حين سُئل عن إحساسه بعد أية خسارة أجاب: في تلك الليلة لا أنام، أسهر طيلة الليل أشاهد المباراة وأحاول أن أعرف أين أخطأت، لأحاول تجنّب نفس الأخطاء في المباريات المقبلة.
على الأرجح، لم يعد أنطونيو كونتي يسهر الليالي يفكّر أين أخطأ منذ عشر مباريات! ويبدو أن الليلة الأخيرة التي فعل فيها ذلك كانت بعد مباراة فريقه أمام أرسنال التي انتهت بفوز المدفعجية بثلاثة أهدافٍ نظيفة. فمنذ ذلك الحين، لم يخسر المدرّب الإيطالي في الدوري ولا مباراة، بل لم يتعادل حتى.
ما فعله كونتي بعد تلك المباراة هو تغيير خطّة لعبه وطريقة تفكيره، وتحلّى بكثير من الشجاعة لينتقل من تشكيلته المفضّلة 3-5-2 إلى طريقة 3-4-3، الطريقة التي - كما يبدو - تناسب لاعبيه ونمط الدوري الإنكليزي أكثر.
ومنذ بدأ بتنفيذ هذه الخطة، فاز تشلسي بجميع مبارياته، ليس هذا فقط، بل حقّق رقماً قياسياً لأول فريق إنكليزي يفوز بست مباريات متتالية من دونأن يدخل في شباكه أي هدف، وأيضاً ليس هذا فقط، هو ألحق الخسارة الأولى لتوتنهام هذا الموسم، وأيضاً الخسارة الأولى لمانشستر سيتي على أرضه.
وها هو اليوم وقبل انتصاف الموسم، وفي الجولة السادسة عشرة، يحتل صدارة الترتيب بفارق ست نقاط عن ليفربول. حتى أكثر المتفائلين والمؤمنين بكونتي، لم يتوقّع أن يحقّق هذا النجاح بهذه السرعة في الدوري الإنكليزي وأمام أندية ومدرّبين أقلّ ما يمكن وصفهم "بالعمالقة".
يعترف أنطونيو كونتي أنه واجه صعوبات في البداية مع الدوري الإنكليزي، فهو ولد ونشأ وترترع وأصبح نجماً في مكان يتنفّس التكتيك، ويقول إن تلك الصعوبات واجهها مع لاعبيه، فهم غير معتادين على أمر اسمه تكتيك، أي أنه بدأ معهم ليس فقط من الصفر، بل من أقل من ذلك بكثير.
لا يختلف اثنان الآن على أن تشلسي هذا هو فريق آخر مختلف عن ذلك الذي كانوا يشاهدونه في السنوات الأخيرة، وأن هذه النسخة منه هي إحدى أجمل نسخه إن لم تكن الأجمل. ولا يختلف اثنان على أن كونتي فرض "التكتيك" الإيطالي وأدخله إلى الدوري الإنكليزي بمنتهى السلاسة. فاليوم، أغلب المدرّبين يحاولون عند مواجهة تشلسي، مجاراة تكتيك كونتي واللعب بأسلوبه، الأمر الذي لا يبدو سهلاً على الجميع كما هو على أنطونيو.
من أبرز الأمور التي يتحلّى بها كونتي والتي ساعدته كثيراً هذا الموسم، هي نظرته باللاعبين وقراءته السليمة لقدراتهم وإمكاناتهم، ومعرفته الذكية بكيفية توظيفهم على أرضية الميدان.. منذ كان مع يوفنتوس وبعدها مع المنتخب الإيطالي، لم يُخطئ حدْس أنطونيو كونتي بأي لاعب تقريباً، بل إنه أخرج أفضل ما يمكن من لاعبين هم أنفسهم لم يعرفوا أنهم قادرون على فعل ذلك. اللاعب النيجيري فكتور موزس مثلاً، لاعب لم يسمع به أحد تقريباً من قبل، ولم يكن مرغوباً من أحد، اليوم عند مشاهدته، نشعر أنه "وحش" في الملعب، وأغلبنا يقول "أين كان هذا اللاعب من قبل"!
هو يبدأ مع اللاعب من الصفر، يعمل على شخصيته وطباعه قبل أن يعمل على مهارته. الانضباط والاحترام هي أهم الصفات التي يجب على لاعب أنطونيو كونتي التحلّي بها. ويبدو تأثيره هذا جلياً على شخصية دييغو كوستا، أحد أكثر اللاعبين مشاغبة ورعونة على أرضية الميدان، من يشاهده اليوم لا يصدّق أن هذا هو نفس اللاعب منذ سنة مضت.
جمهور تشلسي الذي كان يائساً في السنوات الأخيرة عاد مجدداً للشعور بالفخر وللحلم بالألقاب، والأهم، العودة إلى دوري الأبطال. لكن مشكلة تشلسي الوحيدة التي قد تواجهه هذا الموسم هي الإصابات، فليس لدى كونتي دكّة بدلاء جيدة، وهناك أسماء لا يمكنه أن يستغني عنها مطلقاً وليس لها بديل جيد في حالة الإصابات مثل إيدن آزار ودييغو كوستا. لكن الأمر الإيجابي أن رئيس النادي ومالكه رومان أبراموفيتش بدأ يثق بكونتي كثيراً، فبعد الحديث عن إقالته منذ أسابيع، اليوم يعلن استعداده لدعم كونتي باستثمار مبلغ كبير في سوق الانتقالات الشتوية.
أجمل ما في كرة القدم أنها غير قابلة للتوقّع، وأجمل ما في الدوري الإنكليزي أن المنافسة فيه تستمر إلى آخر جولاته على عكس أغلب الدوريات الأخرى. جميل أن ننتظر، ومشوّق لنا ولجماهير الأندية الإنكليزية متابعة دوريّ مطعّم بنكهة التكتيك الإيطالي، الأمر الذي لفتت إليه الصحف الإنكليزية قائلة إن "كونتي هذا الموسم، أخذ الدوري الإنكليزي إلى مستوى آخر".
(العربي الجديد)
لمتابعة الكاتبة
شفاء مراد