كوريا الشمالية وطموح القنبلة الهيدروجينية

21 يناير 2016

كوريون جنوبيون في سول يتابعون أخبار إعلان التفجير(6 يناير/2016/Getty)

+ الخط -
أعلنت كوريا الشمالية، مع بداية السنة الجديدة 2016، نجاحها بتفجير قنبلة هيدروجينية h – bomb، والتي تمّ التوصل إلى تصنيعها في الولايات المتحدة الأميركية وروسيا قبل عقود، واختبرتها أميركا، للمرّة الأولى عام 1952، تبعتها روسيا في العام التالي. يرتبط الفرق بين القنبلتين، النووية الكلاسيكية والهيدروجينية، بالتقنيات الحرارية المصاحبة للتفجير الهيدروجيني، لكن النتيجة مذهلة، حيث تتسبّب الأخيرة بدمار هائل، يفوق بدرجاتٍ الدمار الذي تخلفه القنبلة النووية.

كوريا تحقّق مكانة نووية متقدمة
تمتلك أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين ترسانة نووية، وعلى الأرجح، يمتلك الأعضاء الجدد في النادي النووي، الهند وباكستان، قنابل نووية أيضًا، وأقدمت كوريا الشمالية على تفجير عبوات نووية في الأعوام 2006، 2009، 2016. وفي المكان نفسه الذي تحوّل إلى جحيم، منذ بداية التجارب النووية، أعلنت عن إجراء اختبار لتفجير هيدروجيني، مع بقاء الشكوك المتعلقة بشأن إمكانية تحميل رؤوس نووية كورية شمالية، لاستخدامها في الصراع الدولي ضدّ أعداء محتملين. ويذهب محللون إلى أكثر من ذلك، ويرون أنّ سلاح الجوّ لهذه الدولة لا يمتلك التقنيات المطلوبة، لتحميل هذا النمط من الصواريخ النووية والهيدروجينية، وتوجيهها إلى أهداف محدّدة بالدقّة المتوقعة.
وقد صرّح الخبير في المعهد اللندني الملكي للدفاع، مارتن نافاينس، لشبكة “CNN” أنّ على كوريا الشمالية تخطّي تحدّيات تكنولوجية عديدة، لتصبح قوّة نووية فاعلة، لكنّها تسير في هذا الاتجاه، وتمكنت، أخيراً، من التوصل إلى مكانة متقدّمة بشأن القدرة التدميرية الشاملة، من دون أن يمتلك المجتمع الدولي آليات للتأثير أو الحيلولة دون ذلك.
تتجلى خطورة تفجير عبوة نووية أو هيدروجينية محدودة الأثر في كوريا الشمالية في عدم إخطار أحد، ولا حتّى الصين أكثر الدول المتعاطفة مع كوريا الشمالية. وتكمن أيضاً في امتلاك دكتاتور عاشق للسلطة، ويبدو متهوّراً، سلاحاً فتّاكاً قد يلجأ إلى استخدامه من دون إنذار مسبق. على الرغم من أنّ الأثر الذي تركته التجربة نفسيّ أكثر منه عمليّ. لكن، ما تزال هناك تساؤلات عديدة حول عملية التفجير الجديدة، والآثار المتوقعة في المستوى البعيد.
تبدو المخاطر والتهديدات العالمية التي تمارسها بيونغ يانغ على بعد زمنيّ قريب، لأنّ كوريا الشمالية تطوّر، في الوقت نفسه، قدراتها الجوية، وقد تتمكن من تحميل رؤوس نووية وهيدروجينية صغيرة، واستخدامها ضدّ أعداء محتملين، كاليابان والولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية، أخذًا بالاعتبار أنّ الفارق الزمني بين الإعلان عن تجربة تفجير العبوتين، النووية والهيدروجينية، لم يتجاوز قرابة عشر سنوات فقط.
عدا عن ذلك، لم تتمكّن العقوبات الدولية المعلنة ضدّ نظام كيم جونغ أون أن تثمر في وقف برنامجه النووي، وفشلت كذلك في كبح جماحه، والحدّ من طموحه، والتوقّف عن خرق الاتفاقيات الدولية، وانتهاك قرارات الأمم المتحدة. وطالب المجتمع الدولي من قبل بتوسط بكين لدى الزعيم أون، لكنّ الأخير رفض كل الوساطات، وفضّل اللعب في الساحة الدولية بصورة مستقلة، من دون أن يعبأ بالعقوبات الدولية، وحرمان شعبه من المساعدات والعناية الأمميّة، علماً أنّ الحدود الصينية المشتركة مع كوريا الشمالية تبلغ نحو 1500 كلم، ولذلك تفضّل الصين التصرّف بحذر حيال تصرفات الزعيم كيم أون، تفادياً لمضاعفات اقتصادية محتملة، حال تفاقم أزمة ممكنة في إقليم آسيا القصوى.

رفض الوساطة الصينية
يرى خبراء أنّ الهدف الرئيس للقيام بهذه التجربة، من دون العودة إلى بكين، هو محاولة
تخطّي الوساطة الصينية، والسعي نحو التعامل المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية، لتأتي هذه التجربة هدية عيد ميلاد الزعيم أون الذي أتمّ 32 عاماً في 8 يناير/كانون ثاني 2016.
كوريا الشمالية في منتهى الأهمية للصين، ويبلغ حجم تجارتها الكورية مع الصين 90% من مجملها العام. لذا، فإن الصين معنية بكلّ ما يحدث في الدولة الجارة. ولكن، هل حقًا فجّر نظام أون قنبلة هيدروجينية. في هذا السياق، شكّك الخبير بروس بينيت في مؤسسة Rand Corporation، أحد أكبر مراكز الفكر والدراسات الدولية ومقره كاليفورنيا، شكّك بصحة المعلومات التي أطلقتها بيونغ يانغ، وصرّح لقناة التلفزة BBC أنّ التفجير الهيدروجيني الحقيقي يفوق التجربة التي أجرتها كوريا الشمالية بعشر مرات. لذا، إمكانية المراوغة والتجديف كبيرة لرفع قيمة الأسهم الدولية للزعيم كيم أون، وعلى الأرجح، تمّ تفجير عبوة نووية صغيرة، والاحتمالية الأخرى تتمثّل في فشل تجربة التفجير الهيدروجيني المعلن.
صرّح المحلل العسكري وخبير الأسلحة الصيني، دو فينلونغ، لقناة CCTV إنّ البيانات التي تمّ التوصّل إليها لا تؤكّد نظرية تفجير قنبلة هيدروجينية، وتوالت الشكوك كذلك من كوريا الجنوبية، لكنّ جميع هذه المصادر لا تنكر إجراء التجربة، وتؤكّد أنّ التفجير هائل، ويكفي لتدمير مدينة بأكملها، ما يدعو إلى القلق الشديد.
صادق الزعيم كيم أون على عملية تفجير القنبلة الهيدروجينية مع مطلع عام 2016، وسيتم التحقّق من صحّة هذه البيانات بصورة دقيقة خلال أيام، وربّما أسابيع، حيث بدأت اليابان والصين بإجراء تحقيقات جيولوجية، وقياس حجم التلوّث الإشعاعي، ونسبة الذرات المنبعقة في الأجواء، لتأكيد صحّة البيانات التي أعلنتها كوريا الشمالية أو تكذيبها، بصورة مستقلة.

استنكارات في مهبّ الريح
استنكرت كل الأطراف المعنية هذا التفجير، بدءًا من الصين والولايات المتحدة الأميركية التي
شكّكت بصحة المعلومات الواردة من بيونغ يانغ، وحذّرت موسكو من هذه الممارسات، باعتبارها خرقًا للقانون الدولي. ودعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى جمع مزيد من البيانات وتحليلها. وقد أقرت اليابان بأنّ هذه التجارب تخلّ بأمنها القومي، ودعا الاتحاد الأوروبي كوريا الشمالية إلى وقف هذه الممارسات الخطرة المخالفة للقوانين الدولية. وقد طالب حلف الناتو كوريا الشمالية بوقف برنامجها النوويّ، وأكد مجلس الأمن، في جلسة عاجلة، أنّ التجربة تدعو إلى القلق الشديد، وأنّ برنامج كوريا النووي مخالف للأعراف والاتفاقيات الدولية، ويهدّد الأمن الإقليمي. لكن كيم أون لا يعبأ بكل هذه الاستنكارات، وماضٍ بتنفيذ برنامجه، حسب رؤيته الخاصّة، من دون القدرة على التوفيق بين الأوساط الدبلوماسية والعسكرية في بلاده، حيث تميل الكفّة، كما هو واضح، للجناح العسكري، الأمر الذي يهدّد أمن شبه الجزيرة الكورية واستقرارها.
قبل أسابيع من التفجير، نشرت صحيفة الغارديان مقالاً سخرت فيه من الزعيم كيم أون، جاء فيه أنّ الزعيم لا يتنقل من مكان إلى آخر، من دون دورة مياه خاصّة في القطار، في الحافلات الكبيرة والصغيرة التي تقلّه إلى المناطق الجبلية، حسب مصادر مقرّبة من الزعيم، لكن اللهجة تغيّرت، جملة وتفصيلاً، بعد إجراء التجربة، لأنّ هذا الرجل بات قادراً على تهديد الأمن على مستوى دولي، إذا ثبتت صحّة بيانات هذه التجارب، وقدراتها التدميرية. قد يبدو الزعيم أون مضحكاً أحياناً، وفرحاً طوال الوقت، تاركاً الفرصة متاحة للسخرية من تسريحة شعره وتصرّفاته العفوية، لكنّه أثبت بأنّه يمثّل خطراً حقيقيًا، كما يدرك الخبراء العسكريون جيّدًا أنّ الانتقال إلى مرحلة متقدّمة من التسليح النووي لا تتم، في يوم وليلة، وتحتاج إلى ترويض مصاعب جمّة، والعمل ليل نهار لتحقيق هذه الأهداف.
عدا عن هوايته بتفجير العبوات النووية والهيدروجينية، يعشق كيم أون كرة السلة ونجومها، واستضاف في العامين 2013 وفي 2014 دينيس رودمان، نجم كرة السلة الأميركي الذي لاحقته وزارة المالية الأميركية، لتقديمه هدايا ثمينة تقدّر بملايين الدولارات لصديقه الزعيم كيم أون.

نشر قواعد مضادّة للصواريخ
على الرغم من الاحتجاجات الصينية، من المتوقع أن تؤدّي ممارسات كوريا الشمالية إلى نشر
قواعد يابانية وأميركية مضادّة للصواريخ في الإقليم. وستراقب الصين، باهتمام بالغ، التوجّهات الدفاعية الأميركية واليابانية، لرفع قدراتهما القتالية، لصدّ هجمات صاروخية متطورة، قادمة من كوريا الشمالية. ويتوقع المحللون العسكريون، أيضاً، رفع الضغوط الأميركية على كوريا الجنوبية، لقبول نشر أنظمة دفاع صاروخية متطورة، فوق مستوى سطح البحر THAAD “Terminal High Altitude Area Defense” الأمر الذي ترفضه سيئول حتى اللحظة. وتثبت الفوضى التي تسببت بها هذه التجربة، وعلى الرغم من الشكوك المتعلقة بصحّة التفجير الأخير، في الوقت نفسه، أنّ كوريا الشمالية تمتلك تقنيات تصنيع رأس نووي صغير ذي قدرة تدميرية كبيرة، قادر على ضرب مواقع في كوريا الجنوبية واليابان، وربّما الولايات المتحدة الأميركية. وهناك إمكانية لبدء سباق عسكري بين الصين وأميركا، إذا أقدمت الأخيرة على نشر قواعد دفاعية مضادّة، في شبه الجزيرة الكورية، وخصوصاً في البحر الكوري الجنوبي الذي يعتبر ممرًا تجاريًا مهماً، كما يجب الأخذ بالحسبان البعد التاريخي تجاه اليابان التي احتلت الصين من قبل، وستسارع الصين للردّ على أيّة مبادرات يابانية، لرفع قدراتها العسكرية والصاروخية دفاعية، أو ذات طابع هجومي، والأمر ينسحب على كوريا الجنوبية، حليف أميركا في الإقليم. وستأخذ الصين بالحسبان هذه التطورات، وقد لا تسارع، في الوقت الراهن، باتخاذ ردود فعل عاجلة، لكنّها ستعمل على رفع قدراتها الصاروخية، باعتماد استراتيجية عسكرية على المستوى البعيد.
وتخشى الصين تحديدًا من أنظمة المضادات الصاروخية الأميركية الحديثة THAAD القادرة على إسقاط صواريخ كوريا الشمالية، قبل وصولها إلى أهدافها البعيدة، والتي ترغب الولايات المتحدة بنشرها في كوريا الجنوبية.
ويمتلك النظام الأميركي الجديد رادارات قادرة على تحديد خطّ سير عدّة صواريخ باليستية، عابرة للقارات على بعد 2000 كيلومتر، عملياً تغطّي هذه القدرات مساحة كبيرة داخل الأراضي الصينية، الأمر الذي سيحدّ كثيراً من فاعلية القدرات العسكرية الصينية.
وحسب "رويترز"، تفكّر اليابان أيضاً بنشر الأنظمة الصاروخية المتطورة، عدا عن مثيلتها المحمولة على متن أسطولها العسكري الأميركي المشترك، موجّهة لمخاطر قادمة من الصين وليس من كوريا الشمالية حتى الآن على الأقل. ويرى جيفري رويس، في جامعة مونيتيري في المكسيك، مدير برنامج منع انتشار الأسلحة النووية في شرق آسيا، أنّ كوريا الشمالية تمتلك افتراضات لقنابل باليسيتية قادرة على بلوغ الشواطئ الأميركية. ولكن، لم يتم اختبار قدراتها العملية حتى الآن.
من الواضح أنّ التفجير الجديد محاولة للفت الأنظار، وتدعيم موقف كوريا الشمالية، في محادثاتها مع الدول الأعضاء في النادي النووي. وبغضّ النظر عن القدرة التدميرية للاختبار، هناك أسباب سياسية بعيدة المدى، للضغط على المجتمع النووي للقبول بكوريا الشمالية قوة نووية، وكيم أون قادر على الاستفادة من الفرصة الزمنية المتاحة، لتطوير قدراته الصاروخية التدميرية، في الوقت الذي سينشغل فيه العالم بإثبات الاختبار الأخير أو تفنيد حدوثه، في ظلّ زعيم أميركي، يبدو متردّدًا في اتخاذ قرارات حاسمة، في ملفات دولية عديدة.
للصين دور مهم ومؤثر للغاية، وإذا ما قرّرت الصين وقف المساعدات، وتعطيل المعاملات التجارية مع نظام كين أون، فعلى الأرجح ستخضع كوريا الشمالية، على الفور، للإرادة الصينية، لعدم وجود بدائل لدعم اقتصادها في ظلّ الحصار الخانق والعقوبات الاقتصادية التي تحول دون الالتفاف على الصين، والاعتماد على دول أخرى.

دلالات
59F18F76-C34B-48FB-9E3D-894018597D69
خيري حمدان

كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في صوفيا. يكتب بالعربية والبلغارية. صدرت له روايات ودواوين شعرية باللغتين، وحاز جائزة أوروبية في المسرح