كيف تحبب طفلك بالعلم؟

09 يناير 2018
متعة تعليم العلوم للأطفال (Getty)
+ الخط -

يومًا بعد يوم تزداد حاجتنا، ليس فقط للتعرف إلى العلم، ولكن لدراسته، لذلك فمن الأفضل دائمًا أن تفتح باب العلوم مبكرًا لطفلك، ومشكلة العلوم في الوطن العربي هي أنها مادة دراسية عملية لكنها تقدم نظريًا فقط، فمثلًا على الطفل أن يحفظ أعداد وأسماء الكواكب، والعناصر، وأنواع الذرّات، وأسماء البيئات... إلخ، لكن العلم في الحقيقة، أقرب لكونه منهجا، وطريقة لرؤية العالم.

لهذا السبب يكون دورك، كأب/أم، مهمًا، حيث تلعب أنت دور المعلم هنا، لكنك معلم لا يقدم له العلم مكتوبًا في كرّاسات متواضعة، بل رفيق رحلة طيب ترشده إلى طريق الاستكشاف والشغف، إذ ما هو العلم في الحقيقة غير شغف باستكشاف العالم؟ درجات متفاوتة من الفضول العقلي، لحل مشكلات مثيرة للانتباه، أو تأمل الطبيعة والتي بدورها تشعل حواسنا للمزيد من التأمل للتعرّف عليها.

ولنبدأ بالخيال العلمي، أتذكّر جيدًا أثر فيلم Interstellar على طفليّ، فقد كان محفزًا جيدًا لفترة شغف بالكواكب والنجوم امتدت طويلًا، وكم من الأطفال تحول بعد أجزاء Jurassic Park الأربعة إلى عاشق لعلم الحفريات ودراسة الديناصورات، مع أحجامها المهولة تلك.

إن أفلام الخيال العلمي، وقصصها المصورة، على تنوعها ومراعاة مناسبتها لسن محدد، تفتح بابًا مهمًا لكل طفل كي يحب العلم في ما بعد، بل إني أتذكر جيدًا الأثر الشديد لمسلسل The X files، الذي يبحث في وجود كائنات فضائية، ثم روايات "ملف المستقبل"، على اختياراتي في القراءات العلمية بعد ذلك.

يرتبط ذلك، بالطبع، بنوع آخر هام من النشاطات، وهو الرحلات، المتاحف بأنواعها، خاصة الجيولوجية مثلًا أو البحرية، مراكز استكشاف العلوم، حدائق الحيوان ومتاحفها، والهدف إذن هو شحذ كل حواسه تجاه الطبيعة من حوله، لكن ذلك لا يتم بشكل جيد إلا عبر أسئلتك له، فمثلًا: ماذا تعرف عن تلك السمكة؟ هل تعرف لماذا انقرضت الديناصورات؟ ما رأيك أنت؟ كيف يمكن لديناصور بهذا الحجم أن يأكل؟ ولا مانع طبعًا، بل هو ضروري، أن تأخذه لرحلات خاصة، أنت وهو فقط، لتأمل الطبيعة، جربت ذلك مع ابني في قريتنا وكان ناجحًا جدًا، جدًا.


كذلك يمكن لك أن تدفع طفلك لممارسة هواية تتعلق بالعلم. تحدثنا كثيرًا قبل ذلك عن شراء تلسكوب لطفلك، وتمكينه من رؤية القمر والكواكب، أو حتّى تعلّم مواقع النجوم في الفصول الأربعة والتعرف إليها، لكن هناك كذلك هوايات يمكن أن تكون أبسط كثيرًا من ذلك، كتربية الحيوانات الأليفة أو زراعة النباتات ومراقبتها تنمو، هنا يكون دورك هو دفع الطفل إلى تأملها من وجهة نظر علمية، وأقرب وجهات النظر هنا هو التصنيف والتقسيم. حيث ستدفعه بشكل دائم لمقارنة أجزاء الجسم الخاصة بهذا الحيوان مع آخر، مثلًا، أو فقط يمكن له تقسيم دفتر خاص به للمراحل الزمنية لنمو الوردة، مع عمل رسم كروكي لكل مرحلة. كذلك علّمه كيف يمكن أن يروي الزرع ودعه يتفاعل بشكل مباشر مع نبتة خاصة به، هنا أنت لا تعلم الطفل أن يرسم من خيّاله، لكنك تعلمه كيف يراقب الظواهر الطبيعية على مستوى أكبر، وكيف يدون تلك النتائج التي توصّل إليها.

ومهما كانت النتائج بسيطة، فإنه بعد فترة سوف يألف فكرة التشابه والترابط بين أنماط تغير الظواهر، وكذلك سيألف بسهولة آلية المراقبة، الرصد، والتدوين، خاصة حينما يتطور الأمر بعد ذلك، وشيئًا فشيئًا لدراسة ظواهر أكثر. يمكن مثلًا أن تبدأ معه بأن يقوم بحصر نوافذ المنزل، عدد الحشرات، عدد أشجار الجازورينا، التمييز بين الكافور والجازورينا والفيكاس... إلخ. هناك العديد من المهمات التي تجعل الطفل يتفاعل بشكل مباشر مع الطبيعة في الخارج، وهذا هو ربما أحد أهم أساسات العلم.

يحيلنا ذلك إلى فكرة أخرى لطيفة، فالأطفال يحبون الأدوات، هنا يمكن لك ببساطة جمع أدوات الطفل العلمية في جانب واحد مخصص لها، أشبه بمعمل خاص به، فمثلا اشتر له عدسات مكبرة يتأمل بها العوالم الصغيرة، ميكروسكوب في مستوى متقدم، ينضم ذلك لمجموعة أدوات أخرى يمكن أن تترك أثرا جيدا وتحببه في العلم، المغانط مثلا وبرادة الحديد، المرايا المحدبة والمقعّرة والعادية، المنشور الثلاثي، أنواع المساطر من أجل القياس أو الدوارق البلاستيكية من أجل قياس كمّيات السوائل... إلخ. الهدف الجانبي هنا هو أن تعلّمه "التكميم"، أي أن يقسّم العالم من حوله لأجزاء وكمّيات.

في النهاية علم طفلك أن يستخدم كل حواسه لاستكشاف الأشياء، كذلك يمكن لك العمل على تعليمه الآلية العلمية ببساطة، فبجانب الأسئلة الكثيرة التي سوف تعطيها له يمكن أن تقوم بعمليات تنظيم بسيطة، تبدأ بفرض الفروض أولًا، أي أن تطلب منه أن يتصور آلية عمل ما لهذه الظاهرة، ثم بعد ذلك يقوم بإجراء التجربة، وما أكثر كتب تجارب الأطفال، تجدها في كل المكتبات تقريبًا، لكن احرص على مصدر رصين مشهود له بالاحترافية في تصميم كتب العلوم، ثم بعد ذلك لنرى نتائج التجربة ونثبت صحة أو خطأ فروضنا.

أضف لذلك أن هناك نوعا مهما وممتعا من التجارب، وهي نماذج المحاكاة، أو الألعاب العلمية التي يمكن أن تحصل عليها بسهولة من قائمة السوق في الهواتف الذكية، ويمكن لك كذلك أن تبحث عن أنواع مفيدة من البرامج للكومبيوتر، لكن تظل الهواتف، مع مراعاة عدد محدد من ساعات الاستخدام الأسبوعي، هي واحدة من أقرب وأهم أدوات الطفل.

أتذكر جيدًا أنني فوجئت كثيرًا حينما بدأت في تعليم الشطرنج لابني ثم اكتشفت أنه يعرف بعض الحركات الهامة، حيث قام بتحميل لعبة شطرنج للمبتدئين حينما رآني ألعب أنا الآخر عبر أحد تطبيقات الأندرويد.

بالطبع لن يكون الأمر بتلك السهولة، سواء بالنسبة لك أو بالنسبة للطفل، لكن مع الوقت والتدرب سوف تتعلمان المزيد، خاصة، وتلك أداتنا التالية، حينما ينضم طفلك لمجموعات من الأطفال تتعلم العلوم، إذ يومًا بعد يوم يزداد انتشار النوادي العلمية في الوطن العربي، وكذلك تكثر النشاطات العلمية الميدانية، سوف يفتح ذلك لطفلك درجة مهمة من التواصل مع مجتمع يحب العلم ويهتم له، كذلك سوف يدعمك أن تتواصل أنت أيضًا مع مسؤولي تلك النشاطات.

لكن في النهاية تعلّم أن السر هو أنت، حديثك الدائم مع الطفل، نقاشاتك الثرية معه، سماحك له بأن يسأل دون صد، فتح الباب للعلوم أينما ظهر، خلق حالة كاملة من الألفة مع العلم، هو ما يمكن له أن يصنع العالِم الذي تتمنى أن يكون عليه، ذلك لأن العلم بالأساس هو فكرة، وهي بدورها فكرة تتطلب التحمس لها، وهذا الحماس لا يمكن له أن ينتقل للطفل، هذا الشغف بالتعرف إلى الطبيعة من حوله، إلا إذا كنت أنت أيضًا متحمس لذلك.