وبينما يحاول المعلمون وضع دورات تعليمية عبر الإنترنت لتعليم الشباب عن بعد، يخشى الخبراء الذين تحدثت إليهم شبكة "سي إن إن"، من آسيا وأفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة، من أن تزيد أزمة فيروس كورونا الجديد من مشكلة عدم المساواة في التعليم.
وقال الخبراء إن فجوة عدم المساواة بين الأغنياء والفقراء تتفاقم بسبب إغلاق المدارس في جميع أنحاء العالم.
ويواجه الطلاب الأكثر فقراً عقبات متزايدة في قدرتهم على الحصول على درجات جيدة، لأنهم يعانون من نقص في المساحة الخاصة بهم للدراسة، فضلاً عن مشاكل في الوصول إلى الموارد عبر الإنترنت والتحديات النفسية.
ويشعر معلمون حول العالم بالقلق من الضغوط النفسية التي يفرضها الإغلاق على المتعلمين الصغار.
وفي هذا الشأن، أعربت آن لونغفيلد، من مفوضية الأطفال في بريطانيا، عن مخاوفها إلى هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فقالت إن "الغالبية العظمى من الأطفال الفقراء في هذا البلد لا يحضرون إلى المدارس. وهذا يعني أنهم قد يكونون في المنزل مع مجموعة من المخاطر، مثل الآباء الذين يعانون من إدمان المخدّرات والكحول، أو من ضغوط نفسية شديدة".
وأضافت أنّه "غالبًا ما يكون هؤلاء الأطفال غير مرئيين تمامًا في المنزل الذي ليس بالضرورة أن يكون المكان الأفضل للحفاظ على سلامتهم".
ولفتت لونغفيلد إلى إن الإحالات إلى الخدمات الاجتماعية قد انخفضت بمقدار النصف، وأنّ "ما يثير القلق أنّ المراهقين الضعفاء قد يشعرون بالملل والضعف، ويمكن أن يغادروا منازلهم ويضعوا أنفسهم في مواقف خطيرة، حيث يتم استغلالهم من قبل مجرمين".
ونقلت شبكة "سي إن إن" أنّ وزارة التعليم في المملكة المتحدة في إنكلترا ستعتمد على توقّعات المعلّمين ومجالس الامتحانات لوضع درجات امتحانات الشهادة العامة للتعليم الثانوي المعروفة باسم "GCSE"، وذلك عن طريق تقييم أداء الطلاب بشكل عام ودرجاتهم في الامتحانات التحضيرية، إلى جانب البيانات الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك التحصيل السابق للطلاب. بيد أنّ الأبحاث تظهر أن هناك احتمالا أكبر لحصول الطلبة الفقراء على علامات أقل من نظرائهم الأثرياء.
وفي هذا الشأن قال، فرناندو م.ريمرز، الأستاذ بكلية التربية في جامعة هارفارد، في حديثه إلى شبكة "سي إن إن"، إنّ هذا الوباء "سيتسبب في تعطيل فرص التعليم، وإنّنا سنختبر نظام الإجحاف الهيكلي الذي كان سيئًا من البداية".
ويتساءل اختصاصيو التوعية عمّا إذا كان قضاء فترة أطول خارج المدرسة سيؤدي إلى بروز مشكلة أخرى أسوأ من الظاهرة المعروفة باسم فقدان التعلم الصيفي، حيث يخسر الطلاب، خاصة من الخلفيات المحرومة، خلال العطلات، أشهرًا من التعلم.
وتشير الدراسات إلى أن هؤلاء الطلاب لا يتحمّلون تكاليف المدرسة الصيفية أو الأنشطة التي يتمتّع بها الطلاب ذوو الدخل العالي، وبالتالي فإنّ الفجوة في الإنجاز بين الفئتين ستتفاقم.
وتفتقر شرائح واسعة من المجتمع في العديد من البلدان إلى الأدوات اللازمة للاتصال، سواء من حيث الافتقار إلى الإنترنت أو الكومبيوتر أو أي جهاز تواصل. وتبرز هذه الفجوة الرقمية بشكل خاص في الصين، حيث هناك أكثر من 540 مليون شخص، أو ما يقارب الـ40 ٪ من السكان، غير متصلين بالإنترنت، وفقًا لتقرير وكالة حكومية لعام 2019.
أمّا الأطفال، الذين كانوا يضطرون في السابق إلى السير على الأقدام لعدّة أميال للوصول إلى مدارسهم، فيضطرون الآن في حالة الحظر إلى التعامل مع نقص أجهزة التواصل الرقمي للحصول على التعليم.
وبحسب صحيفة "بكين نيوز"، حاولت طالبة من الصف التاسع الانتحار في فبراير/ شباط، في قرية صغيرة في مقاطعة خنان بوسط الصين.
ويبدو أن الطالبة أصيبت بالاكتئاب بعد صراعها للوصول إلى هاتف ذكي، من أجل المشاركة في دروس عبر الإنترنت. ثم انتشرت قصتها على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، فأصدرت إدارة التعليم في مقاطعة خنان توجيهًا، في الثاني من مارس/آذار، يأمر حكومات المدن والمقاطعات بالعثور على الطلاب المحرومين الذين يفتقرون إلى التكنولوجيا اللازمة للتعلم عبر الإنترنت ومساعدتهم.
وفي الولايات المتحدة، قدّرت لجنة الاتصالات الفيدرالية أن 21 مليون أميركي يفتقرون إلى الإنترنت في عام 2019.
وكان هذا النقص وانعدام القدرة في الوصول إلى الإنترنت للقيام بالواجبات المنزلية أكثر وضوحًا بين العائلات السوداء واللاتينية وذوي الدخل المنخفض، وفقًا لمسح أجراه مركز بحوث "بيو" الخيري عام 2015.
ووجد استطلاع آخر أجراه المركز ذاته في عام 2018، أنّه حتى قبل حدوث الوباء، قال حوالي 17٪ من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا، إنّهم كانوا يعجزون في معظم الأوقات عن إنجاز الواجبات المنزلية، بسبب افتقارهم للإنترنت أو لجهاز كمبيوتر.
إلى جانب الافتقار إلى وسائل التعلّم عن بعد، يمكن أن تؤدي تدابير الإغلاق إلى حاجة الأطفال إلى مكان هادئ للدراسة، أو الإحساس بالأمان في المنزل.
وقال إريك هازارد، مدير السياسة الأفريقية في منظمة إنقاذ الطفولة، إن الوضع ازداد سوءًا بسبب عدم اليقين الاقتصادي المتزايد.
ولا يتوفر خيار التعلم عبر الإنترنت للعديد من الأطفال في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتشعر منظمة "إنقاذ الطفولة" بالقلق إزاء عدم وجود آليات للشباب للدراسة في المنزل.
كذلك، وجدت دراسات أنه خلال وباء إيبولا عام 2015، ازداد استغلال الأطفال والعنف ضد الفتيات في سيراليون أثناء إغلاق المدارس. وهناك مخاوف من عودة هذا النوع من المشاكل مع عمليات الإغلاق بسبب "كوفيد 19".