سؤال كبير، ربما يكمن في عدم القدرة على إجابته جزء كبير من إخفاقات الثورة المصرية، من يحكم هذا البلد، وكيف؟ سؤال في الغالب تجيب عنه الثورات الناجحة، أو على الأقل، تلك التي يستطيع أصحابها أن يحكموا، سواء نجحوا في تفعيل قيم الثورة، أم استمروا كامتداد لمن سبقهم، مجرد وصولهم، وتمكنهم يعد بالنسبة إليهم نجاحاً في انتزاع السلطة ممن ثاروا عليهم، وهو ما لم يحدث في مصر بالتأكيد.
في تصوري، إن الإخوان المسلمين لم يفشلوا لأنهم استخدموا نهجاً إصلاحياً في سياق ثوري فحسب، إنما لأنهم ساروا على هذا النهج من دون إضاءة حقيقية، من أين، وإلى أين؟ الإخوان تعاملوا مع الثورة بوصفها (ثابتاً) في معادلة الحكم لن يتغير، مثلنا جميعاً، حين ظننا أن لا أحد يستطيع تجاوزنا وأنه يمكننا تنحية الإخوان كما نحينا مبارك، والعودة إلى النقطة 11 فبراير بسهولة، ومن لم يقدر عليه مبارك لن يقدر عليه عساكره، إلى آخر هذا الهراء.
الحاصل، أن الإخوان ملكوا مجازاً، ولم يحكموا حقيقة، إذ إن كل مفاتيح دولة مبارك، المستمرة إلى الآن في إدارة شؤون البلاد، ليست معهم، بالأحرى، هم لا يعرفون عنها أي شيء، لا يعرفون حتى: مع من؟ وممن يتوجب انتزاعها، وفك طلاسمها، أو إعادة توزيعها على وحدات السلطة الجديدة؟
رحل مبارك "الشخص"، وبقي مبارك "المضمون"، وظلت دولته بشقيها، "رجال الأعمال"، و"العسكر"، يعملان معاً لتفكيك رمزية الثورة المصرية، وهيمنتها على "الشعبي"، دون "النخبوي"، إذ لا خطر من وراء هذا الأخير وما أسهل السيطرة عليه، إلى أن وصلنا بالشعبي والنخبوي معاً إلى النقطة: 30 يونيو/حزيران، حيث تفوُّق الثورة المضادة واستردادها للمشهد بأكمله، دون الحاجة إلى صراع بين حق "الرمزي" و"هيمنة" الواقعي.
هنا، بدأ صراع من نوع جديد في الأفق بين جناحي الانقلاب، دولة رجال الأعمال، أو جناح جمال مبارك كما يسميه بعضهم، ودولة العساكر، الذين يرون أحقيتهم بالانفراد، و"الاستفراد" بمقاليد كل شيء، فهم من فعّلوا كل الجهود المبذولة منذ 11 فبراير/شباط 2011 إلى 3 يوليو/تموز 2013 بقوة السلاح، أما باقي "الأفنديات" فهم دبوس في عروة الجاكيت الميري، إلا أن الجنرالات استطاعوا أن يحسموا لصالحهم عن طريق وعود مؤجلة بتقسيم كعكة "مبارك" بما يفي بمتطلبات كل فريق، وهو ما عجزوا عن الوفاء به لاحقاً، بعد تنصيب الجنرال الأخير، ليستأنف الصراع من جديد.
المحطتان الأكثر فجاجة في هذا الصراع، هما انتخابات الرئاسة، والانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي طرحت بدورها إجابة عملية عن السؤال: من؟ دون إجابة وافية في تصوري عن: كيف؟
في انتخابات الرئاسة بدا أن المصريين شعب "مستقيل" بطبعه، لا أحد يريد النزول إلا إذا صدق، فتحمس، فشارك، الثورة فعلت ذلك بمدها الجارف، من دون وسائل مساعدة، وهو ما احتاج الإعلام المباركي/ العسكري لعامين من التعبئة المتواصلة، والإنفاق بلا سقف عبر ماكينات الدولارات النفطية، لمجاراته، ولو رمزياً، على سبيل التقليد، ثورة "صيني" زائفة، يمكنها أن تمنحنا "اللقطة" من دون مضامينها النضالية، لنركب عليها إرادة شعبية "فوتوشوب" تتسبب في إقالة أول رئيس منتخب!
الأمر نفسه تكرر في انتخابات البرلمان الأخيرة، حيث وجه السيسي الدعوة بنفسه للناخبين، ليردوا عليه بالتجاهل التام، وينتخبوا عبر هاشتاغ: #محدش_راح، فيما بدا لبعضهم قرار إقالة من دولة مبارك للسيسي، بدعم إقليمي ودولي، بينما رآه آخرون تصعيداً في شكل الصراع بين جناحي الانقلاب، سرعان ما سينتهي حال تقديم السيسي لمزيد من التنازلات.
ويبقى سؤال الثورة: كيف؟ كيف يعمل هؤلاء إلى الدرجة التي يبدو معها كل شيء في يدهم حين يريدون؟ صدقاً أو كذباً، هو الإعلام؟ مؤسسات الدولة؟ ولاءات لا تستدرج ولا تنتهي؟ عبر ماذا؟ وبماذا؟ كيف يمكن تفكيك هذه المنظومة، والاعتداء على مفاعيلها، ونزع فتيل السيطرة، الإجابات الواضحة تحمل مستقبل الحراك القادم، أو بالأحرى مستقبل نجاحاته المنتظرة، والغائبة إلى هذا السطر غير الأخير.
(مصر)
في تصوري، إن الإخوان المسلمين لم يفشلوا لأنهم استخدموا نهجاً إصلاحياً في سياق ثوري فحسب، إنما لأنهم ساروا على هذا النهج من دون إضاءة حقيقية، من أين، وإلى أين؟ الإخوان تعاملوا مع الثورة بوصفها (ثابتاً) في معادلة الحكم لن يتغير، مثلنا جميعاً، حين ظننا أن لا أحد يستطيع تجاوزنا وأنه يمكننا تنحية الإخوان كما نحينا مبارك، والعودة إلى النقطة 11 فبراير بسهولة، ومن لم يقدر عليه مبارك لن يقدر عليه عساكره، إلى آخر هذا الهراء.
الحاصل، أن الإخوان ملكوا مجازاً، ولم يحكموا حقيقة، إذ إن كل مفاتيح دولة مبارك، المستمرة إلى الآن في إدارة شؤون البلاد، ليست معهم، بالأحرى، هم لا يعرفون عنها أي شيء، لا يعرفون حتى: مع من؟ وممن يتوجب انتزاعها، وفك طلاسمها، أو إعادة توزيعها على وحدات السلطة الجديدة؟
رحل مبارك "الشخص"، وبقي مبارك "المضمون"، وظلت دولته بشقيها، "رجال الأعمال"، و"العسكر"، يعملان معاً لتفكيك رمزية الثورة المصرية، وهيمنتها على "الشعبي"، دون "النخبوي"، إذ لا خطر من وراء هذا الأخير وما أسهل السيطرة عليه، إلى أن وصلنا بالشعبي والنخبوي معاً إلى النقطة: 30 يونيو/حزيران، حيث تفوُّق الثورة المضادة واستردادها للمشهد بأكمله، دون الحاجة إلى صراع بين حق "الرمزي" و"هيمنة" الواقعي.
هنا، بدأ صراع من نوع جديد في الأفق بين جناحي الانقلاب، دولة رجال الأعمال، أو جناح جمال مبارك كما يسميه بعضهم، ودولة العساكر، الذين يرون أحقيتهم بالانفراد، و"الاستفراد" بمقاليد كل شيء، فهم من فعّلوا كل الجهود المبذولة منذ 11 فبراير/شباط 2011 إلى 3 يوليو/تموز 2013 بقوة السلاح، أما باقي "الأفنديات" فهم دبوس في عروة الجاكيت الميري، إلا أن الجنرالات استطاعوا أن يحسموا لصالحهم عن طريق وعود مؤجلة بتقسيم كعكة "مبارك" بما يفي بمتطلبات كل فريق، وهو ما عجزوا عن الوفاء به لاحقاً، بعد تنصيب الجنرال الأخير، ليستأنف الصراع من جديد.
المحطتان الأكثر فجاجة في هذا الصراع، هما انتخابات الرئاسة، والانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي طرحت بدورها إجابة عملية عن السؤال: من؟ دون إجابة وافية في تصوري عن: كيف؟
في انتخابات الرئاسة بدا أن المصريين شعب "مستقيل" بطبعه، لا أحد يريد النزول إلا إذا صدق، فتحمس، فشارك، الثورة فعلت ذلك بمدها الجارف، من دون وسائل مساعدة، وهو ما احتاج الإعلام المباركي/ العسكري لعامين من التعبئة المتواصلة، والإنفاق بلا سقف عبر ماكينات الدولارات النفطية، لمجاراته، ولو رمزياً، على سبيل التقليد، ثورة "صيني" زائفة، يمكنها أن تمنحنا "اللقطة" من دون مضامينها النضالية، لنركب عليها إرادة شعبية "فوتوشوب" تتسبب في إقالة أول رئيس منتخب!
الأمر نفسه تكرر في انتخابات البرلمان الأخيرة، حيث وجه السيسي الدعوة بنفسه للناخبين، ليردوا عليه بالتجاهل التام، وينتخبوا عبر هاشتاغ: #محدش_راح، فيما بدا لبعضهم قرار إقالة من دولة مبارك للسيسي، بدعم إقليمي ودولي، بينما رآه آخرون تصعيداً في شكل الصراع بين جناحي الانقلاب، سرعان ما سينتهي حال تقديم السيسي لمزيد من التنازلات.
ويبقى سؤال الثورة: كيف؟ كيف يعمل هؤلاء إلى الدرجة التي يبدو معها كل شيء في يدهم حين يريدون؟ صدقاً أو كذباً، هو الإعلام؟ مؤسسات الدولة؟ ولاءات لا تستدرج ولا تنتهي؟ عبر ماذا؟ وبماذا؟ كيف يمكن تفكيك هذه المنظومة، والاعتداء على مفاعيلها، ونزع فتيل السيطرة، الإجابات الواضحة تحمل مستقبل الحراك القادم، أو بالأحرى مستقبل نجاحاته المنتظرة، والغائبة إلى هذا السطر غير الأخير.
(مصر)