مكانة المدرسة
لا يشعر الأبناء أن للمدرسة قيمة حقيقية مضافة في حياتهم - اللهم إلا الوقت الذي يقضونه مع الأقران بين الدروس وفي الفسحة (الفرصة). ويرجع هذا الأمر إلى أن التعليم المدرسي أصبح بصورة كبيرة ومتزايدة منفصلاً عن الحياة المعاشة للأبناء، فلا هم فهموا ارتباط الكيمياء العضوية بحياتهم أو تأثير تضاريس الإقليم الاستوائي على معيشتهم، ولا هم تذوقوا الأدب الحديث ولا أحسوا بأي ارتباط عاطفي نحو الأدب والشعر الجاهلي. بل الحصيلة في أغلب الأحيان هي "كره الدراسة بكافة أشكال موادها الدراسية".
ولحل هذه المشكلة، هناك ثلاثة أمور أساسية يجب تطبيقها لو أردنا أن نعيد للمدرسة مكانتها في نفوس الأبناء:
أولاً: نبني بداخلنا نحن - أولياء الأمور والمهتمين بالعملية التربوية - قناعة داخلية مفادها أن استعادة المدرسة لقيمتها ومكانتها في وجدان الأبناء أمر ضروري، للحفاظ على التوازن النفسي للأبناء.
ثانياً: إدراك أن التعامل مع مهمة استعادة المدرسة لمكانتها في نفوس الأبناء أمر صعب ولكنه ليس مستحيلاً، يستصعبه الغالبية لأنهم يتخيلون بصورة خاطئة أنه سوف يوقعهم في المحظور، محظور تجميل الواقع والكذب على الأبناء باختلاق قيم وإيجابيات، وصور وردية ليست سوى محض افتراء، إلا أن المطلوب هو التعامل مع الواقع بكل مرارته بإنصاف وبقدر كبير من الحكمة.
ثالثاً: الاعتراف بأن علينا دوراً يمكن أن نقوم به مع المدرسة (حتى ولو كان بسيطاً للغاية) كي نساعد المدرسة في القيام بدورها، وأن دورها ليس منفصلاً عن دور البيت في بناء الشخصية البناءة والمفيدة لمجتمعها.
وفيما يلي خطوتان مهمتان في سبيل استعادة المدرسة لمكانتها، وسوف يتضح أن أغلب العمل التربوي هنا يركز على الجانب المشاعري أو العاطفي لشخصية الأبناء وليس المعرفي أو المهاري بالمرة، المدرسة أصبحت إلى حد ما غير محببة لدى الأبناء والتعامل مع هذه المشاعر دون القدرة على تغيير واقع المدرسة الحالي يعني التعامل مع الأمر من مدخل المشاعر والعاطفة.
1- نزع فتيل الكره
لا بد أن يفهم الأبناء أن للمدرسة - مهما كان مستواها متدنياً - دوراً مهما في الحياة لأنه دور مرتبط بـ "العلم"، وأن الدور الأصلي هو مساعدة ودعم الأبناء في التحصيل العلمي. وأن المعلم - حتى وإن كان غير كفؤ - فمهمته الأساسية هي الإرشاد لوسائل التعلم وسبل بناء المعارف لدى أبنائنا. بالطبع الكلام عن دور المدرسة ومهمتها ووظائفها الأصلية لن يعيد لها مكانتها وهيبتها، ولكنه قد يساعد في فهم أنها منظومة بنيت في الأصل لمساعدته "هو" والارتقاء به ودعمه في بناء شخصيته.
ولكن التوقف عند هذا القدر سوف يكون تصرفاً تربوياً مخلاًّ، لأن المعلومة غير مكتملة ومجتزئة، ولا بد من الإشارة إلى أن انهيار المنظومة التعليمية ليس أمراً يخص المدرسة نفسها أو حادثاً لها هي وحدها ولكنه انعكاس لما وصل إليه المجتمع ككل، وعلى سبيل المثال يتم الحوار عن هذا الأمر بالصورة التالية:
الابن: معلم الرياضيات فاشل، أنا لا أفهم، هو لا يحب التلاميذ كثيري الأسئلة ولكن ماذا أفعل؟ أريد أن أفهم؟
الأم: قد يكون غير قادر على توصيل المعلومة لك لأن هناك أموراً كثيرة تعيقه، الفصل المكتظ، التلاميذ غير المبالين والمشاغبون، المنهج الطويل مقارنة بالوقت، لك كل الحق، من حقك أن تفهم ولكن لا تسب المعلم. أنت لست في مكانه كي تدرك حجم المعاناة والتعب الذي يتكبده كي يساعدك على الأقل في التعرف على مكونات المنهج ومحاولته في مساعدتك.
من المهم أن ننزع فتيل " المشاعر السلبية" تجاه المدرسة، حتى تستقيم تصرفات الأبناء مع الإدارة والمعلمين، هذا أولاً.
2- استعادة الاتزان
ثم تأتي محاولة تحويل هذه المشاعر السلبية إلى مشاعر متزنة وليست بالضرورة مفعمة بالحب
الفياض ولكنها مشاعر متزنة نحو إدارة ومعلمين يحاولون أن يقوموا بدورهم في واقع وظروف - أقل ما يقال عنها إنها- صعبة. ويمكن هنا للأهل أن يساعدوا أبناءهم من خلال "تقديم المثل الحي والواقعي" لكيفية التعامل مع الأمور السلبية ومحاولة النهوض بها للخروج من عثرتها. وليس من قبيل الأمر البسيط أو الهامشي أن يقوم أحد الوالدين بزيارة المدرسة والتواصل مع الهيئة المدرسية، للسؤال عن كيفية مساعدتهم ودعمهم بما هو متاح من مجهود ووقت.
ولنا في بعض التجارب الآتية من الدول الغربية مثال في هذا الأمر، حيث يطلب من كل ولي أمر أن يأتي يوماً في السنة ويتكلم عن مهنته ويجيب عن تساؤلات الأبناء عن المهنة ومتطلباتها. كما يمكن التطوع للقيام ببعض الأنشطة المهارية واللاصفية للأبناء، حتى يتم إضفاء جو من المرح أثناء العملية التعليمية أو بعدها، كما يمكن مساعدة المعلمين أثناء الرحلات المدرسية، ففي بعض الأحيان يتم حذف بند "الرحلات" لعدم قدرة معلم واحد أو معلمين على السيطرة على الأعداد الكبيرة لصف أو صفين، وبالتالي وجود مساعدة خارجية قد يعيد بند الرحلات المدرسية إلى قائمة الأنشطة الممارسة في المدرسة.
وفي نهاية الأمر، لا بد مرة أخرى من أن نبدأ بأنفسنا من خلال بناء قناعة داخلية بأن علينا دوراً مهماً في استعادة مكانة وهيبة المدرسة في نفوس الأبناء، وبأن تركهم لمشاعرهم السلبية أمر مؤذ على المستوى النفسي، لما يبنيه من مشاعر بعدم الجدوى وإضاعة الوقت والحياة هباء منثوراً، ومشاعر النقمة على المعلمين والهيئة الإدارية، والتي لو تطورت وتفاقمت بصورة سلبية في مرحلة المراهقة يمكن أن تؤدي إلى سوكيات وتصرفات غير محمودة.