كيان شبابي جديد عابر للأحزاب في خدمة أهداف السيسي

12 اغسطس 2018
ستتداول دائرة السيسي الآراء حول القضايا الشبابية(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تنظم رئاسة الجمهورية المصرية هذا الأسبوع مؤتمراً في مدينة شرم الشيخ، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويديره عدد من الشخصيات النافذة في الرئاسة والاستخبارات العامة، لإعلان تشكيل كيان جديد يسمى "اللجنة التنسيقية لشباب الأحزاب والسياسيين"، بعد نحو شهرين من عقد اجتماعات سرية في مقار استخباراتية وعسكرية تمهيداً لعقد هذا المؤتمر.

ويهدف تأسيس هذا الكيان إلى تكريس تحكم السيسي ودائرته في الأحزاب المؤيدة، وكذلك في الأحزاب والتيارات المعارضة لسياساته المنضوية تحت نظام ما بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، وهي التي لا تجد غضاضة في التعامل مع السيسي حال منحها مساحة تحرك تناسبها دون تضييق، ومعظمها سبق وشارك بصور شتى في إعداد الدستور أو شاركت قواعدها في الانتخابات الرئاسية ولم تنخرط في دعوات المقاطعة. ويهدف تأسيس هذا الكيان أيضاً إلى خلق مساحة خفية غير معروضة على الإعلام، وغير متصلة بالمجال العام، تتداول فيها دائرة السيسي الآراء حول القضايا الشبابية والسياسية مع نوعيات مختارة بعناية، وبموافقة أمنية من شباب الأحزاب والتيارات غير الحزبية والمستقلين، بحيث تصبح هذه المساحة مجالاً للتنفيس وإبداء الرأي بدلاً من مواقع التواصل الاجتماعي والصحف.

ويتسق هذا الهدف مع اتجاه السيسي ودائرته لعقد "مكلمات" (جلسات أحاديث) بصفة دورية، كمؤتمرات الشباب والأحزاب ومآدب الإفطار في رمضان، في محاولة لإظهار الحرص على الاطلاع على آراء الشباب والسياسيين وتقديم صورة ديمقراطية للنظام للرأي العام المحلي والحكومات الأجنبية، وفي الوقت نفسه يؤدي ذلك تدريجياً إلى تدجين كل من يحضر تلك "المكلمات" ليجد نفسه مباشرة من المحسوبين على النظام، بل وأحياناً من المدينين لدائرة السيسي بمنافع ومكاسب مختلفة. ويهدف الكيان الجديد أيضاً إلى تكوين طبقة جديدة من السياسيين، أصغر سناً من قيادات الأحزاب الموجودة على الساحة، وأكثر إدراكاً لطبيعة التغيرات الاجتماعية والتقنية التي يعيشها الشباب، وفي الوقت ذاته أقرب إلى دائرة السيسي وأكثر قابلية لتنفيذ تعليماتها والانخراط في مشاريعها، حتى وإن كان ذلك بزعم "الإصلاح من داخل النظام".

ويصدّر الكيان الجديد عن نفسه فكرة أنه شارك خلال الأسابيع الماضية مع لجنة دراسة أوضاع المحبوسين، تمهيداً لاستصدار قرارات جمهورية بالعفو عن بعضهم. وفي الواقع، فإن الشخصيات التي تتحكم بملف العفو، منذ فتحه قبل عامين، هي نفسها التي تتحكم في الكيان الجديد. وفي هذا الإطار أيضاً، بدأت تتشكل علاقات تعاون بين الشباب المنخرطين في اللجنة التنسيقية الجديدة وبين كيانات أخرى مستحدثة داخل النظام، على رأسها، البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، والأكاديمية الوطنية لتأهيل القادة الجدد، وهما الكيانان اللذان يراهن عليهما السيسي لإنتاج شريحة جديدة من المسؤولين التنفيذيين الشبان الذين يدينون له بالولاء الكامل. وبدأ بالفعل في توزيعهم على الوزارات والأجهزة التنفيذية، كما كشفت "العربي الجديد" في تقرير الشهر الماضي عن الوضعية المميزة التي بات يحظى بها "شبيبة السيسي".




ويؤكد حديث المصادر السياسية، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن الكيان التنسيقي الجديد هو خطوة في طريق حسم مصير فكرة تشكيل الظهير السياسي الواسع للسيسي، وربما العودة إلى نظام قريب من سياسة الحزب الواحد "الاتحاد الاشتراكي" والتنظيم الواحد "الطليعي"، التي كانت تعيشها مصر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي قبل إنشاء المنابر الحزبية الثلاثة التي انبثقت عنها الأحزاب فيما بعد. فبحسب المصادر، لجأت دائرة السيسي إلى فكرة إنشاء هذا الكيان "التنسيقي" بعد فشل الأحزاب التي أسست في أعقاب انقلاب 2013 في مهمة توحيد الشباب المهتم بالعمل العام، وانصراف كل قادة الأحزاب المصطنعة إلى مصالحهم ومكاسبهم الخاصة، كما حدث في حزب "مستقبل وطن" الذي انحرف عن هدفه الأساسي، وحزب "تمرد" الذي أصيب بالشلل بعدما دبت الخلافات بين قادة الحزب، الذي تصدر معارضة نظام جماعة الإخوان المسلمين بدعم استخباراتي وخارجي قبل الانقلاب. وبالتالي، اختارت دائرة السيسي اللعب بنفسها لا بواسطة أذرعها، لتشكيل الكيان الجديد، في خطوة قد تحدد مدى نجاعة فكرة تشكيل الظهير السياسي الموحد للسيسي، وربما تؤدي إلى ظهور ودعم أفكار أخرى، كتأسيس تجمعين كبيرين أو ثلاثة للأحزاب تحت سيطرة النظام، مع حل الأحزاب المعارضة وغير المؤثرة بمزاعم قانونية وشروط من المقترح استحداثها تشريعياً.

وفضلاً عن ذلك، فإن شخصيات سياسية جديدة ستظهر من قلب هذا الكيان، برعاية خاصة من دائرة السيسي. وسيمهد ذلك الطريق لما يشبه الانقلابات داخل بعض الأحزاب التي لا ترضى دائرة السيسي عن قياداتها، سواء لضعف الأداء والتأييد، أو للعمل بأجندات شخصية، أو لانتمائها في الأساس لنظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، فتحل بدلاً منها القيادات الجديدة الخارجة من عباءة "اللجنة التنسيقية". ويحدث هذا الحراك بالتوازي مع سعي بعض الأحزاب، وعلى رأسها "مستقبل وطن" و"الوفد"، للعودة إلى الشارع من خلال الإعلان عن تخصيص أكشاك لخدمة المواطنين في الأحياء الفقيرة، وتوظيف مئات الشباب المحليين لمساعدة النواب، وإقامة دورات رياضية ومسابقات ثقافية وحفظ القرآن، وغيرها من الفعاليات التي كادت تختفي في السنوات الأخيرة بسبب الضربات المتتالية التي تعرضت لها الجمعيات الأهلية ذات الاتجاه الإسلامي بصفة عامة، والتابعة أو المتعاونة مع جماعة الإخوان المسلمين بصفة خاصة، وذلك في إطار تعليمات حكومية بالعمل على ملء الفراغ الاجتماعي الذي خلفه البطش بتلك الجمعيات التي كانت الأقرب للمواطنين في المناطق المهمشة والريفية. كما يأتي في ظل التنافس على قيادة الظهير السياسي المزمع إنشاؤه، لأن خلو أحزاب الأكثرية النيابية "دعم مصر" من الشخصيات السياسية الشهيرة، أو ذات الباع في العمل العام، أدى إلى ازدحام بين الراغبين في تولي المناصب القيادية مستقبلاً، ما يستدعي بطبيعة الحال المنافسة الواقعة بينها، لا سيما وأن بعض الأحزاب تعتقد أنها تملك رصيداً جماهيرياً أكبر من غيرها، وبالتالي لا ترحب بالاندماج معها، مفضلة إقامة حوار جديد مع أحزاب صغيرة أخرى، ما تتداخل معه اعتبارات شخصية وعائلية وقبلية عدة، خصوصاً في محافظات الصعيد.

المساهمون