كيانات موازية تركية

15 سبتمبر 2014

صورتا أردوغان وغولن في محل في غازي عنتاب (يناير/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

دخل معجم الاصطلاحات السياسية التركية اصطلاح جديد، يريد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ترسيخه، هو "الكيان الموازي"، والمقصود من هذا التعبير الجماعة الإسلامية التي تسمي نفسها "حركة الخدمة"، ولها ثقل كبير في قطاعات التعليم والإعلام والمصارف وغيرها، ويقودها الداعية الإسلامي، فتح الله غولن. من جهة أخرى، انتشر خطأ غير مقصود (أو مقصود) بنشر كلمة "الجماعة"، وهي كلمة عثمانية، تعني جماعة دينية، كثيراً ما يقصد منها جماعة تتبع نهجاً دينياً صوفياً، وكأنه لا يوجد سوى جماعة واحدة، وعندما يقال "الجماعة"، فالمقصود "جماعة فتح الله غولن". ولكن، هل هناك جماعة واحدة في تركيا، وبالتالي، هل هناك كيان موازٍ واحد؟


ثمة جماعات كثيرة، يُذكر منها أمثلة: جماعة عدنان أوقطار، جماعة إران كوي (نقشبندية)، جماعة إشقجيلر، جماعة اسكندر باشا (نقشبندية خالدية)، جماعة إسماعيل آغا (نقشبندية خالدية أيضاً)، جماعة النور (أتباع سعيد نورسي)، جماعة السليمانيين.
لكل من هذه الجماعات استثمارات كثيرة ومصادر تمويل، وتنفق من دخلها على أتباعها الفقراء وذوي الحاجة بتأمين العمل، أو المنح الدراسية الداخلية للطلاب، وغيرها من الأعمال الخيرية، ومن هنا، تطلق جماعة فتح الله غولن على نفسها اسم "حركة الخدمة".
اعتمدت الحكومات التركية، المتعاقبة منذ خمسينات القرن الماضي، على الجماعات الدينية، لمواجهة التيارات اليسارية، وكبحها مع انتشار اليسار في تلك الفترة، لكن العلاقات بقيت ملتبسةً، إذ شهدت تقلبات عديدة، اقتربت، أحياناً، من السلطة، وابتعدت في أحيانٍ أخرى.
على رغم بروز جماعة فتح الله غولن، بعد أن فتح الطريق أمامها الرئيس التركي الأسبق، طورغوت أوزال، فإن تلك الجماعات ضمت رجال أعمال وقوى عديدة، وبقيت مراكز ثقل يخطب السياسيون الأتراك من الاتجاهات كافة ودّها، وهي خزان أصواتٍ تمنح الأحزاب السياسية قوة إضافية. واعتمدت هذه الجماعات على الحكومات، لتحقيق أهدافها الدينية، وكسب قوةٍ تمكنها من التغلغل في الوظائف الحكومية، وممارسة نشاطها في تركيا. الالتباس في علاقاتها مع السلطة ناجم من أن سلطاتٍ كثيرة حاربت هذه الجماعات، بعد أن استغلتها، وقويت. أبرز مثال على هذه العلاقة جماعة "حزب الله" التركي، وهو حزب تركز نشاطه في المناطق الكردية من الجمهورية التركية، واتهم بتصفية شخصيات ثقافية وسياسية بارزة من الكرد. ولكن، بعد أن قوي هذا الحزب، وأصبح يعمل منفصلاً عن الدولة، شنت حكومة بولند أجاويد الائتلافية، أواخر القرن الماضي، حملة كبيرة على هذا الحزب، وكاد يذوب.
الجديد أن جماعة فتح الله غولن، أو الكيان الموازي بحسب تسمية الحكومة التركية الحالية، اشتد عوده كثيراً، وتروى حكايات أشبه بالأساطير عن قوته، من قبيل أنهم يحددون الضابط الذي سيتسلم قيادة منطقة، أو جيش وسلاح، منذ انتسابه إلى الجيش. وفعلاً هو الذي يصل، حتى إن شطحات تطلق على هذا التنظيم تصل، بالمبالغة، إلى اعتبار أن كل من يأتي إلى موقع كبير في الدولة لا يأتي إليه إلا بموجب قرار من هذه الجماعة، ولعل هذه الشطحات الحكائية ناجمة عن قوة هذه الجماعة الاقتصادية، وشبكة مدارسها التي تغطي جزءاً كبيراً من العالم، ولكن، بعد الصدام بين الحكومة الحالية وهذه الجماعة، تبين أن ثقلها لا يتجاوز وجود عناصر مزروعة في مواقع حساسة، إضافة إلى القوة الاقتصادية المتميزة والشبكة الإعلامية المهمة التي تمتلكها، وبقيت، حتى وقت قريب، موالية للحكومة، واستمدت قوتها من هذا القرب.
إذا كان المقصود من تعبير الكيان الموازي، ما يقصد باصطلاح "جماعات الضغط" أو "اللوبي" في السياسة الغربية، نعم، إنها بالضبط جماعة ضغط أو "مركز قوة" من التي تعتمد عليها السلطات الحاكمة في دولٍ عديدة. ولكن للجماعات الأخرى مواقفها السياسية، ولها أنصار في الدولة، وهي مراكز قوة أيضاً، ولديها قوة اقتصادية تمكنها من ممارسة نشاطاتها، فهل كل هذه كيانات موازية؟
باختصار، نعم إنها كيانات موازية. لكنها لم تدخل دائرة الضوء بعد، ولم تشكّل خطراً على السلطة. لذلك، يتم تجاهلها، ولكن، لو قويت لا بد أن يُطلق عليها اسمٌ شبيه، يدخل قاموس الاصطلاحات السياسية التركية.

avata
عبد القادر عبد اللي

كاتب سوري مختص بالشؤون التركية، ترجم عن التركية 45 كتاباً