فعليك اختيار الصورة الأكثر ملاءمةً للواقع الذي تحياه، ولا أقصد هنا الشكل الخارجي، وإنما تقبّل عادات المجتمع الجديد، وسلوكياته.
ولسنا هنا بصدد تقييم تلك العادات، أو السلوكيات؛ لكنّنا نوّد الإشارة إلى أنّ كثيرين من العرب المهاجرين فهموا قضية الاندماج على أنّها، تقمّص الشكل الخارجي للإنسان الأوروبي من لباس التيشرت وركوب البسكليت، وتعلّم الرقص الصاخب في الملاهي الليلية، دون أن يستوعب، أو يفكر لبضعة دقائق يومية بشأن الحضارة والعمران والتطوّر التكنولوجي الذي وصل إليه الإنسان الغربي.
بكلمات أخرى: لم يذهلنا من تلك الحضارة إلا القشور، فالشاب الذي أمضى ليلته في الملاهي الليلية الغربية، هو نفسه الشخص الذي قد يرتكب جريمة شرف بحق أخته، إن هي طالبت بحق التعلّم في إحدى الولايات البعيدة عن ولايته، أو حتى في دولةٍ أخرى، ولانريد هنا أن نتسرّع فنقول فشلنا في الاندماج، لأنّنا نعتقد أنّنا لازلنا في بداية الطريق، وأنّ الحكم بذلك هو حكم تعسفي لا منطقي بسبب سرعته!
ليس المطلوب تهميش كل ما ورثناه عن آبائنا من قيم وأخلاقيات من جهة، ولا تبني أخلاقيات الحضارة الجديدة بشكل أعمى وأحمق وأهوج؛ وإنّما ما نأمله حقاً أن يحمل الإنسان العربي لذلك المجتمع قيمه وأخلاقه الجميلة التي اكتسبها، وأن يترك بصماته الإيجابية في ذلك المجتمع الذي عرف تماماً أبناؤه كيف يطوّروه.
هي فرصة ذهبية للإنسان العربي وضعته، وعلى الرغم من كل الظروف التي كانت سبباً في هجرته، أمام تحديات الكينونة الجديدة، وبناء الشخصية الحضارية التي تجمع بين القيم والمعاصرة الرائعة التي تمكن ذلك الإنسان من تجاوز كل المطبّات التي مرّت بها روحه، وتساعده في بناء شخصية جديدة، لكنّها أصيلة وفاعلة وتستحق التقدير، وتبعد عنه في ذات الوقت كلّ الصور المسبقة الموجودة في ذهن المجتمعات الأخرى.
الاندماج مع الحضارات الأخرى حقٌ ضروري، بل وواجب، وهو لا يلغي شخصيتك، ولا يلبسك ثوباً فضفاضاً؛ وإنما يمنحك رحلة طريفة وجديدة لذاتك عبر قارات ستمنحك الكثير من العطاءات التي إن عرفت كيف تقيّمها، ستكون إضافةً جميلة لكل ما حلمت به ذاتك، أو طمحت إليه.
ABC99897-CFDB-4E99-A44B-6CE304011C62
ABC99897-CFDB-4E99-A44B-6CE304011C62
يسرى السعيد (سورية)
يسرى السعيد (سورية)