تسحب الصين تدريجاً بساط النفوذ الاقتصادي في القارة السمراء من الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تكاد تغيب تماماً عن المشهد خلال العقد الأخير.
وتشير دراسة صدرت قبل يومين من جامعة بوسطن الأميركية، إلى أن نحو ثلث الاستثمارات الصينية في مجال الطاقة خارج الصين، ذهبت إلى مشاريع في أفريقيا خلال العام الماضي 2017.
وبحسب الدراسة فإن أفريقيا باتت تأخذ حيزاً كبيراً في استثمارات الطاقة والتعدين والزراعة التي تجريها بنوك الدولة الصينية في الخارج.
وبالأرقام، بلغت القروض التي قدمتها بنوك التنمية الصينية لمشاريع الطاقة في أفريقيا خلال العام الماضي 2017 نحو 6.8 مليارات دولار من إجمالي 25 مليار دولار في مجال الطاقة.
وتقدر حجم الاستثمارات الصينية في أفريقيا حالياً بنحو 40 مليار دولار، مقارنة بالاستثمارات الأميركية البالغة 58 مليار دولار، بحسب إحصاءات جامعة جون هوبكنز الأميركية، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة لا تزال صاحبة الاستثمارات الكبرى في أفريقيا، ولكن الاستثمارات الأميركية تواصل التراجع. وذلك وفقاً لتعليقات أدلت بها مديرة وحدة الأبحاث الصينية- الأفريقية في جامعة جون هوبكنز الأميركية لراديو "ناشونال بابليك راديو" الأميركي، ديبرا بروتغام، يوم الثلاثاء.
وقالت بروتغام في تعليقاتها إن الولايات المتحدة تنسحب تدريجاً من أفريقيا، في الوقت الذي تزيد الصين استثماراتها.
الصين، التي تتنافس مع الولايات المتحدة على الهيمنة والنفوذ العالمي، ترى أن السيطرة على الموارد الطبيعية والنفط والغاز في أفريقيا ستدعم استراتيجيات التوسع الاقتصادي في المستقبل، كما أنها تأمل بأن تحتكر تدريجاً السوق الأفريقي، كسوق نامٍ يتزايد فيه عدد الشباب والقوة الشرائية، وهذا العامل من شأنه أن يساهم في الازدهار التجاري الصيني.
وإلى جانب هذه العوامل، يشير خبراء إلى أن الصين تستغل منذ سنوات الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها دول القارة الأفريقية، بخاصة مشكلات الديون وحرمان غالبيتها من الاستدانة من البنوك الغربية، كي تحصل بكين على صفقات تعدين وتنقيب مربحة بشروط تمليها الشركات الصينية أكثر من الحكومات الأفريقية أو الشركاء الأفارقة.
في هذا الصدد، قالت الباحثة بروتغام إن جولة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الأفريقية، التي لم تكتمل بسبب إقالته، كانت تستهدف تقليص النفوذ الاقتصادي الصيني في أفريقيا، إذ يدرك الوزير من منطلق خبرته في مجال التنافس النفطي مع الصين، ومعرفته بمخاطر هيمنة الشركات الصينية على قطاع الطاقة والتعدين في أفريقيا، أن تزايد الهيمنة الصينية على السوق الأفريقي ستكون لها تداعيات خطيرة على استراتيجيات الولايات المتحدة في المستقبل، وربما ينظر الزعماء الأفارقة إلى إقالته في بداية الجولة على أساس أنها ضربة أخرى للعلاقات الأفريقية الأميركية.
ويجد الأفارقة صعوبة في التعامل مع إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي لا يتورّع في إطلاق تعليقات مهينة للشعوب الأفريقية.
وعلى رغم أن حجم الاستثمارات الأميركية في أفريقيا أكبر من استثمارات الصين، إلا أنها تتركزّ في المعونات والنواحي الصحية، مقارنة بنظيرتها الصينية التي تتركز في مجالات تمويل البنى التحتية التي تخلق وظائف للشباب والطبقة الوسطى وتساعد هذه الدول على النمو الاقتصادي.
وترى مديرة وحدة الأبحاث الصينية الأفريقية في جامعة جون هوبكنز الأميركية، أن التوجهات الثقافية للشباب الأفريقي توجهات أميركية، وأن الولايات المتحدة يمكنها كسب أفريقيا.
وتتجه دول القارة الأفريقية التي تفتقر للتمويل إلى بكين للحصول على التمويل، حيث حلت تدريجياً بنوك التنمية الصينية محل المؤسسات الدولية بالنسبة لكل من الدول الأفريقية ودول أميركا الجنوبية.
ويتّفق العديد من خبراء الاقتصاد والاستراتيجيات في الغرب على أن الصين تطمح من خلال تقوية علاقاتها بأفريقيا إلى تحقيق 5 نقاط رئيسية، هي:
أولاً: الأهداف الاقتصادية، وتتمثّل في الحصول على المواد الأولية أو المواد الخام، مثل النفط والمعادن، التي تحتاجها الصين بكثافة مع تمددها الصناعي الواسع والنمو الاقتصادي السريع الذي جعلها على قاب قوسين من تجاوز أميركا كأكبر اقتصاد في العالم خلال العقد المقبل.
في السياق، يلاحظ خبراء أميركيون أن أفريقيا، التي أطلقت عليها وكالة شينخوا الصينية: "أرض الأمل"، في تعليقات خلال العام الماضي، قارة غنية بالثروات المعدنية والمواد الخام التي تحتاج إليها الصين.
ثانياً: الصين التي تتمدّد صناعياً وتفوّقت على أميركا في حجم الصادرات خلال الأعوام الأخيرة بحاجة ماسة إلى توسيع أسواقها العالمية، خاصة في مناطق مثل أفريقيا لا تجد فيها منافسة تذكر من البضائع الغربية.
وذلك ببساطة بسبب تدني الدخول وانتشار الفقر. إذ إن معظم الأفارقة يلجأون إلى شراء البضائع الصينية الرخيصة التي تشابه المنتجات الغربية، وبالتالي، فإن أفريقيا سوق واعدة ولمواطنيها قوة شرائية صاعدة، مع تحسن معدلات النمو الاقتصادي في العديد من دولها.
ويبلغ عدد سكان أفريقيا حالياً أكثر قليلاً من مليار نسمة، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، لكن هذا العدد يزداد سنوياً بنحو 21 مليون نسمة.
وتقدّر الأمم المتحدة أن يبلغ عدد سكان أفريقيا نحو 2.4 مليار نسمة بحلول عام 2050، كما أن حجم الاقتصاد الأفريقي يتوسّع وتزداد القوة الشرائية مع تحسّن مستويات الدخل.
وتأمل الصين أن تكون الشريك المهيمن على تجارة القارة السوداء في العقود المقبلة، خاصة أن حجم الاقتصاد الأفريقي قدّر بنحو 1.515 ترليون دولار في نهاية العام الماضي.
ثالثاً: ترغب الصين في الاستفادة من الكتلة التصويتية للقارة الأفريقية في المحافل الدولية، خاصة في قضايا مهمة مثل قضية "الصين الموحدة" التي تشمل الصين وتايوان وهونغ كونغ. وترغب الصين في ضم تايوان خلال السنوات المقبلة وتحتاج إلى سند في الأمم المتحدة لتحقيق هذا الهدف.
كما أن الصين عضو دائم في مجلس الأمن وتريد من الدول الأفريقية دعمها في القضايا والأغراض التي تحقق أهداف سياستها الخارجية في أنحاء العالم.
ولا يخفى أن الصين غير مقتنعة بالحدود الجغرافية التي أقرها الحلفاء الغربيون في يالطا بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة في آسيا.
وترغب الصين في إعادة رسم الحدود مع العديد من الدول الآسيوية في جنوب شرقي آسيا، وبالتالي فهي بحاجة لسند دولي، كما أن العديد من دول القارة السمراء يطل على البحر الأحمر، الذي تطل عليه السعودية ودول الخليج الغنية بالنفط والغاز والطبيعي.
وبالتالي، فإن تقوية النفوذ الصيني في القارة الأفريقية سيكون لها تأثير مباشر على النفوذ الأميركي في منطقة الخليج إذا تزايد في المستقبل.
ويبدو أن تيلرسون الذي يملك خبرة واسعة في مجال الطاقة، بحكم عمله السابق كرئيس تنفيذي لشركة "إكسون موبيل"، على دراية بخطورة التمدد الصيني في أفريقيا على المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة العربية.
من جانبه، يرى الخبير الصيني، يون صن، في ورقة بحثية سابقة نشرها معهد "بروكينغز"، أن الصين تريد أن تسوّق نمط النظام السياسي القائم على الحزب الواحد ومركزية التخطيط الاقتصادي للدول الأفريقية، على أساس أنه نمط ناجح في الحكم وفي التقدم الاقتصادي.
وبالتالي، فلا داعي للديمقراطية ولا للاستماع لصخب الانتقادات الغربية الخاصة بالدكتاتورية والتحوّل والإصلاح السياسي. وهي دعوة تجد آذاناً صاغية في معظم الدول الأفريقية التي تُحكم دكتاتورياً.
رابعاً: لدى الصين مصالح أمنية في أفريقيا، خاصة في المناطق المطلة على الممرات المائية، مثل السودان وإثيوبيا وإرتيريا والصومال وربما لاحقاً مصر.
خامساً: الغذاء، مع التوسّع الصيني في الصناعة واستهلاك المياه والمساحات في التصنيع، تحتاج الصين في المستقبل إلى تأمين احتياجاتها الغذائية من خلال مشروعات غذائية عملاقة في أفريقيا.